الفساد (36) الأحزاب والحياة السياسية في مصر (4-4)

  • 364
1

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فآن الأوان بعد سنوات من ثورة يناير أن نعيد النظر في تجاربنا السابقة المتعلقة بالأحزاب السياسية في مصر، فمن بعد ثورة يوليو لم تشهد مصر تجربة حزبية ناجحة؛ إذ كانت كل التجارب صورًا مكررة من نظام حكم فردي لا يؤمن بالتعددية؛ ولهذا فمن الصعب أن يقال: إن مصر عاشت تجربة ديمقراطية حقيقية طوال هذه السنوات.

نعم كانت هناك بعض الظواهر الإيجابية، لكنها لم تصمد أمام تجارب مشوهة قامت على ثوابت الحزب الواحد، ابتداءً بهيئة التحرير والاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي ثم حزب مصر والحزب الوطني.

عاش المصريون في ظل الحزب الواحد أكثر من ستين عامًا حتى تجمدت الحياة السياسية، وسيطرت فئة لم يتغير فكرها ولم تتجدد رؤاها، وترك ذلك آثارًا سيئة على المناخ (اختصارًا من مقال للكاتب فاروق جويدة بالأهرام الأسبوعي - الجمعة 6 يناير2017م - ص 13).

يقول الكاتب: "في تقديري أن هذه التجارب لم تكن يومًا تدعو للديمقراطية الحقيقية، ولم تكن أحزابًا بالمفهوم الصحيح... كانت تنظيمات فوقية تم اختيارها واختيار كوادرها لدعم السلطة وتأكيد حكم الفرد، ومن هنا انهارت هذه التجارب أمام نكسة 67، وانتهت بخروج الشباب الرافض للهزيمة في مظاهرات تؤكِّد على فشل هذه التجارب... لم يبقَ مِن هذه التنظيمات الهلامية غير تجربة الحزب الوطني، وكان السبب في بقائه أنه استطاع أن يجمع أصحاب المصالح، ويعلن زواج المال والسلطة، وهو زواج باطل.

والغريب أن البعض الآن يروج مرة أخرى لهذه التجارب، ويطالب باستنساخ هذه النماذج رغم أن التنظيم الطليعي، ومنظمة الشباب انتهيا تمامًا! إن بقاء بعض فلول الحزب الوطني لا يعني أبدًا قدرته على الاستمرار كقوة سياسية. إن مصر الآن غير ما كانت عليه فيما مضى" (باختصار من مقال له بالأهرام الأسبوعي - الجمعة 4 مايو2018 م).

ويضيف: "إن الأحزاب والتجمعات الفوقية قد أثبتت فشلها في تجارب كثيرة؛ لأن الأحزاب الحقيقية لا بد أن تخرج من بين الجماهير وتعبِّر عن إرادتها وأحلامها ومشاكلها ومعاناتها، ولا يعقل بعد عشرات السنين من ثورة يوليو أن يفكر البعض بنفس الأساليب القديمة) (المصدر السابق بتصرف).

ويقول الكاتب: "أصبحت أخاف من عمليات الفرز الاجتماعي بين شبابنا وقد تحولوا إلى فئات، فهناك فئات تتمتع بوضع خاص في مؤسسات الدولة ما بين المناصب والمكاسب والامتيازات، ولا أحد يعلم على أي أساس يتم ذلك، وبأي منطق: هل هي الكفاءة والقدرات أم الأصل والنسب أم الطبقة الجديدة التي تفرض شروطها على المستقبل كما فرضته على الماضي والحاضر؟" (باختصار من مقال بالأهرام الأسبوعي بتاريخ 4 يناير2019م).

