المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الغرب (1)

  • 63

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فأهدي هذه الكلمات:

إلى كل مسلمة تريد أن تبصر نور الحق.

إلى كل بنت وامرأة تريد أن تسلك سبيل الهدى.

إلى كل داعية تنير الطريق لمن خلفها من بناتِ جنسِها.

إلى كل مسلمة غيورة على دينها، متمسكة بعقيدتها، حريصة على حماية أبنائها وبناتها، ومجتمعها وأمتها.

أهدي لكن جميعًا هذه الكلمات، وأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسني وصفاته العلا أن ينير بصائرنا، وأن يهدينا سواء السبيل.

لو تأملنا حال الأمة الإسلامية الآن؛ لوجدنا أن أعظم الأمراض وأخطرها على الأمة هي: تلك الأمراض الاجتماعية التي تفتك بالمجتمعات؛ نتيجة انحرافها وغزوها فكريًّا، بواسطة أعداء الإسلام وأعوانهم من دعاة التغريب، فالغرب الكافر يرمي عالمَنا الإسلامي كلَّ يومٍ بوابلٍ من سهامِه الفكرية في صورة نشرات إخبارية وأعمال فنية، وأفلام ومسلسلات، وكتب وصور ومقالات، ومقاطع مرئية وفيديوهات، وغير ذلك من ألوان الفكر والدعاية والإعلام، وللأسف تلْقى هذه الدعاية قبولًا لدى شرائح كثيرة من المجتمع المسلم وخاصة النساء.

فأعداء الإسلام يسعون بكل وسيلة لإفساد المجتمعات المسلمة، ولم يجدوا سلاحًا لبلوغ أهدافِهِم وتحقيق مرادِهم أمضى وأنجح من إفساد المرأة، فقدَّمُوا لها الإغراءات المثيرة والأفكار الخادعة والأزياء الفاضحة... حتى تلحق بالمرأة الغربية الكافرة.

وبدأت المناداة -كما يزعمون- بالمطالبة بحقوق المرأة وحريتها وضرورة مساواتِها بالرجل، ونظموا المؤتمرات وعقدوا الندوات ووضعوا القوانين والتشريعات، وأنشأوا الجمعيات والمؤسسات للمطالبة بحقوق المرأة على الطريقة الغربية، وما هي إلا مؤامرة مكشوفة هدفها إفساد المرأة المسلمة.

وأخطر ما في الأمر: أن الذين ينادون بذلك في هذا الزمان أناس من بني جلدتِنا، يتكلمن بألسنتِنا من صحفيِّين وكتَّاب ومفكِّرين وإعلاميين، يتكلمون باسم التباكي على المرأة وحقوق المرأة.

ويا للأسف انخدعت نساء كثيرات بهذه الدعوات؛ مما أدَّى إلى ضرب المجتمعات الإسلامية وتدمير القيم الأخلاقية، ونشر الفساد والإباحية التي تهدف إلى تحطيم المرأة، بل تحطيم الأسرة والمجتمع.

فل ابد إذًا من كلمة حق ترفع الضيم عن نساء المؤمنين، وتدفع شر المستغربين المعتدين؛ حتى لا تنخدع المرأة المسلمة بهذه الدعوات الآثمة، ولتكون كل مسلمة على بيِّنة من أمرها ولديها مناعة وحصانة بما تعلمت من الشرع الحكيم والمنهج القويم، والفكر السليم، قادرة على رد هذه الشبه ودحض هذه الفتن نسأل الله السلامة.

ومحاولة لتبصير المرأة المسلمة بما يُحاكُ ضدَّها من مؤامرات وما يُنصبُ لها من شِراك، حتى تأخذ حذرها فلا تنساق وراء هذه الأفكار الهدَّامة مهما تزخرفت وتزينت لها، وذلك من خلال الوقوف على أرض صلبة في أمر العقيدة وفهم الواقع، وما يدور حولنا من أحداث، والوعي الكامل بمخططات الغرب وأهدافه.

أعداء الإسلام يدَّعون أن الإسلام ظلم المرأة، وأن فيه تشريعات لم تراعِ حقوق المرأة؟

ويطرحون هذه الأسئلة:

لماذا المرأة نصف الرجل في الميراث؟

لماذا لا يصلح أن تتولى المرأة رئاسة الدولة؟

لماذا يعطي الإسلام للرجل حق القوامة على المرأة؟

لماذا يفرض الإسلام على المرأة ارتداء الحجاب؟

وقبل أن نرد عن هذه الشبهة علينا أن نستعرض ما هو حال المرأة قبل الإسلام؟ وما هو حالها بعد الإسلام؟

حتى يتبيَّن لنا أن الإسلام وحده هو الذي أعطى المرأة حقوقها كاملة ورفع عنها الظلم والقهر الذي لحقها خلال العصور السابقة.

