المعركة التربوية

  • 157

منذ قدم الاحتلال الغربي إلى بلاد المسلمين حرص على تربية جيل من النخبة في المجتمع من رجال ونساء في مجالات الفكر والأدب والفن والسياسة والإعلام والاقتصاد والتعليم، تشربت بمناهجه وأطروحاته للحياة وتقبلت قضاياه واعتقدت تقدميه ولزوم التبعية له في جميع المجالات، وبالفعل تكونت هذه النخبة التي هي من جلدتنا تتكلم بألسنتنا لكنها تنادي بطريقة الغرب في قضايا التشريع والحريات والمساواة المدعاة حتى في المساواة بين الملل، في قضايا المرأة والفن والإبداع وغيرها، ولا تزال الأمة تعاني من آثار هذه النخبة التي بالتأكيد أثرت على بناء أجيال من البشر ممسوخة الهوية، مضيعة الفكر والعقيدة والمنهج – كما سماهم الشيخ أحمد شاكر رحمه الله أبناء أعدائنا منا، وعندما شعر المحتل بأن هذه النخبة كافية في إنتاج الأجيال التي يريد انسحبت قواته العسكرية، وبقيت الهيمنة الاقتصادية والثقافية والفكرية والإعلامية والسياسية، مع أن القوات العسكرية لم تنسحب إلى بعيد بل تعود بأسرع مما كنا نتصور كما حدث في العراق وقبلها أفغانستان وبعدها سوريا، ولكن الهداية  الإضلال ليست للبشر بل الله وحده، يهدي من يشاء ويعافي فضلا، ويضل من يشاء ويبتلي عدلا. (مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
 
فجاءت موجة هائلة من الهداية في أرجاء العالم العربي والإسلامي، حتى التي رزحت تحت الاحتلال الملحد المعادي لفكرة الدين من أساسها، حدثت فيها الصحوة الإسلامية، التي امتد أثرها إلى داخل الغرب ومجتمعاته حتى صار يخشى من أسلمة مجتمعاته وتأثرت دوله بذلك، فكان المخطط الجهنمي الذي سعى ويسعى إليه الأعداء من تشويه صورة الإسلام من خلال تصدير أسوأ أنواع البدع من الرافضة والخوارج على أنها قائدة العمل الإسلامي، ونموذج الدولة الإسلامية المنتظرة لينفر العالم منهم مسلمهم قبل غير مسلمهم ليرفضوا هذه الفكرة ويلفظوا أصحابها، بل ودفع الأعداء دفعا نحو الصدام بين هذه البدع التي جعلت ممثلة للصحوة الإسلامية وبين المجتمعات التي نشأت فيها؛ بحجة أنها مجتمعات جاهلية لا تستحق الوجود، فتكون النتيجة أن تطحنها المجتمعات وتدمرها، فضلا عن الأنظمة التي لا تعرف الرحمة.
 
وكان الخط الثاني -وهو الأخطر- وهو العمل على تغيير هوية المجتمعات العربية والإسلامية من داخلها، ليس فقط في مجال النخبة؛ بل بالعمل على الأرض، وعلى كل فئات المجتمع من قاعدته إلى قمته، وليس الاكتفاء بالنخبة قمة المجتمع  كما فعل عند الاحتلال، فبدأ بتكوين المؤسسات والمنظمات التي تتخذ العمل المدني الخدمي النافع ستارا لها، ليدخل إلى المجتمع جميع الأفكار المنحرفة التي تتبنى منهج الأعداء في جميع المجالات؛ خاصة المرأة والشباب.
 
ولا علاج لهذه القضية بل لا مواجهة لهذه الحرب التربوية إلا بالعمل التربوي البنّاء، الذي يجعل هدفه بناء الشخصية المسلمة المتكاملة السوية؛ في الجانب العقدي الإيماني، وفي الجانب العبادي، وفي الجانب السلوكي والأخلاقي، وفي جانب المعاملات.
 
فالشخصية المسلمة هي حجر الزاوية في أي عمل لمستقبل هذه الأمة، ومستقبل أي جماعة من الجماعات الدعوية، ومستقبل الوطن والدولة. وهذا البناء أصعب شيء، بناء الإنسان، إلا أنه أعظم استثمار وأربح تجارة، وهو يسير على من يسره الله عليه.
وللحديث إن شاء الله بقية حول الجوانب المختلفة لبناء الإنسان على المنهج الإسلامي. وفقنا الله لما يحبه ويرضاه.