ويضيف في مقال آخر: "نحن الآن على أبواب مرحلة جديدة، ولا أعتقد أن المناخ السياسي الذي نعيشه الآن هو النموذج الأمثل لدفع الشباب لإنشاء أحزاب جديدة، فما زالت قضية الشباب تواجه تحديات كثيرة؛ بسبب البطالة والظروف الاقتصادية، والتعليم والثقافة والإعلام، وقبل هذا قضايا الأمن، وكلها أسباب حملت مبرراتها، ولكن هذا لا يمنع من تشجيع أي مبادرات تظهر الشباب، وهنا يأتي دور النخبة والمجتمع المدني، فالانسحاب المريب من الساحة شارك في حالة فراغ سياسي لا يتناسب مع أحلام أجيال ثارت من أجل الحرية ورغيف الخبز والكرامة" (من مقال في الأهرام الأسبوعي 12 مايو2017م بتصرف).

"إن مصر مهيئة لأن تبدأ تجربة ومسارًا جديدًا مع قضايا الحريات، وهذا يتطلب لغة جديدة للحوار بين بعضنا وبعض حول جميع القضايا، حوار يتحول إلى حراك سياسي وفكري وثقافي"، "فإن حالة الصمت التي يعيشها المصريون في مناقشة قضاياهم رفضًا أو قبولًا تهدد مستقبل الأجيال القادمة التي ترى حولها كل يوم شواهد عالم وشعوب تتغير".

"إن الأزمة الحقيقية: أن المسافة كانت بعيدة جدًّا بين سلطة القرار ودعوات الحريات، وهذا خطأ تاريخي يحتاج علاجًا مزدوجًا من الشعب وسلطة القرار.

إن انسحاب النخبة من الشارع السياسي على فترات تحول إلى حالة من إدمان السلبية والانزواء، وربما ارتاحت السلطة لهذا الانسحاب الذي تحول مع الوقت إلى واقع حقيقي بين سلطة لا تريد وشعب لا يقدر".

إنه "رغم التعارض الشديد بين القوى الاجتماعية في مصر، فإن الواقع يفرض على الجميع إعادة الحسابات"، فـ"الواقع الطبقي في مصر الآن يحتاج إلى مراجعات؛ لأن الفوارق الاجتماعية أصبحت عبئًا على كل الأطراف الأغنياء والفقراء ومؤسسات الدولة.

نحن أمام ملايين لها احتياجاتها ومطالبها في توفير حياة كريمة، والدولة تسعى لذلك في حدود ما هو متاح لها، ولكن حين يشتري مواطن فيلا في العلمين بمائة مليون جنيه لا بد أن نسأله: هل دفع ما عليه للدولة من مستحقات؟ وماذا قدَّم للملايين الذين تسعى الحكومة لتوفير مسكن لهم؟!".

"إن الحكومة في حاجةٍ إلى مزيدٍ مِن التواصل مع المواطنين؛ لأن الحوار ضرورة، وواجب الحكومة أن تسمع لأنها فقط تريد أن تتكلم. هناك مشروعات تحتاج إلى الحوار وقضايا لا ينبغي أن تكون من حق طرفٍ واحدٍ". إن "مصر تحلم بواقع سياسي أكثر انفتاحًا... وسوف تظل تحلم بأحزاب حقيقية، تخرج من الشارع المصري بلا وصايا من أحد، وتكون تعبيرًا عن هذا الشعب بكل أطيافه".

"إن أبواب الحوار لا بد أن تبدأ من الإعلام بكل وسائله"، "فهو الذي سيمهد الأرض لظهور أحزابٍ جديدةٍ، ويعيد النخبة إلى مسارها في خدمة قضايا الوطن بعيدًا عن السلبية التي ضيعت فرصًا كثيرة... وقبل هذا فإن المسئولين مطالبون بفتح أبواب مكاتبهم أمام الناس، لا أن يجلس المسئول خلف جدران مكتبه، ويتصور أن هذه هي كل مسئولياته" (باختصار من مقال للكاتب فاروق جويدة - الأهرام الأسبوعي 4 يناير 2019م).

لقد حاول رأس المال "أمام حالة الفراغ السياسي في الشارع المصري أن يحجز مكانًا، فقام رجال الأعمال بإنشاء أحزاب افتقدت الفكر والأسلوب والمنهج، وتحولت إلى أحزاب شخصية بنفس أساليب إنشاء الحزب الواحد من الدولة، وكان الفرق أن هذا حزب أقامه مسئول في السلطة، وهذا حزب أقامه رجل أعمال بأمواله، وكما فشلت أحزاب السلطة لحقت بها أحزاب رأس المال. وهذا تأكيد على فشل كل تجارب الأحزاب الفوقية التي خرجت من جلباب السلطة أو من جيوب رأس المال".

