أبي ليس في البيت

  • 174
صورة أرشيفية

.عزيزي الرجل، حُمّلت ثقلًا ومضيت، عانيت وتألمت، وفي تلك المهمة ربما  أكملت الطريق، أو انقطعت، خرجتَ تسعى تعف نفسك وأهلك وعيالك، وجمعتَ مالًا، فهل عدتَ لبيتك أم غرقت في الدنيا وحاصرتك المطالب، ودخلت معها في سباق وأقسَمَتْ عليكَ أن ينتهي الأعجل منكما، تمهل  رويدك، لا تُفن طاقتك في وسائل قليلُها يُغني عن الكثير ويفي، وكلها وإن كانت علامات محبة لعيالك نعم، لكنها ليست كل حقوقهم عليك.

طعام وكساء وأشياء، وأين أنت؟! إنهم يحتاجون إليك، إلى شخصك، لجلوسك بينهم، لسمتك الذي يقلدون، وصوتك الذي يحبون ويرهبون، يشتاقون إليك، ولست َفي البيت!

افتقدوا ضمتك حين ارتجف الصغير خوفًا، وبسمتك حين خطا أول خطواته، وعندما خط أول حروفه، أو احتار في اتجاه القبلة في صلاته، يحتاج منك ربتةً على كتفه التي تدلت حين إخفاق، ونظرةً من عينك ولو لزجر حين مجاوزة المسموح والمشروع، أو تقاعسٍ عن مطلوب، وصوتك الخشن لأحدهم استطال أو كاد، ربما رأوك مرة كل أسبوع أو غبت عنهم  شهور لسفر، أو حتى أغلب ساعات يومهم وشطرًا من ليلهم، ثم تعود ربما  بعد انفلات الأمر، فنخبرك أن أشياءك التي أحضرتها انتهت واستهلكت، أو قد كُدست في الصناديق، ثم تذهب من جديد وتمضي.

وفات منك أوان الغرس في أبنائك، واعتنائك بهم، وهم ما زالوا كعود رطب ينثني لك فتقوِّم وتُعَدِّل، وبعد الغياب عدتَ تشتكي العود الرطب صار خشبًا  وانقضى أوان الثني، لقد كان لأهلك عليك حق، وعيالك أحوج إلى حنانك منهم إلى مالك، وأحوج إلى قلبك من جيبك فهل من توازن والزمام في يدك.