• الرئيسية
  • مقالات
  • الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (137) بشرى الملائكة لإبراهيم بإسحاق -صلى الله عليهما وسلم- وبهلاك قوم لوط وجداله فيه (4)

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (137) بشرى الملائكة لإبراهيم بإسحاق -صلى الله عليهما وسلم- وبهلاك قوم لوط وجداله فيه (4)

  • 45

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقال الله -تعالى-: (‌وَلَقَدْ ‌جَاءَتْ ‌رُسُلُنَا ‌إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ . فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ . وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ . قَالَتْ يَاوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ . قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ . فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ . إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ . يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ) (هود: 69-76).

في الآية فوائد:

الفائدة الأولى: البُشرى التي جاءت بها الملائكة -كما سبق بيانه-، تشمل البشرى بالولد الصالح إسحاق، وبابنه يعقوب من بعده، نبيين كريمين استجاب الله لإبراهيم -صلى الله عليه وسلم- في دعوته: (‌رَبِّ ‌هَبْ ‌لِي ‌مِنَ ‌الصَّالِحِينَ) (الصافات: 100)، وفي أن يجعل مِن ذريته أئمة، قال: (قَالَ ‌إِنِّي ‌جَاعِلُكَ ‌لِلنَّاسِ ‌إِمَامًا ‌قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (البقرة: 124).

كما تشمل البشرى بهلاك قوم لوط البشرى بهلاك الظالمين يفرح بها المؤمنون؛ لأن فيها إنهاء الشرك والكفر والظلم الذي يضل به الناس، كما قال نوح -صلى الله عليه وسلم-: (رَبِّ ‌لَا ‌تَذَرْ ‌عَلَى ‌الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا . إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا) (نوح: 26-27).

وقال -سبحانه وتعالى- عن موسى -عليه السلام-: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ‌رَبَّنَا ‌لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ . قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (يونس: 88- 89).

وسجد أبو بكر -رضي الله عنه- شكرًا لله حين جاءه خبر قتل مسيلمة الكذاب وفتح اليمامة، وسجد علي -رضي الله عنه- حين وجدوا ذو الثدية مقتولًا في الخوارج؛ وذلك لأن حب المؤمن للخير للناس يجعله يحب هدايتهم، ورؤوس الكفر والطواغيت يمنعون الناس من الهداية ويمكرون بالليل والنهار ليصدوا الناس عن التوحيد، كما قال -تعالى-: (‌وَلَوْ ‌تَرَى ‌إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ . قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ . وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (سبأ: 31-33).

فلهذا أحب المؤمنون زوال الكفر بهلاك مَن لا تُرجَى هدايتهم؛ لعظيم إجرامهم، ونسأل الله أن يهلك اليهود ومَن والاهم مِن دول الغرب على بغيهم وعدوانهم على المسلمين، وسفكهم الدماء بغير حق، وأعظم من ذلك الكفر بآيات الله وأنبيائه ورسله.

الفائدة الثانية:

مجيء إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- بعجل سمين حنيذ لأضيافٍ عددهم أقل من العشرة، دليل على الغنى والسعة التي جعله الله فيها بعد أن ترك قومة وهاجر، وكل مَن ترك شيئًا لله أبدله الله خيرًا منه، وكل مَن صبر على طاعة الله جعل الله له في الدنيا مخرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب، وجعل له الحياة الطيبة إلى ما ادخر الله له يوم القيامة من الأجر العظيم.

الفائدة الثالثة:

الكرم والجود صفة أنبياء الله وأوليائه، وإكرام الضيف مِن ذلك، وعلامة على هذا الخلق الرفيع النابع من الغنى بالله -عز وجل-، والاستغناء عن كثرة العرض، والاستعداد لبذل الكثير في طاعة الله -سبحانه وتعالى-.

الفائدة الرابعة:

إنكار إبراهيم عدم أكل أضيافه دليل على أن المؤمن يفرح بأكل الناس من طعامه؛ خاصة أهل الصلاح كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو لمَن أكل عنده: (‌أَفْطَرَ ‌عِنْدَكُمُ ‌الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، والأمر بإطعام الطعام مما عُرِف به عبد الله بن سلام صِدْق وجهِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودلائل نبوته، فإنه لما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أول ما سمعه يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِسَلَامٍ)، فقال عبد الله بن سلام: "فَعَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ ‌لَيْسَ ‌بِوَجْهِ ‌كَذَّابٍ" (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

وللحديث بقية -إن شاء الله-.