الإنصاف عزيز

  • 169

يقع كثير مِن الناس في خطأ النظرة الأحادية للآخرين؛ فالحكم على الأشخاص والهيئات عندهم إما أبيض وإما أسود، ولا يطيق أحدهم تخيل - فضلًا عن قبول التحاور حوله - المساحة الهائلة من اللون الرمادي بين اللونين الموجودة فعلًا في الواقع، بل سينزعج كثيرًا لو أدرك أن اللونين اللذَيْن لا يرى في الحياة غيرهما يحويان داخلهما تنوعًا كبيرًا في الدرجات؛ فليس كل الأسود كليل بهيم، ولا كل الأبيض كندف الثلج.

هل تستطيع أن تُكِّون رأيًا مُركَّبًا حيال شخص ما أو موضوع بعينه؟ بطريقة أخرى: هل يمكن أن يكون الشخص الواحد وكذلك الموقف الواحد والموضوع الواحد مقبولًا مِن جهة ومرفوضًا مِن جهة أخرى؟ هل تقبل مِن شخص تختلف معه مبدئيًّا -أي: بسبب اختلاف المبادئ- هل تقبل منه أي موقف إيجابي، أم تغض الطرف؟ ترى أهذا هُراءٌ لا يستحق عناء السؤال؟ مبروك أنت أسير الأبيض والأسود!

أسرى الأبيض والأسود لا يحبون التفصيل في المواقف، يضايقهم الموقف المركب، يزعجهم التروي قبل استصدار الأحكام، يضيقون ذرعًا بإنصاف الخصم لخصمه، ينفرون من أي معيار منطقي أو موضوعي لتفسير الأشياء والأحداث والأشخاص.

يرون الذي يقف في المنطقة الرمادية الذي قد يأخذ مِن اللون الأسود بعض قوته وسطوته ومن الأبيض شيئًا مِن سطوعه وبساطته خائبًا فاشلًا مترددًا ممسكًا للعصا مِن المنتصف، لا يقبلون منه صرفًا ولا عدلًا حتى ينحاز إلى أحد اللونين صراحة، وساعتها يقررون موقفًا حياله!