ظلم المرأة قبل الإسلام:

المرأة عند اليونان:

كانت المرأة تدخل في ممتلكات الرجل، سواء ولي أمرها قبل الزواج ثم بعد ذلك زوجها.

المرأة عند الرومان:

لاقت المرأة أشد أنواع الظلم في العصور الرومانية تحت شعارهم المعروف: (ليس للمرأة روح!)، فكانوا يعذبونها بسكب الزيت الحار على بَدَنِها وكانوا يربطونها بالأعمدة وبذيول الخيول ثم تجرها الخيول بأقصى سرعة حتى تموت.

المرأة عند الصينيين القدماء:

كانت منزلة المرأة في الصين في أشد الانحطاط، فكانت المرأة تباع وتشترى، وكان للرجل الصيني الحق في أن يبيع زوجتَه أو أن يدفنَها حيَّة.

المرأة عند الهنود:

كانت المرأة عندهم غير طاهرة، ولا يحق لها أن تأكل مع الرجل على مائدة واحدة، ولا يحق لها الاستقلال عن أبيها أو زوجها أو ولدها، فإن مات هؤلاء يجب أن تنتمي إلى أي رجل من أقارب زوجها، وتبقى طوال حياتها قاصرًا.

ويجب إذا توفي زوجها أن تُحْرَقَ معه وهي حيَّة.

فيا له من ظلم شنيع يقع على تلك الأرملة البائسة فلا هي سعيدة في حياة زوجها؛ لأنها كالرقيقة عنده، ولاهي مكرمة بعد موت زوجها؛ لأنها ستحرق معه!

المرأة في أوروبا قديمًا:

كانت المرأة تعيش في ظلم فظيع لا سيما في ظل الدين النصراني المحرف والطغيان الكنسي الذي كانت تعيشه أوروبا في ذلك الزمان، فكانوا ينظرون للمرأة نظرة احتقار ويسمونها منبع الشر وأصل الخطيئة، وبعضهم يطلق عليها اسم: (الشيطان)، وكان الفلاسفة وهم عقلاء القوم عندهم -كما يزعمون- يحتقرون المرأة.

* أفلاطون: يصف المرأة بأنها من العبيد والأشرار. 

* الفيلسوف كانط: يصف المرأة بأنها ضعيفة في كل شيء وخاصة في قدراتها العقلية.

* فيلسوف الثورة الفرنسية جان جاك روسو: يقول إن المرأة وجدت من أجل الجنس فقط ومن أجل الإنجاب.

*وأما فرويد -رائد مدرسة التحليل النفسي-: وموقفه المعروف من المرأة والذي يتضمن أن المرأة جنس ناقص لا يمكن أن تصل إلى الرجل أو تكون قريبة منه.

المرأة عند اليهود:

لأنهم آمنوا ببعض الكتب وكفروا ببعض وحرَّفوا وبدَّلوا، ومن هذا التحريف أنهم يحتقرون المرأة ويتهمونها بأنها وراء المعصية الأولى، ويزعمون أنه عندما نهى الله تعالى آدم وحواء بأن لا يأكلا من الشجرة أتى إبليس في صورة حيَّة وأغرى حواء، فاستجابت له فأكلت وأطعمت آدم، فالمرأة عندهم هي منبع الخطيئة وسبب الآثام.

ومن شرائعهم المحرفة: اعتبار المرأة نجسة طوال فترة حيضها فلا يأكلون من يدها ولا يجالسونها.

فأين هذا من دين الإسلام وهدي النبي صلي الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كُنْتُ أشْرَبُ وأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَيَضَعُ فَاهُ علَى مَوْضِعِ فِيَّ، فَيَشْرَبُ، وأَتَعَرَّقُ العَرْقَ وأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَيَضَعُ فَاهُ علَى مَوْضِعِ فِيَّ. وَلَمْ يَذْكُرْ زُهَيْرٌ فَيَشْرَبُ" (رواه مسلم). وعنها قالت: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي ‌وَأَنَا ‌حَائِضٌ ‌فَيَقْرَأُ ‌الْقُرْآنَ" (رواه مسلم).

المرأة عند النصارى:

عقد الفرنسيون عام 586 م مؤتمرًا للبحث: هل تعد المرأة إنسانًا أم غير إنسان؟

وهل لها روح أم لا؟

وإن كان لها روح فهل هي روح حيوانية أم روح إنسانية؟

وأخيرًا قرَّرُوا أنها إنسان، لكنها خلقت لخدمة الرجل فحسب، لقد انطلقت نظرتهم للمرأة من واقع ما جاء في العهد القديم من اتهام حواء بالخطيئة، واتسمت القوانين عندهم بأن جعلت المرأة تحت سلطة الرجل الكاملة وعدم السماح لها بالتصرف في أموالها إلا بإذن كتابي من الزوج (كما في القانون الفرنسي)، ولا يجوز الطلاق أو الخلع مهما بلغ البغض والشقاق بين الزوجين إلا في حالات شاذة جدًّا.

