وقد خَاب مَن حَمَل ظلمًا

  • 64

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد قال الله -تبارك وتعالى-: (‌وَقَدْ ‌خَابَ ‌مَنْ ‌حَمَلَ ‌ظُلْمًا) (طه: 111).

وهذه الآية الكريمة تصوِّر لنا حدثًا عظيمًا يوم القيامة، وهو حال الظالم حينما يأتي في خيبة من أمره وقد حمل فوق رأسه آثار ظلمه في الدنيا في صورة تمثيلية رهيبة، وهو اليوم الذي يفر فيه أقرب قريب من قريبه؛ يوم يفر المرء من أخيه، وأمه، وأبيه، وزوجته، وأولاده؛ لأنه اليوم الذي لا يملك أحدٌ لأحدٍ شيئًا؛ لأن الأمر كله لله.

والظلم عاقبته وخيمة؛ لأنه من الذنوب التي يُعجِّلُ الله لصاحبها في الدنيا قبل أن ينقلب لربه؛ فيجد جزاءَ ما قَدم، فهو صفةٌ خبيثةٌ، ذَمَّها القرآن، وحرَّمها الله على نفسه، كما في الحديث القدسي عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا) (رواه مسلم)، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب؛ يقول لها: "لأنصرنك ولو بعد حين".

والظلم أنواع:

فأعظم أنواع الظلم هو ما بين العبد وربه؛ الذي أخبر عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمَّا سُئِلَ: أيُّ: الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أكْبَرُ؟ قالَ: (أنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ) (متفق عليه)

فمَن جعل لله ندًّا في ألوهيته، وربوبيته، وأسمائه وصفاته؛ فهذا أعظم الذنوب عند الله، ولا يغفره الله أبدًا إن مات عليه صاحبه! وبعده الظلم الذي يقع بين الناس بعضهم مع بعض، مِن: سَفكِ الدماء، وأكل الأموال بالباطل، والغيبة، والنميمة، والشتم والسب، والقذف، إلخ، وغير ذلك من أنواع الظلم التي تجري بين العباد؛ فهذه لا بد من الوفاء بها في الدنيا، وإلا فالقصاصُ في الآخرة كما جاء في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ كَانتْ عِنْدَه مَظْلمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ فَلْيتَحَلَّلْه مِنْه الْيَوْمَ قَبْلَ أَلَّا يكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمتِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سيِّئَاتِ صاحِبِهِ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ) (رواه البخاري).

فهذا الحديث وأمثاله يبيِّن خطر ظلم العباد والتعدي على دمائهم وأموالهم وأعراضهم؛ فإما أن يوفيه في  الدنيا، وإما الحسنات في الآخرة، أو طرح السيئات من المظلوم على الظالم.

وبعده ظلم العبد نفسه بالذنوب والمعاصي فيما دون الشرك، من الكبائر والصغائر؛ فكن على بينة من أمرك، وراجع كشف حساباتك، وحاسب نفسك قبل أن تُحَاسَب، وزِن أعمالك قبل أن تُوزن عليك، وتَهيأ للعرض الأكبر.