"إن رأس المال يمكن أن يبني مصنعًا أو عمارة، ولكنه لا يشتري بشرًا، وأن هؤلاء الذين أقاموا الأحزاب السياسية ودفعوا لها الملايين أولى بهم أن يشاركوا في بناء اقتصاد الدولة وتشغيل شبابها" (باختصار من مقال للكاتب فاروق جويدة - جريدة الأهرام الأسبوعي الجمعة 6 يناير2017م).

من وسائل علاج تردي الأحزاب والحياة السياسية في مصر:

1- الاهتمام بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية:

"فيجب أن تسود روح التضامن والتعاون بين مختلف الجماعات والهيئات والأحزاب السياسية للوصول إلى اتفاق في وجهات النظر ونبذ الخلافات، وتنمية المسئولية المشتركة والتمتع بالعقلية العملية المرنة التي تخفف من حدة الخلاف؛ ومن أجل ذلك يجب أن تقل الفوارق الاقتصادية والثقافية بين الأفراد والجماعات" (راجع أزمة القرار السياسي، ص 97).

فالمشاركة السياسية تختلف من شخصٍ لآخر ومن طبقةٍ لأخرى، ومِن المعروف أن الأشخاص أصحاب المكانة الاجتماعية والاقتصادية الأعلى يميلون إلى المشاركة بقدر أكبر من غيرهم، وذلك بغض النظر عن المجتمعات والأنظمة التي يعيشون في ظلها، فـ"الانتعاش الاقتصادي لا بد وأن يلقي بظلاله على الحياة السياسية داخل المجتمع؛ لما يؤدي إليه من تخفيف التوترات الاجتماعية بين طبقات المجتمع، فيتبلور نوع من الاتفاق الجماعي على أسس رئيسة للمجتمع، تتعايش في ظلها الفئات والطبقات الاجتماعية، فيتحول المجتمع من مجتمع قائم على الصراع إلى مجتمع قائم على الاتفاق"، "إن التطلع السياسي لن يؤتي ثماره إلا إذا واكبه إصلاح اقتصادي واجتماعي، فالتخطيط السياسي يجهضه الاقتصاد المتخلف والنظام الاجتماعي المتردي"، "ولعل هذا هو ما جعل رجال الفكر السياسي يذهبون إلى القول بأن ظاهرة التنمية هي مشكلة سياسية في المقام الأول" (أزمة القرار السياسي، ص 61 - 62).

2- ضرورة القضاء على الأمية:

إن كل محاولات التنمية والإصلاح السياسي لا بد وأنها ستصطدم بالعقول الأمية، فالقضاء على الأمية هو التحدي الأول لا على الدولة فحسب، بل على كل فئات المجتمع، ومنها: الأحزاب، والجمعيات الأهلية، من خلال خطة شاملة متكاملة يساهم فيها الجميع -خاصة رجال الأعمال-؛ كل بقدر طاقته، ومن خلال استغلال طاقات الشباب الضخمة وأعداده الكبيرة، وفتح مئات الألوف من الفصول والمدارس النهارية والليلية لمحو الأمية، ولتشارك الأحزاب بمقارها وفروعها في ذلك، بل والدولة والمحليات بمراكز الشباب وبقصور الثقافة وبالساحات الشعبية المهملة وغير المهملة، وبمقار خاصة توفرها القوات المسلحة للأميين من المجندين والمدنيين، ومؤسسات رجال الأعمال، وكذلك المساجد والكنائس، وتقديم ذلك على كل الأولويات، ولنا في دول نجحت في ذلك أسوة، فكوريا خفضت الأمية فيها من 65% إلى 4%، والصين الضخمة خفضت الأمية من 80 % إلى أقل من 20% في أزمان قياسية.

