هل العمل الدعوي الجماعي تطوعي بمعنى أنه يسع المرء ترك ما يقدر عليه؟

  • 96

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد شاع على ألسنة البعض أن العمل الدعوي الجماعي عمل تطوعي، وفي سياق يفهم منه أنه لا إلزام فيه، ومِن ثَمَّ يسع المرء ترك ما يقدر عليه منه.

وهذا الكلام بهذا المدلول خطأ لا شك فيه، ولكي يتضح الكلام ويزول اللبس؛ فلا بد من التفصيل، وهو على النحو التالي: إن كان قائل العبارة يقصد أن العمل الدعوي -لا سيما ما يستلزم الاجتماع منه- هو عمل تطوعي؛ بمعنى أنه من باب النافلة والاستحباب الذي لا إلزام فيه، أو أن الأمر فيه على التخيير؛ فهذا المقصود خطأ قطعًا؛ وذلك لأنه من المعلوم شرعًا: أن تبليغ الدعوة لعموم المكلفين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بضوابط الشريعة، وكذا السعي في الإتيان بفروض الكفايات الضائعة: كوجوب القضاء بالشرع، والفتيا، والتعليم، وحماية الأمة وأبنائها من الشبهات والشهوات، وإقامة أحكام الله في أرضه، وحماية بيضة الإسلام، وحراسة ثغوره، وتحرير مقدساته، والحفاظ علي ثوابته، وإحياء ما اندرس من معالمه، وغير ذلك  من الواجبات، والتي لا يعني كونها كفائية أنه يسع البعض ترك العمل لإيجادها، مما كان سببًا في تقاعس الكثيرين وقعودهم عن أداء ما يجب، وإنما كونها كفايات معناه: أن مقصود الشارع تحقيقها وإيجادها في دنيا الناس وواقعهم؛ حينئذٍ يرتفع الإثم عمن قعد عنها وإن كان قد فاته الثواب.

 أما قبل ذلك فالخطاب بها متوجه إلى الأمة جميعها، وذمم الكل مشغولة كل بحسب قدرته، لا تبرأ إلا إذا تحصلت هذه الفروض؛ فإن قلت: إن غالب هذه الفروض يعجز الأفراد عن الإتيان بها.

 قلنا: يجب عليهم الاجتماع والتعاون حتي يتمكنوا من الإتيان بها؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به؛ فهو واجب، والوسائل لها أحكام المقاصد كما تقرر في قواعد الشريعة، وهذا القدر هو التعاون على البر الواجب في قوله -تعالى-: (‌وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2).

وبناءً على هذا فلا يسع القادرون على العمل الدعوي الجماعي الهادف إلا الإتيان بالواجبات الشرعية الغائبة؛ فأقول: لا يسع هؤلاء القادرون القعود، وترك ما يقدرون عليه بزعم أن هذا العمل تطوعي؛ إذ مناط الأمر بوجود هذه الواجبات وتحصيلها، فما دامت مفقودة تحتم العمل والتعاون على كافة القادرين.

وإن كان المقصود من أن العمل الدعوي الجماعي تطوعي، أي: أن المسلم ينهض إليه من تلقاء نفسه طمعًا في ثواب الله، وخوفًا من عقابه، لعدم وجود من يجبره على ذلك من الناس اليوم، فهذا صحيح بلا شك.

وفي ضوء هذا التفصيل الذي ذكرته آنفًا فإني أهيب بجميع المسلمين والمسلمات: أن ينهضوا جميعًا للقيام بما يجب عليهم شرعًا من السعي لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه؛ حتي تعود لأمتنا عزتها، وريادتها، ومهابتها، وقبل ذلك امتثالًا لقول ربنا: (‌ادْخُلُوا ‌فِي ‌السِّلْمِ كَافَّةً) (البقرة: 208)، وقوله -تعالى-: (‌وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2).

وأحذر نفسي وإخواني من التقاعس عن أداء الواجب، والإخلاد إلى الأرض مما يجلب علينا غضب الرب وسخطه، ولنعلم أننا موقوفون بين يدي ربنا، ومسؤولون عن هذا الدين؛ فلنعد للسؤال جوابًا.

وفقنا الله إلى ما يحبه ويرضاه، ورزقنا وجميع المسلمين العلم النافع والعمل به.