دكتور محمد إبراهيم منصور: البلطجة ظاهرة دخيلة وغريبة على المجتمع المصري

  • 57

نقلا عن الورقي

غياب المحاضن والقدوات الصالحة وتشويه المناهج التربوية.. أهم أسباب الظاهرة

العالم الافتراضي يُغيب القيم وينشئ أطفالًا مليئة بالعنف والشهوات

نحتاج إلى تشريعات رادعة لمواجهة الاتجار في المخدرات وتجريم حمل السلاح الأبيض

 كتب- علاء شحتو

أكد الدكتور محمد إبراهيم منصور الأمين العام لحزب النور أن البلطجة ظاهرة غريبة ودخيلة على المجتمع المصري، مشيرًا إلى أن الجيل الحالي جيل كثرت فيه الاضطرابات، والشخصيات المشتتة، وكثرت فيه الشخصيات التي تستهين بكل شيء، فتستهين بالدماء والأعراض، فنجد الأب يقتل ابنه، والبنت تقتل والدها، والرجل يقتل زوجته، والمرأة تقتل زوجها، والابن يقتل أباه وأمه المسنين، حتى الأطفال في الإعدادية يقتل بعضهم بعضًا.

 وأوضح منصور خلال كلمته بندوة "لا للبطجة" التي نظمها حزب النور بكفر الشيخ، أن كثيراً من الجيل الحالي لا يوجد عنده فارق بين الخير والشر، أو الصلاح والفساد، ولا يوجد عنده فارق بين الضار والنافع، أو الحلال والحرام، ولا يبالي بالممنوع وغير الممنوع، كما أنه لا يبالي بين الذي يقبله المجتمع أو يرفضه، وكثيراً من شباب هذا الجيل شخصيات لا تعرف قدر حياتها ولا ما ينتظرها بعد مماتها، جيل لا يعرف حقيقة نفسه، ولا يعرف الفرق بينه وبين باقي المخلوقات، فيجري وراء الغرائز والشهوات فقط، ولا يدري لماذا خلق؟، ولا يعرف ماذا يريد؟، والدليل علي ذلك أنه يأخذ قرار الانتحار أو قتل نفس بكل سهولة.

وأشار إلى أن الجيل الحالي جيل غائب عنه قيم التدين والسلوك والمبادئ، حتى احترام الأعراف والتقاليد مغيبة عند كثير من الشباب.

وأوضح الدكتور محمد إبراهيم منصور أن من أسباب انتشار هذه الظواهر يرجع إلى عدة أسباب أولها غياب المحاضن التربوية التي تنشأ فيها الشخصيات المتزنة، فالأطفال إذا نشأوا من خلال المحاضن الطبيعية التي تربى عليها الأجيال عبر العصور، ستخرج شخصيات متزنة متوافقة مع البيئة والمجتمع من حولها، متوافقة مع ذاتها وشخصيتها، والعجيب أن معظم هذه المحاضن مغيبة بصورة كبيرة جدًا، والموجود منها قليل جداً.

وأشار إلى أن المحضن الأول محضن الأسرة التي تبني وترسخ القيم والمبادئ لدى الإنسان، وهذا المحضن في الحقيقة مغيب ومهلهل لأسباب كثيرة، فالأب مشغول، وإذا لم يكن مشغول بالحياة وكسب المعاش، فنجده مشغولًا بالأجهزة التي غزت العقول وشغلته أن يمارس دوره في احتضان الأبناء وتنشئتهم، وغرس المبادئ والقيم فيهم، وأعلى هذه القيم قيم التدين والخوف من الله عز وجل، ومحبته وطاعته، وقيم الاستعداد لليوم الآخر، وإذا لم تغرس هذه القيم في الأبناء فكل معاني التربية لن تجدي شيئًا.

وأضاف الدكتور محمد إبراهيم منصور أن من المحاضن المهمة، العائلة (العاقلة) الذين يلتقون مع بعضهم البعض في النسب، ولابد أن يقوموا بدورهم التربوي وغرس القيم لدى أفراد العائلة والنسب، وهذا المحضن غاب بغياب صلة الرحم، وكذلك محضن المجتمع المحيط من المحاضن المهمة في التنشئة، فالمجتمع كله يجب أن يمارس دوره في تنشئة النشء.

وأشار إلى أن المحضن الثاني محضن التربية والتعليم، فالتربية قبل التعليم ومحضن التربية خطير جدا وهو مغيب بصورة فجة في العالم الآن، فطابور الصباح الذي يبدأ بالإذاعة المدرسية وقراءة القرآن والحديث والحكمة وكلمة تربوية، وكلمة مدير المدرسة محضن تربوي، وفي الفصل المعلم القدوة بهندامه وموعظته للطلاب، فوجود حصص للتربية الدينية والأخلاق والآداب وتعليم الصلاة محضن لابد أن يُفعّل.

  وأوضح أمين حزب النور أن المحضن الثالث محضن المسجد الذي كان جامعة ومدرسة ومنتدى للصحابة رضوان الله عليهم، فالمسجد الآن ليست فيه عوامل الجذب التي كانت تجعل الأولاد يذهبون إلى المسجد، ويحضرون إليه محبين، مشدداً على ضرورة أن يقوم المسجد بدوره في احتضان النشء، واستفراغ ما بهم من طاقات لصالح القيم والمبادئ، وغياب محضن المسجد بصورته الكاملة المتكاملة أدى إلى ارتماء الشباب في محاضن الغواية والهوى والفساد والانحراف.