2- الاهتمام التنمية السياسية:

تتمثل التنمية السياسية في رأي الكثيرين في تنمية قدرات الجماهير على إدراك مشكلاتهم، وتعبئة كل الإمكانيات المتاحة لمواجهتها بشكل علمي واقعي؛ بالإضافة إلى ترسيخ قيم الديمقراطية، وتحقيق المساواة السياسية دون تمييز.

إن التنمية السياسية مشكلة لا بد من تخطيها من بداية الطريق حتى تكون الخطوات بعد ذلك أكثر نفعًا وأعمق فاعلية. يرى البعض أن بداية ذلك تكمن في تنشئة ثقافية سياسية؛ بمعنى تأصيل القيم والمبادئ السياسية لتتحول إلى سلوك عملي يلتزم به القادة والمواطنين" (المصدر السابق، ص 63).

3- نضج الوعي السياسي:

فنضج الوعي السياسي يساعد على الوصول إلى القرارات السياسية الرشيدة، وهذا لا يمكن تحقيقه في لحظة؛ لأنه يتطلب:

أولًا: فلسفة سياسية تستطيع أن تصل ببساطتها وواقعيتها إلى مستوى القاعدة الجماهيرية، وتقنعها بجدواها وفعاليتها، وقدرتها على تحقيق أهداف الشعب في الحرية والمساواة والرخاء، فيكون رد فعل جماهير هو الاستجابة النشطة لهذه الفلسفة، والاستعداد للبذل والتضحية لترجمتها إلى واقع تعيشه الأغلبية.

ثانيًا: ممارسة عملية للمشاركة السياسية تتضح فيها الرؤية الصحيحة، وتبرز الاحتياجات العملية، وتحدد وسائلها.

إن من الخطر على مستقبلنا أن ندعو عامة الشعب إلى الاشتراك في الشئون العامة، وأفراده لم يتملكوا بعد قسطًا من النضج والوعي السياسي، والإحساس بالتضامن الاجتماعي (المصدر السابق، ص 65).

"فالشعب لكي يكون له دور إيجابي في القرار السياسي؛ لا بد أن تتكون لديه درجة عالية من النضج السياسي؛ خاصة في عصرنا الذي تعقدت فيه الحياة السياسية، وازداد تدخل الحكومات في الحياة السياسية والاجتماعية للمواطنين.

ويعتمد النضج السياسي للمواطنين على درجة الثقافة والتعليم التي وصل إليها أفراد الشعب، فالتعليم والثقافة تؤهلان الشعب للمشاركة الإيجابية الفعالة في القرار السياسي عن طريق التعبير عن آرائهم بكافة طرق التعبير؛ سواء عن طريق الانتخابات أو وسائل الاتصال الجماهيرية؛ ففي المجتمعات الديمقراطية الحرة يشعر المواطنون بمكانتهم وقدراتهم السياسية، ويتعاملون مع الحكام على أنهم وكلاء عنهم، يحاسبونهم على أعمالهم، ولديهم المقدرة على إنهاء هذه الوكالة في أي وقت، بينما يراعي الحكام سلطة الشعب وإرادته التي ولتهم، والتي تستطيع مقاومتهم إذا حادوا عن الطريق.

إن نجاح الحكومات الديمقراطية في تنمية وزيادة الوعي السياسي لدى الجماهير يخلق قنوات اتصال بين الحاكم والمحكومين، ويؤدي إلى مشاركة إيجابية تضفي عليها الشرعية اللازمة لممارسة أعمال السلطة (المصدر السابق، ص 95 - 96 بتصرف).

4- تقوية المشاركة الفعالة:

إن المشاركة السياسية تعني اشتراك قطاعات عريضة من الشعب في إدارة العملية السياسية مما يجعل القرارات السياسية تخرج معبرة بصدق عن رأي المواطنين، فمن المعروف أن المشاركة السياسية تتدرج فتبدأ من حق الفرد في التصويت وتمر بالمشاركة في المناقشات السياسية، وتقديم الشكاوي والاقتراحات، واكتساب عضوية التنظيمات الشعبية، والترشح للمناصب العامة، وتنتهي بالوجود الفعلي في بنية السلطة.

