علامات وأمارات قبول الأعمال الصالحة والطاعات

  • 45

كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فعلى المسلم أن يشكرَ نعمة الله عليه أن وفَّقه للعمل بطاعته وعبادته في أيام عشر ذي الحجة المباركة -وأداء ركن الحج العظيم، إن كان ممَّن يسَّر الله لهم ذلك-؛ فإنه لولا الله ما تمكَّن أحدٌ مِن شيء مِن ذلك، وصدق الله إذ يقول: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) (النحل: 53)، وهذه النِّعَم تشمل أول ما تشمل: نِعَم الدِّين ثم نِعَم الدنيا؛ فإن النِّعَم كلها، وأعظمها: "نعمة الإيمان والطاعة" هي مِن الله -عز وجل-؛ كما قال -تعالى-: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (النور: 21). وقال -عز وجل- عن أهل الجنة: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) (الأعراف: 43)

وقال -تعالى-: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (الحجرات: 7)؛ فهذا الحب للإيمان والخير والطاعات، وهذه الكراهة للكفر والفسوق والعصيان؛ الله -تعالى-، هو الذي يمنُّ به -سبحانه- على مَن يشاء مِن عباده، (فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (الحجرات: 8)

وعن البراء بن عازب قال: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَنْقُلُ مَعَنَا التُّرَابَ وَهْوَ يَقُولُ: (وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا، وَلَا صُمْنَا وَلَا صَلَّيْنَا، فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا، وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا، وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا، إِذَا أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا) (متفق عليه)

وشكر هذه النعمة الجليلة -نعمة التوفيق للطاعة والعبادة- يكون: بهجر المعاصي والسيئات وعدم العودة إليها بعد إذ نجَّى الله العبد منها؛ فإن عودة الإنسان إلى المعاصي بعد الطاعات مِن كفران النِّعَم، والضلالة بعد الهدى، والحَوْر بعد الكَوْر -أي: النقصان بعد الزيادة، وذلك أن يكون الإنسان على طاعةٍ وحالٍ طيبةٍ؛ فيحور عن ذلك، أي: يرجع. والكور مأخوذ مِن كور العمامة، يُقَال: كارَ الرجل عمامة إِذا لفَّها على رأسه، وحار عمامَتَهُ إذا نقضها (معاني القرآن وإعرابه للزجاج)-.

وقد سُئِل الحسنُ البصري -رحمه الله- عن الحج المبرور، فقيل له: "الحج المبرور جزاؤه الجنة؟ قال: آية ذلك: أن يرجعَ زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة. وقيل له: جزاء الحج المغفرة؟ قال: آية ذلك: أن يدع سيئ ما كان عليه من العمل" (لطائف المعارف).

ويكون شكر نعمة التوفيق للطاعة كذلك: بالثبات على هذه الطاعات ما أمكن، والحرص على الاستمرار على ما كان عليه الإنسان في هذه الأيام العشر، وإن ضَعُف عن هذه المواظبة، وعن هذا الحال؛ فلا أقل مِن أن يكون محافظًا ومواظبًا على المفروضات والواجبات، وأن يكون على صلةٍ بالمستحبات والنوافل؛ لا أن يهجرها بالكلية. 

وعبادةُ الله ليست مقتصِرة على مواسم أو أوقاتٍ، فإذا ما انقضت عاد الإنسان إلى سيرته السابقة مِن الغفلة والتقصير؛ فليس شأن المؤمن أن يعبدَ اللهَ في حالٍ دون حالٍ، أو وقتٍ دون وقتٍ؛ كأن يجتهد في الطاعة في أيام عشر ذي الحجة، ثم يترك ذلك بعد انتهائها؛ فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها سُئِلت: "هَلْ كَانَ يَخُصُّ شَيْئًا مِنَ الْأَيَّامِ؟ قَالَتْ: لَا، كَانَ ‌عَمَلُهُ ‌دِيمَةً" (متفق عليه).

وعن الحسن البصري -رحمه الله- قال: "أَبَى قَوْمٌ الْمُدَاوَمَةَ، وَاللَّهِ مَا الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَعْمَلُ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ، لَا وَاللَّهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ ‌لِعَمَلِ ‌الْمُؤْمِنِ ‌أَجَلًا ‌دُونَ ‌الْمَوْتِ" (الزهد لأحمد بن حنبل).

والمسلم يعلم أنه إنما خُلِق لعبادة الله وطاعته، كما قال -عز وجل-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا ‌لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، وقال: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام: 162-163). 

والله عز وجل لم يجعل نهاية وحدًّا لطاعة العبد وعبادته لربه إلا انتهاء عمره وانقضاء أجله؛ فقال -جلَّ وعلا-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر: 99)، وقال على لسان عيسى -عليه السلام-: (وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) (مريم: 31)

وإن مِن أمارات قبول الأعمال الصالحة والطاعات: 

- أن يكون الإنسانُ حاله بعد الطاعة أفضل مِن حاله قبل الطاعة. 

- أن يجد الإنسان في نفسه انشراحًا للطاعات، وإقبالًا عليها، وعزوفًا وإعراضًا عن السيئات والمخالفات. 

- ظهور أثر القبول على العبد؛ فإن الصلاة المقبولة مثلًا تحفظ صاحبها -بإذن الله- عن الوقوع في الفحشاء والمنكر، كما قال الله -تعالى-: (إِنَّ الصَّلَاةَ ‌تَنْهَى ‌عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت: 45)، والصيام المقبول يمنع صاحبه من اللغو والرفث، وقول الزور والعمل به، ومقارفة المعاصي والسيئات، إلخ.

نسأل الله أن يثبِّتَ قلوبنا على دينه، وأن يصرِّفها على طاعته.