وأشار إلى أن محضن الصحبة الصالحة من المحاضن المهمة جداً، فلابد أن نطمئن على الصحبة الصالحة لأبنائنا لأن الصاحب ساحب، والمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، والصحبة السيئة ليست في الحياة الطبيعة، فهي موجودة في الحياة الافتراضية التي تدعو إلى الانحراف وهدم المبادئ والقيم الدينية والأخلاقية، فأصبح الطفل يستيقظ من نومه على الجهاز وينام على نفس الجهاز، والمحضن الافتراضي في غاية الخطورة لأنه ينشئ الأطفال في بيئة مختلفة تمامًا، بيئة مليئة بالعنف والمخدرات العقلية والمعاني الفاسدة والشهوات وتغيب الجزء الروحي والتربوي، وغياب القيم فيكبر الشاب وعقله متوقف عند سن الطفولة لأنه في عالم افتراضي وغاب عنه الواقع والحقيقة، وأصبح القتل لديه سهلًا من خلال الألعاب العنيفة التي يلعبها فيقتل عشرات الأشخاص في اللعبة، وأصبح من السهل أخذ قرار القتل والانتحار.

وأكد منصور أن السبب الثاني لهذه الظاهرة غياب القدوات، فغاب الأب القدوة، وغابت قدوة الأم التي تغرس القيم في أبنائها ولو راجعنا سير الشخصيات التاريخية لوجدنا أن أمهاتهم كنّ قدوة لهم في المجال الذي نشأوا فيه، أما الآن فالأم مشغولة مثل الأب بحالها والعالم الافتراضي الخاص بها، وكذلك غابت قدوة المدرس الذي كان يعلم ويدرس ويؤدب ويربي ويلاحظ السلوك وطريقة التعامل، أما الآن نجد المدرس غاب عن الحصة في المدرسة وحضر في الدرس الخصوصي الذي يشعر الطالب أن المدرس يتقاضى عنه أجرًا وهذا الذي أدى إلى ضعف قدوة المدرس أمام الطلاب، كما ضعفت قدوة الأخ الأكبر لأنه مشغول بنزواته وحاله الشخصي، لا أن يكون قدوة لإخوته. 

وأضاف: لم يعد المتدين قدوة لعدة أسباب إما أنه متدين تدين غير وسطي وعليه ملاحظات ومؤاخذات، وإما أنه متدين منضبط ولكن الإعلام يمارس عليه هجومًا  واتهامات بالباطل، أو أنه عنده صورة التدين ولكن لديه مخالفات تنفر الناس منه، مشيرًا إلى أن المتدين المفترض أن يكون قدوة صالحة تدعو الناس إلى الصلاح وتهدي المجتمع، مشيرًا إلى إمام المسجد حتى يكون قدوة للمجتمع لابد أن يندمج مع الناس في حياتهم ويعالج الأمراض التي تصيبهم في تدينهم وعلمهم بعقيدتهم وعبادتهم، ولابد أن يتواجد وأن يكون متاحًا لدى الناس حتى يمارس دور القدوة معهم. 

وأشار الدكتور محمد إبراهيم منصور إلى أن السبب الثالث في انتشار ظاهرة البلطجة غياب وتشويه المناهج التربوية، فليس هناك أعظم تربية وبناء للشخصية من الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر والاعتقاد الصحيح والاستعداد للقاء الله عز وجل فلا يوجد شيء يكبح أي نزوة أو شطط أعظم من الإيمان بالله.

وأوضح أن السبب الرابع انتشار العوامل التي تحطم الشخصية،  فنجد المحاضن والعوامل الهدامة منتشرة ومتاحة بكل سهولة، مثل محاضن  البيئة الافتراضية والصحبة السيئة، فاستبدلت القدوة الحسنة بالقدوات السيئة، وأصبح قدوة كثير من البنات البلطجي بسبب تصدير وسائل الإعلام والأفلام والمسلسلات لهذه النماذج. 

وأضاف منصور: السبب الخامس إدمان ألعاب العنف التي أصبحت تفوق إدمان المخدرات، إضافة إلى الشهوات ومخاطبة الغرائز، فأصبح  الخطاب الإعلامي يخاطب الغرائز، وهذه البيئة للأسف تساهم في تنشئة مثل هذا الجيل.

وأشار أمين حزب النور إلى أن التعامل مع هذه الظاهرة يحتاج إلى جهود كبيرة جدًا وجهود تشريعية ودور للقيادات المجتمعية، مشيرًا إلى أن مواجهة هذه الظاهرة باستعادة دور المحاضن التربوية مرة أخرى، وعودة المساجد للأنشطة التي تجذب الشباب والأطفال وعودة الأنشطة التربوية داخل المدرسة مثل طابور الصباح والمدرس القدوة وترتيب اليوم الدراسي، مشدداً على ضرورة قيام المجتمع بدوره وممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالموعظة الحسنة.

وأوضح أننا نحتاج إلى مكافحة المخدرات وتغليظ عقوبة الاتجار فيها خاصة المخدرات المخلقة التي تدمر المخ، كما نحتاج إلى تشريعات رادعة قوية للتعامل مع السلاح الأبيض وسهولة حمله في الشارع وإجراء تحليل المخدرات للطلاب، كما نحتاج إلى أدوات وإجراءات تشعر الجميع أن هناك إجراءات صارمة لكل من تسول له نفسه بفعل الجرائم، ولابد للإعلام أن يقوم بدوره في مواجهة هذه الظاهر، وينشر عقوبة أعمال البلطجة حتى يرتدع المجرمون.