وتتطلب الممارسة السياسية البناءة في هذه الأنشطة اقتناعًا بضرورة وجدوى المشاركة بحيث ترقى إلى مرتبة الالتزام والواجب. وبالإضافة إلى الاقتناع بضرورة المشاركة، فيلزم أن تكون تلك المشاركة بوعي وإيجابية (المصدر السابق، ص 67 - 68).

فنجاح العملية السياسية يتوقف على المشاركة السياسية، وهذه المشاركة هي الوسيلة إلى الاستقرار السياسي، وتؤدي إلى تدعيم السلطة السياسية القائمة، وتقوي الشعور بالانتماء وتلقائية الطاعة والإحساس بالمسئولية (المصدر السابق، ص 68 بتصرفٍ).

"إن مبدأ المشاركة -إلى جانب حفاظه على الاستقرار- يشعر الناس بأنهم يتمتعون بتأثير ما على القرارات، ويوفِّر متنفس للتوترات العامة، ويعمل على التعرف على مصادر المعارضة بدلًا من دفعها للعمل الخفي وإثارة المتاعب؛ بسبب عدم السماح لها بالتعبير عن آرائها بصراحة، كذلك فإن الاختلاف في الرأي ومراعاة المصالح من أكبر دواعي التغيير، ويمكن لضغوط المعارضة الناجمة عن ذلك أن تدفع صانعي القرار إلى العمل المستمر والمستنير، وتمنعهم من الركون إلى الرضا عن النفس وعن مستوى الأداء، وتحول دون إصدار قرارات خاطئة، فربما نكره مَن يعارضنا، ولكننا نحتاج إليه وقد نأخذ برأيه.

وتنبع قيمة المشاركة أيضا في أنها:

1- تعطي فرصًا متساوية للمواطنين من كل الاتجاهات للمشاركة في عملية صنع القرار، ووضع السياسة العامة.

2- تقف في مواجهة الطغيان على الحقوق الفردية.

3- ترفع من المستوى الثقافي للمواطنين الذين قبِلوا أن يكونوا في موقع المسئولية (المصدر السابق، ص 70).

4- ضرورة توفير المعلومات وإتاحة البيانات:

"يجب على الحكومة قبل اتخاذها القرارات المهمة أن تعرض على الشعب -أو أولي الأمر منه- الحقائق والمعلومات الكاملة عن طبيعة القضايا المراد اتخاذ القرارات فيها؛ وذلك حتى يقف الشعب على حقائق الأمور فلا يفاجأ بصدور القرارات المصيرية دون علمه ودون استعداده لتقبلها. إن سياسة عرض الحقائق كاملة على الرأي العام تسهم في تشكيل رأي عام واع وناضج، يسهم في صنع القرارات الرشيدة التي تمس الجماهير (المصدر السابق، ص 96).

لقد "تحولت وسائل الإعلام بعد الثورة التكنولوجية ودخول مجال الأقمار الصناعية والحاسبات الإلكترونية إلى قوة سياسية تعادل أي قوة أخرى داخل النظام السياسي؛ لذلك ينبغي أن تستخدم السلطة وسائل الإعلام كمصدر لتقديم المعلومات، وكلما كانت المادة المقدمة من وسائل الإعلام مفهومة وسهلة القراءة ومثيرة لاهتمام صانع القرار، وخالية من التعقيدات اللفظية والعلمية، زادت فرصتها لتكون مصدرًا رئيسًا من مصادر معلومات صانع القرار"، "وقد كشفت الدراسات أن هناك ارتباطًا قويًّا بين درجة الثقة في مصداقية التغطية الإعلامية ودرجة التأثر بها". "ومن الجدير بالذكر هنا: أن دور وسائل الإعلام بالنسبة لدائرة صناعة القرار وبالنسبة للجمهور يتوقف على ديمقراطية النظام السياسي، كما أنها بقيامها بهذا الدور تدعم الديمقراطية وتوسع رقعتها في المجتمع" (المصدر السابق، ص 74- 75).

ومما يقوي دور الإعلام: إذاعته ونشره ما يجري في جلسات البرلمان، فمِن فوائد ذلك:

1- الاطلاع على ما يثار من قضايا وطنية في البرلمان.