المرأة عند العرب قبل الإسلام:

لاقت المرأة في هذا الوقت ألوانًا من الظلم والاضطهاد والمهانة والإذلال، منها:

1ـ وأد البنات: خوفًا من الفضيحة أو العار أو الفقر، (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ . بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (التكوير: 8، 9). وكان منهم مَن يحفر لها حفرة فيدفنها وهي حية، ومنهم من يرميها من مكان شاهق.

2ـ الحرمان من المهر: كان الولي يأخذ مهر المرأة ولا يعطيها منه شيئًا.

3ـ الحرمان من الميراث: كانت المرأة في الجاهلية محرومة من الميراث، فكان العرب يقصرون حق الميراث على الذكور فقط.

4ـ تعدد الزوجات بلا حدود: فكان الزوج يجمع في عصمته ما يشاء من الزوجات بدون تحديد، وينظر إلى المرأة كأداة لإرضاء شهواتِه ولا يهتم بالعدل بين زوجاته.

5ـ الطلاق بلا حدود: لم يكن للطلاق حدود أو قيود أو نهاية، وكثيرًا ما كان يستخدم الطلاق كسلاح لتعذيب المرأة أو حرمانًا لها من الزواج بغيره، وكان موجودًا في الجاهلية ما يسمى بـ (الإيلاء)، وهو أن يحلف الرجل ألا يقرب زوجته، السنة والسنتين، فجاء الإسلام وجعل له نهاية أربعة أشهر؛ قال الله تعالى: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ‌تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 226-227).

وكان يوجد ما يسمَّى بـ(الظِهار)؛ كأن يقول الزوج لزوجته: "أنت عليَّ كظهر أمي، أو كظهر أختي"، فيحرِّمها على نفسه تحريمًا أبديًّا، ولكنها تبقى على ذمته، ولا يحل لها أن تتزوج بغيره، فأتى الإسلام بالنهي عن ذلك، كما جاء في قوله تعالى: (الَّذِينَ ‌يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (المجادلة: 2). وشُرعت الكفارة تخلصًا من هذا الإثم.

- كانت المرأة تورث كالمتاع الذي يتركه الميت لورثته.

- كانت إذا مات زوجُها ينكحها ولُده، ويعتبرها إرثًا كبقية أموال أبيه دون اعتبار لمكانة زوجة الأب التي هي في بمنزلة الأم، فجاء الإسلام بتحريم ذلك في قوله تعالى: (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً ‌وَمَقْتًا ‌وَسَاءَ سَبِيلًا) (النساء: 22).

- وكان هناك من المأكولات ما هو خاصٌّ بالذكور، ومحرمٌ على الإناث كما جاء في قوله تعالى: (وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا ‌وَمُحَرَّمٌ ‌عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام: 139). أي: ما في بطون هذه الأنعام المحرمة من أجنة أو ألبان حلالٌ للذكور، ومحرمٌ على الإناث وما وُلد ميتًا اشترك في أكله الرجال والإناث.

- وكانت المرأة إذا مات زوجُها دخلت بيتًا صغيرًا ولبست شرَّ ثيابها ولم تمس طيبًا ولا ماءً، ولا تقلم ظفرًا، ولا تزيل شعرًا، وكانت مدة العدة سنة كاملة.

وكان عند العرب أنواعًا من الزيجات الفاسدة؛ منها: اشتراك مجموعة من الرجال بالدخول على امرأة واحدة ثم إعطاؤها حق الولد تُلحقه بمن تشاء منهم.

ونكاح الاستبضاع: وهو أن يرسل الرجل زوجته لرجل آخر من كبار القوم لتأتي بولدٍ منه يتصف بصفات ذلك الكبير في قومه.

ونكاح الشغار: وهو أن يقول الرجل زوِّجنِي ابنتك وأزوجك ابنتي، أو زوِّجنِي أختك وأزوجك أختي، ولا يكون بينهما مهر، يتعاملون على أساس المرأة سلعة يمتلكونها.

أما نكاح المتعة: فهو النكاح المؤقت.

فهكذا كانت المرأة قبل الإسلام سلعة تُشتري وتُباع، ليس لها قيمه ولا اعتبار، بل هي عندهم ضمن الأشياء التي يمتلكها الرجل، محرومة من كل الحقوق حتى حق الحياة، حتى أشرقت شمس الإسلام فبددت الظلم والظلام.

وللحديث بقية إن شاء الله.