تعالَ لنا وحدك! (2)

  • 64

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فتعالَ لنا وحدك: ستسمعها أيضًا من دعاة التنوير، ومَن يصفون أنفسهم بالعقلانيين، سيقولون: "تعال لنا وحدك" بغير تراثك وقِيَمك، بغير تقاليدك وأخلاقك، بغير الكتاب والسنة! 

سيقولون لك: إن القرآن حَمَّال أوجه لا يصلح أن يستدل به! بل هو لنتبرك به فقط، والحديث به الصحيح والضعيف، فدع تراثك جانبًا، بل عادِ تراثك ولا تقبل منه شيئًا، وفي الوقت نفسه يدعونك لقبول الحضارة الغربية بكلِّ ما فيها من أمراض، ويعتبرونها الحقيقة المطلقة، ويقدِّسونها، ويروجون لأنفسهم كعَرَّابين لها! 

وهؤلاء في الحقيقة هم الممهدون للانحلال، ولانحسار القِيَم؛ حتى تصير أنت -إن استجبتَ لهم- أيضًا وعاءً فارغًا تتلقى القيم مِن كلِّ مكان؛ غير قيمك وتراثك ومقدساتك!

تعالَ لنا وحدك: ستسمعها أيضًا مِن أناسٍ من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، وبكثير من مصطلحاتنا، بل ربما كان يحمل ألقابًا شرعية، ولا يفتأ أن يردد كلام الليبراليين والعلمانيين. 

سيقولون لك: إن الدين تجربة شخصية، وإن الفقه هو آراء الرجال، واستفتِ قلبك ولو أفتوك!

ستجدهم يرددون كثيرًا: أنهم لا يريدون وصاية من أحد على الدِّين. 

سيقولون لك: تعالَ لنا وحدك، بعيدًا عن أهل العلم. 

تعالَ لنا وحدك، ولا تسأل أهل الذكر كما أمرك ربك. 

تعالَ لنا وحدك لنسقيك كأس الليبرالية كاملًا، في كوب عليه بعض النقوش الإسلامية!

تعالَ لنا وحدك، ستناديك بها كل مواقع التواصل الاجتماعي؛ لتأخذك بعيدًا عن مجتمعك وأسرتك وصحبتك الطيبة، ولتستبدل كل ذلك بواقع افتراضي يغذيك وحدك بثقافة ليست ثقافتك، وقيم ليست بقيمك؛ تجلس مع هاتفك وحدك، وتنتقل من بوست إلى بوست، ومن صورة إلى صورة، ومن تعليق إلى تعليق، ومن فيديو إلى آخر؛ فتتشكل قناعاتك، وتتكون مواقفك، وأنت لا تدري: أنه يقف خلف تلك البوستات والصور فِرَق من العمل وأفكار وأيديولوجيات، وجيوش من اللجان الإلكترونية لا  همَّ لها إلا أن تنفرد بك وحدك، لتعيد تشكيل أفكارك، وتنقلك نقلات بعيدة تمامًا عن قيم مجتمعك، وأنت مقيم فيه، بل وأنت جالس وسط أسرتك.

وللحديث -بقية إن شاء الله-.