أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا

  • 235

جعل الله سبحانه وتعالى ملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم هى الملة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباعها (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ? وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، وجعل الله عزوجل لإبراهيم عليه السلام الثناء والذكر الحسن فى الأمم كلها، فالكل ينتسب إليه كما دعا بذلك صلى الله عليه وسلم ?وَاجْعَــــلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ).
 
وإن كان أتباعه حقا إنما هم أتباع ملته الحنيفية التى بعث بها، وبعث بها كل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
 
حين يذهب الحُجاج إلى بيت الله الحرام معظمين لهذا البيت ومعظمين لبانيه، وكل ذلك عبودية لله سبحانه وتعالى، ملبين نداء الرحمن سبحانه وتعالى على لسان خليله عليه الصلاة والسلام الذي أذن فى الناس فلباه من في أصلاب الرجال، ومن فى أرحام النساء إلى يوم القيامة، حتى أذن الله عزوجل لهذه البقعة أن تعمر بذكره.
 
حين تعمر هذه البقعة بحُجاج بيت الله الحرام نتذكر دعوة إبراهيم عليه السلام،وسيرته التى ذكرت فى القرآن العظيم مرات عديدة حتى نعي منها دروسا وعبرا، وحتى نعرف حقيقة التوحيد والدعوة إلى سبحانه وتعالى، والبراءة من الشر وأهله والتضحية فى سبيل الله؛ فنعرف معاني عظيمة من آيات الله سبحانه وتعالى التى منها قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام ومواقفه المختلفة،حتى نعرف لماذا اتخذه الله عزوجل خليلا، (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) و(الخلة: شدة المحبة)، فهو حبيب إلى الله عزوجل،أي شديد الحب لله سبحانه وتعالى؛ وأخبر النبى صلى الله عليه وسلم بمنزلته عند الله مقترنة بذكر منزلة إبراهيم عليه وسلم،فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا، ولو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك).
 
وقال النبى صلى الله عليه وسلم لرجل قال له يا خير البرية:(ذاك إبراهيم عليه السلام)، قال صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعًا مع أبيه، أو قبل أن يوحي إليه صلى الله عليه وسلم أنه سيد الخلق أجمعين،وإلا فإبراهيم عليه وسلم أفضل الخلائق بعد النبي صلى الله عليه وسلم .
 
وهو أفضل من الملائكة المقربين،وأفضل من سائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؛ فهو ثاني خير الخليقة على الإطلاق لموافقه العظيمة وإقامته لأمر الله سبحانه وتعالى، وقيامه بدعوة الحق؛ حتى صار من يعبد الله عزوجل فى الأرض من بعده ينتسب إليه،فأعلى أمر هؤلاء العباد أن يكونوا متبعين لملة إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
 
ولقد قص الله عز وجل علينا فى كتابه مواقفه العظيمة فى الدعوة إلى الله وتوحيدهوإقامة أمره ودينه مع قلة من استجاب له من قومه، إنما استجاب له رجل واحد وامراة واحدة،استجاب له لوط ، قال عزوجل: ( فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ)،وأخبر سبحانه وتعالى أن أمراته كانت معه، فامراته سارة،وابن أخيه لوط هما ثمرة هذه الدعوة في زمنه،وإن كانت ثمرة هذا الدعوة لا تقاس بزمن الداعي فقط ،وإنما تري آثارها فى الأرض ولو بعد فترة، فأنت إذا رأيت هذه البقعة التى لا زرع فيها ونبت ولا ماء ولا شيءمن مقومات الحياة، هذه البقعة التى بين صخور صماء،ومع ذلك تجدها أكثر بقعة فى الأرض يؤمها الناس، يؤمها الملايين من البشر فى كل ليل ونهار فضلًا عن الملايين التى تتوجه إليها فى صلاتهم.
 
إذا رأيت ذلك علمت ثمرة الدعوة إلى الله عزوجل كيف تكون، وعلمت أن دعوة صادقة تغير وجه الحياة على ظهر الأرض كدعوة إبراهيم عليه السلام؛ حيث قال (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).
 
فسبحان الله! تجد هذه البقعة التي لا ثروات فيها بوجه من الوجوه، لا أرض تُزرعُ، ولا معادن يُنقبُ عنها، ولا سماء تمطر عليها إلا في النذر اليسير، ولا أنهار تجري، ولا عيون تنبع إلا عين زمزم التي نفي بالشرب لا بالزرع، ومع ذلك تجد هذه البقعة أكثر بقعة - بحمد الله تبارك وتعالى – تهفو إليها القلوب، وتَحنُّ إليها، ولا يرى أحد أنه قد قضى منها وطرا، بل هي أمل الملايين من المسلمين.
 
ولو علم الكفار مقدار الراحة والسعادة في التوجه إلى هذه البقعة والنزول بها وعبادة الله عز وجل على أرضها، لو علموا ذلك لما عدلوا عن الإسلام بديلا، ولما ارتضوا لهم وجهة غير البيت الذي جعله الله هدى للعالمين، ولكنهم لم يذوقوا طعم العبادة في هذا المكان فرضوا بأن يتوجهوا إلى غيرها، مع أن قلوبهم مفطورة على أن تتوجه إلى هذه البقعة لولا ما عفى عليها من الشرك والتبديل والتحريف، ولا حول ولا قوة إلا بالله!