المسجد الأقصى بيْن أوليائه وأعدائه

  • 191

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله -تعالى- ممجدًا نفسه، ومعظمًا شأنه؛ لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(الإسراء:1).

ولو لم يوجد للمسجد الأقصى فضيلة إلا هذه الآية لكفاه؛ إذ جعله الله مسرى نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وبارك حوله بركة حسية بأن أجرى حوله الأنهار وأنبت الثمار، وبركة معنوية بأن جعله بيت الأنبياء ومعدن الوحي.

وهو ثاني مسجد وُضع على الأرض لعبادة الله -سبحانه وتعالى- بعد المسجد الحرام، وبينهما أربعون سنة، كما جاء في حديث أبي ذر -رضي الله عنه-، والذي بناه نبي الله يعقوب -عليه السلام- كما رجحه ابن كثير وغيره، وجدد بناءه سليمان -عليه السلام-، ووسعه وجدده وبنى قبة الصخرة الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.

ولما جدد بناءه سليمان -عليه السلام- سأل الله -عز وجل- ثلاثًا؛ فأعطاه اثنتين، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ... )، فسأل ربه بأن يحكم بحكم يوطئ حكمه فأعطاه ذلك، وسأله ملكًا لا ينبغي لأحدٍ مِن بعده فأعطاه، وسأله ثالثة: (أَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ، إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ(رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سئل: عَنِ الصَلَاةِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَفْضَلُ؟ أَوِ الصَلَاةُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ فَقَالَ: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا , أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى فِي أَرْضِ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ, وَلَيَأتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ, لَقَيْدُ سَوْطٍ, أَوْ قَالَ: قَوْسُ الرَّجُلِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ أَوْ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا(رواه البيهقي، وصححه الألباني). فالصلاة في المسجد الأقصى تعدل (250) صلاة.

وهي أرض لا يطأها الدجال: كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَا يَقْرَبُ أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ: مَسْجِدَ الْحَرَامِ, وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ, وَالْمَسْجِدَ الْأَقْصَى, وَمَسْجِدَ الطُّورِ(رواه أحمد، وصححه الألباني).

وهي أرض المحشر والمنشر، وهي الأرض المباركة التي نجَّا الله إبراهيم ولوطا -عليهما السلام- إليها، وهي الأرض المقدسة التي كتبها الله لبني إسرائيل وأمر موسى -عليه السلام- أن يأخذ قومه إليها.

وجعله الله مسجدًا معظمًا يُقصد بالسفر والزيارة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى(متفق عليه).

وببيت المقدس قبر إبراهيم -عليه السلام-، كما أكدَّه ابن تيمية -رحمه الله-.

هذا وغيره مِن الفضائل نذكِّر به أنفسنا وإخواننا المسلمين في كل مكان؛ ليعلموا أن المسجد الأقصى مِن مقدساتنا، لا يملك أحدٌ التفريط فيه أو ترك نصرته؛ ولأن أعداء الله -عز وجل- مِن اليهود وغيرهم يريدون نسيان المسلمين له؛ ليتسنى لهم تنفيذ مخططاتهم.

وهيهات هيهات!

فأمتنا -نصرها الله- تمرض، لكنها لا تموت! وسرعان ما تستفيق.

هذا ما بيَّنه لنا التاريخ كما سنرى -إن شاء الله-.