2- الاطلاع على أداء البرلمان والأحزاب والأعضاء المنتخبين.

3- زيادة الوعي السياسي.

وتنمية دور الإعلام في تنشيط الحياة السياسية يساهِم في تقوية الوعي السياسي، فينبغي "توفير قدر معقول من المعلومات الصادقة والحقيقية، حيث تتحدد ردود فعل الجماهير إزاء القرارات بقدر ما تتلقاه من وسائل الإعلام عنها، وهذا يؤثر بدوره على تنفيذ القرارات كما يؤثر على الثقة في الحكومة ذاتها" (المصدر السابق، ص 75).

5- أهمية تقوية دور الأحزاب السياسية:

الأحزاب مؤسسات وسيطة تحمل رغبات الشعب إلى السلطة، وعن طريقها يستطيع المواطن التعبير عن رأيه والمشاركة في الحياة السياسية، وهذا يتوقف على مكانة الأحزاب وقربها من الجماهير، وما تتمتع به من احترام لدى السلطة، فعلى الدولة تقوية دور الأحزاب ومساعدتها في دخول البرلمان وزيادة تمثيلها ودورها النشط فيه.

و"على الأحزاب أن تتقدم نحو الشعب وتعده لتولي السلطة بنفسه عن طريق تثقيفه سياسيًّا وإعداد كوادره وتعبئة جماهيره، فالأحزاب السياسية تعد مدارس تلقن فيها مبادئ ممارسة السلطة، فهي التي تقدم للانتخابات المرشحين الصالحين لتولي الوظائف النيابية"، "وبشكل عام فكلما كان الحزب أكثر مركزية وأدق تنظيما وأكثر تماسكًا، أمكنه التأثير في الرأي العام" (المصدر السابق، ص 72).

"إن أقوى ضمانة لسلامة القرار السياسي إنما تتمثل في يقظة المعارضة البرلمانية، وفي قوة مقاومتها لما تبديه الحكومة من انحراف في استعمال السلطة، أو اتخاذ قرارات فردية مخالفة للقانون، سواء كان الذي اتخذ هذه القرارات برلمانًا أو ملكًا أو رئيس جمهورية"، "إن النظام الحزبي يعد أحد الوسائل التي تؤدي إلى تقاسم السلطة وعدم تركزها في يد واحدة وبالتالي تقييدها في اتخاذ القرارات" (المصدر السابق، ص 87 - 88).

لقد "تبيَّن من الممارسة الديمقراطية الفعلية بعد ثورة يناير: أن الأحزاب السياسية التقليدية ليس لها ظهير شعبي، وأكد ذلك حصولها في البرلمان الأول بعد الثورة على نسب متدنية، وكذلك الأحزاب الجديدة التي أسسها ناشطون سياسيون، والتي ظهر أنها في الواقع أحزاب كرتونية ليس لها تأييد شعبي (راجع "التحول في بينية المجتمع المدني بعد الثورات المصرية"، ص 237).

إن "الدولة المصرية بعد الثورة تجددت وأصبحت دولة تنموية، غير أن الأحزاب السياسية ما زالت أحزابًا تقليدية تمارس السياسة بالأسلوب العتيق، والذي يقوم على تأثير رأس المال السياسي والعصبيات وشيوع فئة نواب الخدمات؛ ولذلك ستحدث فجوة عميقة بين هذه الدولة التنموية الناهضة وبين الأحزاب السياسية"؛ لذا "نريد منها أن تتجدد، وتعيد صياغة نفسها بالكامل لتصبح أحزابًا تنموية" (المصدر السابق: 244 مختصرًا).

