عاجل

على هامش الأحداث

  • 51

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمع أحداث غزة وما يجري فيها، وما يحدث في القدس والأقصى نحتاج أن نؤكد على عدة معانٍ، منها:

- الإيمان بأقدار الله المؤلمة والصبر عليها هو من صميم عقيدة المؤمن.

- إياك والهزيمة النفسية مما يحدث، فالفرج قريب والعاقبة للتقوى.

- إن ما يحدث اليوم حدث مرارًا وتكرارًا في عمر الأمة الإسلامية، وسيظل يحدث كما أخبرت بذلك نصوص القرآن والسنة، فالصراع بين الحق والباطل لن ينتهي إلى أن تقوم الساعة، وهذه المعركة لن تكون الأخيرة مع اليهود، بل معركتنا الأخيرة معهم في قتال الدجال.

- الدعاء سلاح عظيم فلا تفتر عنه ولا تستهن به، فاستعن بالله ولا تعجز، ولا تقع فيما حذَّر منه النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (لَا يَزَالُ الْعَبْدُ بِخَيْرٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَسْتَعْجِلُ؟ قَالَ: (يَقُولُ دَعَوْتُ وَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي) (رواه أحمد، وقال الألباني: "صحيح لغيره").

- احذر من العبث بأشراط الساعة، وليكن همك (ماذا أعددت لها؟!)، لما قال رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: (‌وَمَاذَا ‌أَعْدَدْتَ ‌لَهَا؟!) (رواه البخاري)، فبعض الناس في أوقات ضعف الأمة يبحث في علامات الساعة لعله يجد مخرجًا أو نهاية لما يحدث! لا ليس الأمر كذلك، إن النبي -صلى الله عليه وسلم- وجهنا لأبعد من ذلك، وجهنا للمداومة على العمل، فقال: (إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَة، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

- احذروا ممَّن يسلك مسلك تكفير المجتمع، واعلموا أن التكفير بلا ضوابط هو طريق أهل الهوى والضلال، فالتكفير حكم شرعي ليس بالهين، بل لا بد أن ينضبط بضوابط أهل العلم.

- احذر ممن يقلل من شأن العلم والعلماء، فباب أهل الأهواء في هذا الأمر إشعال الحماسات، وتهييج العواطف، ثم بعد ذلك يبثون سمومهم، واعلم أن بدون العلم لا تستطيع أن تضبط أبواب الحلال والحرام، ولا الجهاد، ولا حال الأفراد والمجتمعات، فالعلم أول كل شيء.

- المقاومة ضد المحتل عبادة من أعظم العبادات... عبادة الجهاد والرباط، وأهل فلسطين على ثغر عظيم وكبير، فلا يصح التقليل من جهدهم وبذلهم، وجهادهم، ووقوفهم في وجه العدو الغاشم، واعلم أن هناك فرقًا بين مقاومة المحتل وجهاده، وبين الفتن داخل المجتمع المسلم والصراعات السياسية. ومن لا خلاق لهم لا يدركون الفرق أو يتناسونه عن عمد، ويحكمون على كل الأحداث بالظن، أو بالتدليس والتلفيق.

- احذروا ممَّن يبث الإلحاد بين الشباب تحت مسمَّى: (ما الحكمة الإلهية من وقوع القتل والتدمير؟)، فنحن نعلم أن علم الله محيط بكل شيء وحكمته وقدرته أكبر من أي شيء، وأن مشيئته الكونية قبل كل شيء؛ فلك أن تتأمل في قول الملائكة: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) (البقرة: 30)، ثم تتأمل قوله -تعالى- إجابةً لهم وتوجيهًا لما يجب أن يفهموه: (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة: 30)، فالله لا يخلق شيئًا بلا حكمة وقدر، ونحن نؤمن بذلك كله، وأن خلق الله للشر لحكمة هو يعلمها -سبحانه وتعالى-، وأنه -عز وجل- لم يخلق شرًّا محضًا، بل يترتب على الشر أنواع من الخير لا يعلم مداها إلا هو -سبحانه وتعالى-.

تأمل هذه الآيات: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة: 155)، وقال -تعالى-: (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (آل عمران: 179)، وقال -تعالى-: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ) (آل عمران: 140). وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له) (رواه مسلم).

- لا تنسك مرارة الأحداث أن تفرح بما يحققه إخوانك من التنكيل بعدوهم في مواقع عديدة، والنيل منه وتدمير معداته وآلياته، ولتتذكر دائمًا قول الله -تعالى-: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (النساء: 104). وأيضًا لا تنسَ أن درجة الشهادة في سبيل الله لها ثمن، وكذلك اصطفاء الله لبعض عباده له ثمن، فلم تكن سمية بنت الخياط، ولا زوجها ياسر، ولا حمزة عم النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أفاضل الصحابة الذين نالوا الشهادة في أُحُد، وغيرها من المعارك أهون عند الله من غيرهم، وكذلك مَن جاء بعدهم.

- ما حققه المسلمون في تفاعلهم مع هذه القضية لا ينبغي أبدًا أن يتلاشى أو يضمحل في حقيقة الصراع مع اليهود، وإن رغم مرارة الأحداث التي تمر بنا إلا أن إحياء هذه القضية في نفوس أفراد الأمة الإسلامية يبشر بالخير.

- الاستمرار في دعم الانتماء لخدمة هذه القضية؛ فلا بد من الإصرار على التغيير الحقيقي للأنماط الخاطئة في حياتنا.

ويبقى دورك، فاغتنم الحدث في تصحيح مسارك، وقوة استقامتك مع دورك في إصلاح غيرك.

ولنا أمل.