رمضان... لتعظيم شعائر الله -تعالى-
ومخافته
الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فنصوم
مِن طلوع الفجر وحتى غروب الشمس، ومَن صام احتسابًا لربه -سبحانه-، مهما اشتد عليه
الجوع أو العطش أو الحاجة -مِن غير مرض- لأي مِن المفطرات يستحيل عليه أن يقدم على
شربة ماء، ولو كان قبْل الغروب بطرفة عين، ويحتاج كذلك لشربة ماء فيرفع الإناء إلى
فمه فيسمع نداء الفجر: (الله أكبر) فيسقط الإناء مِن يده.
إنها عبادة التعظيم والتبجيل لأمر الله -عز وجل-، والوقوف عند حدوده -جلَّ جلاله-.
هذه العبادة التي نحتاجها في سائر حياتنا، وفي كل أحوالنا، فإن الله -تعالى-
قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا
كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)، ولن تتحقق هذه غاية "التقوى المرادة"
مِن وراء الصيام ورمضان إلا إذا استقر في القلب التعظيم لأوامر رب العالمين، والوقوف
عند حدوده؛ لذلك قال -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ
اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج:32).
فهذا التعظيم وهذا الإجلال ينبع مِن مخافة الله -تعالى-، ومِن ثَمَّ مخافة التعدي
علي حدوده في كل حالٍ وكل آن؛ فخوف الله -تعالى- هو العبادة التي يجب أن تملأ القلب وتُشِبعه حتى تمنعه تمامًا
مِن تضييع فرائض الله -تعالى-، أو التقصير في فعل القربات والطاعات، وكذلك تَحْجِزَه
وتصده عن مجرد الاقتراب مِن محارم الله -تعالى-، فالخوف مِن الله -عز وجل- هو الحاجز
الصلب أمام دفعات الهوى، والطارق القوي المانع مِن الغفلة، وحائط الصد للشهوات والفتن.
ولذلك
وعد الله -تعالى- عباده المتصفين بالخشية منه -جل جلاله-، العارفين لمقام مخافته ومخافة
يوم الحساب وشِدته، بأنهم وإن طال بهم أمد الاستضعاف، فلهم في النهاية التمكين في الأرض
والسيادة في الدنيا، قال -تعالى-: (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ
مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) (إبراهيم:14).
أما في الآخرة فأصحاب الخشية مِن الله -تعالى- والخوف مِن سخطه وعذابه، هم أصحاب
الفرحة الكبرى والسعادة العظمي بخشيتهم لربهم -جل جلاله-، وخوفهم مِن عقابه الذي لازمهم
في سائر شئونهم، في عباداتهم ومعاملتهم، وأقوالهم وأفعالهم، قال -تعالى-: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ . قَالُوا
إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ . فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا
وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ . إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ
هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) (الطور:25-28).
فهذا مِن أهم وأوثق علامات الإيمان؛ فلن يخشى الله -تعالى- ويخافه حق الخشية والمخافة إلا مَن
وقر في قلبه تعظيمه لربه، وإجلاله حق التعظيم، ومعرفة قدر مولاه حق المعرفة، قال -تعالى-:
(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)
(فاطر:28)؛ لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم-
هو أشد الناس خوفًا مِن الله -تعالى- وخشية له -سبحانه وتعالى-، فعن عَائِشَةَ -رضي
الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنِّي لأَعْلَمُهُمْ
بِاللهِ، وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً) (متفق عليه).
وكذلك مِن أوثق علامات التعظيم لله -تعالى- ومخافته: الإقبال على الطاعات والحرص عليها، وعدم
تضييعها، عن أَبي هريرة -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(مَنْ خَافَ أدْلَجَ، وَمَنْ أدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ، ألا
إنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ، ألاَ إنَّ سِلْعَةَ الله الجَنَّةُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني). (أدْلَجَ):
أي سار مِن أول الليلِ، والمراد التشمير والهِمة في الطاعة والصلاح.
وقال
-تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ
وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ
وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) (المؤمنون:60-61).
نسأل الله -عز وجل- أن يملأ قلوبنا بتعظيمه والخشية منه. اللهم آمين.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.