حديث الأولياء (3)

  • 79

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فما زلنا مع فوائد حديث: (إِنَّ اللهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ ‌تَرَدُّدِي ‌عَنْ ‌نَفْسِ ‌الْمُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) (رواه البخاري).

11- قال ابن حجر رحمه الله: "وفي الحديث عظم قدر الصلاة؛ فإنه ينشأ عنها محبة الله للعبد الذي يتقرب بها؛ وذلك لأنها محل المناجاة والقربة، ولا واسطة فيها بين العبد وربه، ولا شيء أقر لعين العبد منها؛ ولهذا جاء في حديث أنس رضي الله عنه المرفوع: (‌وَجُعِلَتْ ‌قُرَّةُ ‌عَيْنِي ‌فِي ‌الصَّلَاةِ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

ومن كانت قرة عينه في شيء؛ فإنه يود أن لا يفارقه، ولا يخرج منه؛ لأن فيه نعيمه، وبه تطيب حياته، وإنما يحصل ذلك للعابد بالمصابرة على النصَب؛ فإن السالك غرض الآفات والفتور.

12- قال: "وفيه: أن العبد ولو بلغ أعلى الدرجات حتى يكون محبوبًا لله، لا ينقطع عن الطلب من الله؛ لما فيه من الخضوع له وإظهار العبودية". وهذا رد على زنادقة المتصوفة الذين يتركون الفرائض والتكاليف الشرعية؛ بزعم أنهم قد وصلوا لدرجة الولاية!

13- وفوق هذا التوفيق والتسديد: يستجيب الله دعاءه، ويعيذه ويجيره مما استعاذ منه، (وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ).

قال ابن حجر رحمه الله: "وقد استُشكل بأن جماعة من العباد والصلحاء دعوا وبالغوا ولم يجابوا، والجواب أن الإجابة تتنوع؛ فتارة يقع المطلوب بعينه على الفور، وتارة يقع ولكن يتأخر لحكمة فيه، وتارة قد تقع الإجابة، ولكن بغير عين المطلوب حيث لا يكون في المطلوب مصلحة ناجزة، وفي الواقع مصلحة ناجزة أو أصلح منها"، وقال: "وفي الحديث أيضًا أن مَن أتى بما وجب عليه، وتقرب بالنوافل لم يرد دعاؤه؛ لوجود هذا الوعد الصادق المؤكَّد بالقسم".

14- وفوق كل هذا أنه يكره تعالى مساءته، قال شيخ الإسلام: "فبين سبحانه أنه يتردد على ما يليق بكماله؛ لأن التردد تعارض إرادتين، وهو سبحانه يحب ما يحب عبده، ويكره ما يكرهه، وهو -أي: العبد- يكره الموت؛ فهو يكرهه كما قال: (وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ)، وهو سبحانه قد قضى بالموت؛ فهو يريد له أن يموت، فسمَّى ذلك ترددًا، ثم بيَّن أنه لا بد من وقوع ذلك. وهذا اتفاق واتحاد في المحبوب المرضي المأمور به، والمبغض المكروه المنهي عنه" (مجموع الفتاوى 10/58).

يا له من حديث عظيم بيَّن الله تعالى لنا فيه الطريق لولايته؛ فطوبى لمَن سلكه، واستعان بالله تعالى عليه.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أوليائه وأصفيائه. آمين.