الحل الوحيد!

  • 127

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالمنهج السلفي ليس حلًّا من الحلول لعودة الأمة لمجدها من جديد، وإنما هو الحل الوحيد، وأقصد بالمنهج السلفي؛ المنهج القائم على اتباع سبيل المؤمنين من السلف الصالح، وهم أصحاب سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين، وهم في كل عصر الفئة التي قال عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، ‌حَتَّى ‌يَأْتِيَ ‌أَمْرُ ‌اللهِ ‌وَهُمْ ‌كَذَلِكَ) (رواه مسلم).

والمنهج السلفي يعني: أن مَن انتسب إليه، وسلك سبيله ليس بخارجي يستحل دم المسلم بالمعصية، ولا رافضي يكفِّر الصحابة، وليس محرِّفًا متأولًا بالباطل؛ ممَّن ينفي صفات الله وينفي معانيها، وليس مشبِّهًا لله بخلقه، ولا حلوليًّا ممَّن يقول بوحدة الوجود، أو أن الله قد حَلَّ في خلقه، أو ممَّن يعبدون القبور ويقدِّمون لها النذور؛ فهو الطريق والنهج الذي سار فيه الصحابة والخلفاء الراشدون -رضوان الله عليهم-.

المنهج الذي التزم أصحابه دائمًا بالقواعد والأصول، والشمولية، ومراعاة المصلحة الشرعية؛ المنهج الذي تمسَّك أصحابه بفهم الصحابة للدين، ورفض التأويل الكلامي الفاسد، مع ضبط العلاقة بين النقل والعقل، وكثرة استدلالهم بالوحي قرآنا وسنة.

المنهج الذي كان مصنعًا للشخصية الإسلامية المتكاملة عبر التاريخ، في العقيدة، والعبادات، والفقه، والمعاملات، والأخلاق والآداب، والسلوكيات؛ المنهج الذي صُنع أفراده على عين التوحيد والاتباع والتزكية، المنهج الذي صُنع أفراده على أصول الإيمان والعمران وأخلاق القرآن.

أكرر وبوضوح:

المنهج السلفي ليس حلًّا مِن الحلول لعودة الأمة لمجدها من جديد، وإنما هو الحل الوحيد! 

وكل مشكلة لا يتم حلها من خلال هذا المنهج الذي يمثِّل الدين الخالص سينتج عنها مشكلة أخرى، قال -تعالى-: (‌وَمَنْ ‌يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) (النساء: 115).

وسبيل المؤمنين -وهم الصحابة ومَن تبعهم بإحسان من السلف الصالح- هو النهوض بالدين ليَطبع حياة البشر ويشكلها كما يريد رب البشر -جل وعلا-، وليس كما يريد البشر.

إنها دمج الفطرة السليمة مع أركان المنهج القويمة، فمفاتيح النهضة الحقيقية إنما هي في توحيد الألوهية، فتمحيص العبادة لله -تعالى- في النفس والمجتمع، طريق مضمون لتحصيل منافع الدنيا قبل الآخرة، قال -تعالى-: (‌وَلَوْ ‌أَنَّ ‌أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف: 96)، فكل مشكلات العالم مفتقِرة في حلِّها إلى استعبادهم لله -جل وعلا- اختيارًا، كما هم عبيدٌ لله اضطرارًا. 

ودون ذلك؛ فكل الحلول هي وقتية أو متوهمة، وسيتولد منها مشكلات أخرى: والتاريخ يشهد على ما تولَّد مِن محاولة حلِّ مشكلة الإقطاع بالرأسمالية، ومشكلة الانحلال الأخلاقي بالإشباع الغريزي، ومشكلة الاستبداد بالحرية المطلقة، ومشكلة اضطهاد المرأة بمزاعم حق المساواة الغربية المستوردة، ومشكلة البطالة بالتوظيف القسري، ومشكلة الفقر بالاشتراكية التصاعدية، ومشكلة العجز المالي بالقروض الربوية، ومشكلة الزيادة السكانية بتحديد النسل! 

فاتباع الحق لا اتباع الأهواء هو سبيل النهوض والإصلاح الوحيد، واتباع الهوى هو مصدر كل فساد؛ قال -تعالى-: (‌وَلَوِ ‌اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) (المؤمنون: 71)، فالانصراف عن الذِّكْر (وهو التشريع الإلهي)، هو أعظم مصادر الفساد في السماوات والأرض.

عصور السيادة هي العصور التي يسود فيها الحل الوحيد، والنموذج التطبيقي لذلك هو القرون الثلاثة الأٌول، حيث سادت عقيدة السلف -رضوان الله عليهم- وفقههم ونظرتهم للحياة.

المنهج السلفي هو استحضار عقلية الصحابة -رضوان الله عليهم- لعيش حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا عصره. 

كان المنهج هو الوقود لسير الصحابة في الإصلاح والبناء في محراب الصلاة، ومحراب الحياة، فكانوا هم المصاحف التي تمشي بين الناس بأخلاق القرآن، كانوا أبناء مجتمعاتهم؛ نُساك مدينة لا نساك صوامع؛ أصحاب فقه سليم وتطبيق رحيم، يعلمون الحق ويرحمون الخلق.

رفعوا شعار: (‌قُلْ ‌إِنَّ ‌صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام: 162).

وكانوا مثالًا عمليًّا للتطبيق، كانت حياتهم المنهجية واقعًا ميدانيًّا لهذا الدعاء: (اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

المنهج السلفي هو الحل الوحيد، عقلية الصحابة ومنهجهم هو السبيل لبناء حسنة الدنيا وحسنة الآخرة، إنها صنعة البناء والإصلاح: "ما أنا عليه وأصحابي"؛ إنها المنهجية المعتمدة لبناء إنسان الإيمان والعمران وأخلاق القرآن، بالتوحيد والاتباع والتزكية.

عقلية الصحابة -رضوان الله عليهم- هي: عالمية الأداء، إنسانية العطاء، ربانية المنهج، التي من خلالها یُبنى بناء الساجد قبل المساجد، والبشر قبل الحجر، وتكون التربية عنوان البناء وتفاصيل أركان التربية لا تخرج عن هذا القانون القرآني: {لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذۡ بَعَثَ فِیهِمۡ رَسُولࣰا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ یَتۡلُوا۟ عَلَیۡهِمۡ ءَایَـٰتِهِۦ وَیُزَكِّیهِمۡ وَیُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبۡلُ لَفِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینٍ}.

والثوابت التي بينتها الآية والتي لا يخلوا منها منهج للتربية أو التغيير مهما تغيرت الأحداث واختلف الزمان هي: (التزكية - تعلم الكتاب - تعلم الحكمة) ويبقى لكل عصر حاجاته وأولوياته.


ختاما:

"أصحاب المنهج السلفي أهل السنة والجماعة، هم صحابة كل زمان، إذا صدقوا وجاهدوا في الله حق جهاده، والتوفيق من الرحيم الرحمن".