يقول د. "السيد ياسين": "وفي تقديرنا: أن الأحزاب السياسية المصرية القديمة والجديدة لا بد أن تتجدد أولًا مؤسسيًّا كما تجددت الأحزاب السياسية في أوروبا، فلم تعد هناك زعامات خالدة للأحزاب ولا قيادات تبقى مدى الحياة، وتزيح القيادات الشابة من تولي القيادة، وأهم من ذلك: أن تجدد أجندتها السياسية"، "ونحن ندعو الأحزاب المصرية -توافقًا مع الدولة التنموية العائدة- أن يكون هدفها -وبكل قوة-: التنمية المستدامة؛ تخطيطًا وتنفيذًا، وتعبئة وحشدًا، ونقصد من ذلك على وجه التحديد: المشاركة الفعالة لها في صياغة الرؤية الإستراتيجية للبلاد، بالتعاون مع هيئات الدولة التنموية، والإسهام في صياغة الخطط الاقتصادية ورسم معالم الخريطة التنموية، والنزول إلى الشارع والتفاعل مع الجماهير من خلال الإسهام الفعال في عملية التعليم والتدريب والتشغيل، وأهم من ذلك: إضافة مهمة المشاركة في صناعة القرار التنموي، والرقابة على تنفيذ هذا القرار بواسطة مؤسسات مستحدثة لا علاقة لها بالممارسات الحزبية القديمة. هذه دعوة للتجدد المعرفي للمجتمع وللتجدد المؤسسي للأحزاب" (المصدر السابق، ص 243).

7 - تجنب النزعة الرئاسية المتطرفة في الحكم:

فمعظم دول العالم الثالث تميل إلى النظام الرئاسي لا النظام البرلماني، وإن زعمت الخلط بينهما، بل وتتبنى النزعة الرئاسية المتطرفة.

و"ينبغي تغيير النظام الرئاسي المتطرف -والذي يتحول إلى ديكتاتورية- إلى النظام البرلماني، فالنظام الرئاسي لم يكفل الاستقرار في الدول التي اقتبسته من الولايات المتحدة، وكتب له الفشل والتأرجح بين الفوضى والانقلابات والديكتاتورية".

إن "النظام البرلماني لا يتنافى مع اشتراك رئيس الدولة في إدارة شئون الحكم، فله الحق قي أن تكون له آراء سياسية يعمل على تنفيذها (المصدر السابق، ص 98).

ويستلزم ذلك أيضًا: التخلص من قيم المجتمع الأبوي، والسلطة الأبوية بتكريس قيم المجتمع التشاركي، وإزالة الجمود الذي أوجده المجتمع الأبوي من خلال لقاءات حوارية مستمرة بين الرئيس وفئات المجتمع، والرئيس والمعارضة والرئيس والشباب، على أن تكون هذه اللقاءات هادفة ليس الغرض منها الشكل لا المضمون، مع إشراك أصحاب الكفاءات والآراء البناءة في عملية بناء الدولة (راجع: "هكذا يجب أن تحكم مصر"، ص 40 - 41).

8- ضرورة توفير الضمانات الديمقراطية:

يجب "أن تجري الانتخابات بطريقة قانونية سليمة، مع مراعاة الضمانات التي تكفل سلامتها والاطمئنان إلى نزاهتها، فإصلاح نظام الانتخاب هو الأساس في بناء النظام الديمقراطي وفي صدور القرارات صحيحة".

"إن الجماهير معرضة دائمًا لتأثير الدعاية؛ فضلًا عن الإلحاح فيها، وتتجلى هذه الحقيقة في المسائل الخاصة للأفراد بشكلٍ مباشرٍ، فلا ريب أنه يكون تأثيرها أوضح في المجالات الفكرية والمذهبية والسياسية" (المصدر السابق، ص 98).

وفي الدولة القانونية يوفر "القانون الجو الملائم لحرية التعبير عن الآراء بدون كبت لحرية الفكر والرأي، مع وضع الضوابط اللازمة لعدم الإخلال بأمن المجتمع وأهدافه الأساسية" (المصدر السابق، ص 80).

إن الصحافة المغرضة والإعلام المسيس، والممارسات والدسائس غير الشريفة، وشرور النفوس الضعيفة كفيلة بحصول مَن لا يستحق على أغلبية أصوات لا يستحقها، ونجاح العملية الديمقراطية يتوقف على توفير الضمانات المانعة لوقوع ذلك، وتفعيل القوانين التي شرعت لحماية الديمقراطية من سارقيها.