• الرئيسية
  • مقالات
  • الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (151) توريث الدين من أعظم مهمات الأنبياء والصالحين (3)

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (151) توريث الدين من أعظم مهمات الأنبياء والصالحين (3)

  • 33

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛   

فقد قال الله -تعالى- عن يوسف -صلى الله عليه وسلم-: (‌وَاتَّبَعْتُ ‌مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) (يوسف: 38).

الفائدة الثانية:

لا بد أن نهتم في دعوتنا بأسس الإيمان، وهي الإيمان بالله واليوم الآخر، فهما أعظم القضايا التي رُكِز في فطرة البشر البحث عنها، وقبول الحق فيها، وفيها الإجابة عن الأسئلة التي تواجه كل إنسان مِن نفسه: مَن خلقنا؟ ولماذا خلقنا؟ وإلى أين المصير؟

الإيمان بالله يجيب على السؤالين الأولين، فالله الخالق وهو المعبود، وهو خلقنا لنعبده، (‌وَمَا ‌خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، والإيمان باليوم الآخر يجيب عن السؤال الثالث؛ المصير إلى الله والموت آتٍ لا محالة، وبعده البعث والنشور، والجزاء والثواب والعقاب، فالدنيا بأسرها يوم والآخرة اليوم الآخر، وهذه المسائل يشترك في البحث عنها الملوك والمماليك، والأغنياء والفقراء، والكبراء والفقراء؛ فلا بد أن تبدأ الدعوة بها.

والإيمان بالله -سبحانه وتعالى- يستلزم الإيمان بالملائكة، والكتب، والرسل، والقدر خيره وشره، وكذا الإيمان باليوم الآخر يستلزم الإيمان بالكتب والرسل؛ لأن الجزاء في اليوم الآخر يكون على الشرع التي أتت به الرسل، وتضمنته الكتب المنزلة عليهم، والإيمان بالقدر؛ لأنه في الحقيقة إيمان بقدرة الله وعلمه وكتابته -سبحانه وتعالى- المقادير، وخلقه لأفعال العباد ومشيئته النافذة في ذلك، وفي غيره من أمور الكون؛ فلذلك أصول الإيمان متضمنة في الإيمان باليوم الآخر؛ ولذلك كثر في كلام الرسول -صلى الله عليه وسلم- مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليفعل كذا... أو يترك كذا...

ثم لا بد أن تتضمن الدعوة من البداية، التحذير من كل ملة ليس فيها الإيمان بالله واليوم الآخر، أو فيها اعتقاد فاسد بالله أو باليوم الآخر، كمَن يعتقدون الشرك وعبادة غير الله، أو ربوبية غيره -سبحانه وتعالى- خلقًا، أو رزقًا، أو تدبيرًا، أو ضرًّا أو نفعًا، أو مِلْكًا أو مُلْكًا، أو تشريعًا، وكذا من يعتقدون في اليوم الآخر بعدم بعث الأجساد أو بأن الجنة ليس فيها طعام ولا شراب، كما قال سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- في قول الله -عز وجل-: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ ‌بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا . أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا) (الكهف: 103-105)، قال: "هم اليهود والنصارى؛ أما اليهود فكفروا بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، وأما النصارى فكفروا بالجنة، فقالوا: ليس فيها طعام ولا شراب!".

وتأمل في قوله: (‌مِلَّةَ ‌قَوْمٍ) (يوسف: 37)، منكَّرَة، ولم يقل: ملة قومكم في أول الأمر، من جنس قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما بال أقوام"، مع وضوح المقصد، ولكنها مراعاة للنفوس الجاهلة التي تعاند دفاعًا عن قومها، وتقليدًا لأشياخها مثل ما دلَّ عليه قول الله -عز وجل- عن بلقيس في أول شأنها من عدم الإيمان، أنها أول ما رأت ملك سليمان وقد بلغتها دعوة الحق، كانت كما قال -تعالى-: (‌وَصَدَّهَا ‌مَا ‌كَانَتْ ‌تَعْبُدُ ‌مِنْ ‌دُونِ ‌اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ) (النمل: 43).

الفائدة الثالثة:

ثم بعد بيان الإيمان بالله واليوم الآخر شرع يوسف صلى الله عليه وسلم في بيان النبوة ومتابعته لملة الأنبياء من آبائه، فهو ترك الباطل وتبع الحق؛ هزم الجاهلية وسلك سبيل المرسلين، فقال: (‌وَاتَّبَعْتُ ‌مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ) كما سبق نقل كلام ابن كثير -رحمه الله-، يقول: "هجرت طريق الكفر والشرك، وسلكت طريق هؤلاء المرسلين -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، وهكذا يكون حال من سلك طريق الهدى واتبع طريق المرسلين، وأعرض عن طريق الضالين، فإن الله يهدي قلبه ويعلمه ما لم يكن يعلم، ويجعله إمامًا يقتدَى به في الخير، وداعيًا إلى سبيل الرشاد" (تفسير ابن كثير).

وفي هذا بيان أنه لا تتحقق ملة الحق إلا بترك ملة الباطل، ففيه معنى النفي والإثبات الذي تضمنته لا إله إلا الله وقضية ترك ملة الباطل والتبرؤ منها، والتصريح ببطلانها وعدم إيمان أصحابها ضرورة لتحقيق الإيمان بالله، كما قال -تعالى-: (‌فَمَنْ ‌يَكْفُرْ ‌بِالطَّاغُوتِ ‌وَيُؤْمِنْ ‌بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 256)، فالذين يريدون في زماننا ترك قضية البراء من الشرك وأهله، وأن يتمسك الإنسان بما هو عليه دون أن يتعرض لملل الباطل لا يبين بطلانها ولا دخل له بها، فهم من أعظم الناس هدمًا لحقيقة لا إله إلا الله، فإنهم يرومون تصويب الملل كلها، وعلى الأقل تصويب اليهودية والنصرانية كما ادِّعاه المخترعون المبطلون للدين الإبراهيمي الجديد الذي يزعمون فيه مساواة الملل، وهم إنما يريدون هدم الإسلام؛ فليحذر كل مسلم من ذلك، فإن اتباع الحق لا يثبت إلا بترك ملل الباطل كلها، والإيمان بالله لا يحصل إلا بالكفر بالطاغوت.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.