العبادة وقود القيادة

  • 527

مع تزاحم الأحداث، وتتابع المواقف والأحداث، وكثرة الواجبات وقلة الأوقات، وكثرة المشكلات، وانشغال القادة بحل المشاكل وتتبع المتغيرات والأحداث، والفصل فيها وتحديد المواقف، والحفاظ على الهوية والثوابت والكيان والأفراد و ... و ...

تنشغل القيادة عن العبادة؛ فتُقصر القيادة فى كثير من العبادات التى يأتيها آحاد الناس والقيادة بها أولى؛ إذ هى محل القدوة، وإذا صلح القائد أو الراعى صلحت الرعية، وإذا استقام القلب استقامت الجوارح، ولكن مع ضغط الأعمال و كثرة الأعباء تتساقط كثير من الطاعات فى الطريق؛ فترى القائد أو المسئول يصلى فى المسجد وقد أتى متأخرًا عن الصف الأول وتكبيرة الإحرام، ودائمًا تراه مسبوقًا ولاحول ولاقوة إلا بالله، وإذا انتهى من صلاته انطلق ملهوفًا مشغولًا ولا يُردد أذكار مابعد الصلاة، وقد لا يصلى السنن البعدية، وقد يضيع السنن القبلية وينشغل بقضاء مصالح الناس وينسى ورده من القرآن، ومن شدة العناء لا يستطيع الصيام، ومع شدة الإرهاق لا يستطيع القيام؛ فليس له حظ من قيام الليل أو صيام النهار و لا حول و لا قوة إلا بالله! و كأنى بمحمد بن ثابت البُنانى وهو يقول:"ذهبتُ أُلقنُ أبى (وهو يحتضر) فقال: يا بنى، دعنى فإنى فى وردى السادس (وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين).

 وهذا أوُسيد الأنصارى يصبح فيقول:"إنا لله وإنا إليه راجعون، فاتنى وردى من الليل"، و هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائد والعابد والقدوه تأخر يومًا على قومٍ كانوا ينتظرونه فقال -صلى الله عليه وسلم-: ( حبسني وردي من القرآن فكرهت أن أخرج حتى أُتمه)،وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا عَمِلَ عملًا أثبته، وكان إذا نام من الليل أو مرض صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، ولما سُئِل النبى -صلى الله عليه وسلم- أى العمل أحب إلى الله قال: (أدومه وإن قل)، و قال عمر رضى الله عنه: (من فاته حزبه - ورده – من الليل فليقضه إذا أصبح)؛ وهكذا كان القادة بالأمس يُدركون أن عمل الليل وقود النهار، ويدركون أن الطاعة وقود القيادة، وأن العبادة من أسس نجاح القيادة؛ فالعبد لا حول له ولا قوة إلا بالله،أما اليوم فربما تأخر صاحبُنا عن صلاة الفجر، أو لم يقم أصلًا للصلاة فى وقتها و لا حول ولا قوة إلا بالله!

 نعم الأعباء كثيرة والواجبات أكثر من الأوقات، ولكن هناك أولويات، فماذا ربحتُ أنا إذا دخل الناس كلهم الجنة بسببى ودخلت أنا النار؟! لابد من التوازن والاعتدال، نعم تُبذل الأوقات فى طاعة الله وهداية قلوب الناس إلى الله، والقيادةإذ ذاك تبذل جهدًا كبيرًا ولا تتمكن من استكمال الأوراد؛ وهذا لن يضيعه الله، فالجزاء من جنس العمل، فكما أنك سبب فى هداية قلوب الناس إلى الله، فإن الله سوف يهدى قلبك إليه ويفتح عليك بما لم يفتح على غيرك، فتقرأ الآيات فترى فيها إشراقات لا يراها غيرك، وتتأثر بما لم يتأثر به غيرك، ولكن المهم أن يكون هناك وجود لأصل العمل؛ فأقرأ ولو وردًا قليلًا،وصلِّ ولو ركعات يسيرة، وصُم ولو أيامًا معدودة , ولا تكن كالشمعة التى تحترق لتضيئ لغيرها، ولكن كن كالشمس تحافظ على نفسها وتمنح الناس من دفئها وضوئها بحول الله وقوته؛ فلابد من التوازن إذن كما قال سلمان لأبى الدرداء رضى الله عنهما: "يا أبا الدرداء ، إن لجسدك عليك حقًا، و لربك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا؛ صُم و أفطر , و صلِّ وأتِ أهلك، وأعطِ كل ذى حقٍ حقه"، كذلك قال النبى -صلى الله عليه وسلم- لعثمان بن مظعون: (أَمَالَكَ فيَّ أسوه؟!) وأمره بالتوازن.

 فليكن للقاده فى رسول الله أسوة حسنة، ولا ننسى موقف النبى -صلى الله عليه وسلم- يوم الأحزاب وقد أرسل حذيفه يستطلع خبر القوم فى ليلة شديدة البرد، وشديدة الريح، وشديدة الظلمة، فلما رجع حذيفة إلى النبى -صلى الله عليه وسلم- وَجَدَهُ قائمًا يصلي! هكذا فليكن القادة والمسئولين مهما كانوا مهمومين فإن الله ييسرلهم أمورهم ويسدد على الحق خطاهم؛ فالعبادة وقود القيادة، فلا تفريط فى العبادة"واتقوا الله ما استطعتم""ومن يتوكل على الله فهو حسبه...".

وصلِ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم!