العرب يُستغلُّون.. تجنيد آلاف المقاتلين في الحرب الروسية الأوكرانية

العرب يُستغلُّون.. تجنيد آلاف المقاتلين في الحرب الروسية الأوكرانية

  • 48
صورة أرشيفية معبرة

ما أرخص الدم العربي! فبالأمس استُخدمنا في الحرب العالمية الأولى في الفترة ما بين عامي 1914- 1918م؛ فقد قاتل فيها نحو نصف مليون عربي من مختلف الدول العربية، وهي المعركة الكبرى التي دارت رحاها بين القوى العظمى العالمية حينذاك، ولم يكن لنا فيها ناقة ولا جمل، لكنه الضعف؛ فقد كنا تحت سيطرة حكم الاتحاد والترقي التركي آنذاك وأجبرت شعوبنا على دفع نصيب من فاتورة الحرب. بل شاركنا كذلك في الحرب العالمية الثانية (1939- 1945م) تحت مظلة الدول الغربية المحتلة لعالمنا العربي وقتذاك، ولم يكن لنا قرار مستقل.. واليوم يعيد التاريخ نفسه مجددًا في ثياب جديدة هي الحرب الروسية الأوكرانية، ويُستغل أبناؤنا كذلك كوقود لنار لا قِبَل لنا بها.

استراتيجية بوتين

قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ عدة أيام فتح الباب أمام المتطوعين الأجانب –ومنهم العرب على اختلاف دولهم- والمرتزقة للمشاركة في حربه ضد أوكرانيا، تبع ذلك انتشار معلومات غامضة عن متطوعين سوريين على مختلف فئاتهم بلغت نحو 40 ألف مقاتل، بعضهم من الجيش السوري، والبعض الآخر من الميليشيات الشيعية التي رحبت بالانضمام لصفوف القوات الروسية في أوكرانيا.

يهدف بوتين من وراء هذه المليشيات والمقاتلين العرب بالتحديد إلى تحقيق بعض الأمور التي لا تتوفر لجنوده؛ منها: خبرة هؤلاء الجنود في حرب الشوارع والمدن السكنية التي احترفها السوريون والليبيون والعراقيون على حد سواء؛ فهم منذ سنوات تمتد لأكثر من عقد في حروب متواصلة. إضافة إلى محاولته تقليل الخسائر البشرية في صفوف جنوده؛ وبالتالي يدفع بأبنائنا العرب في أتون حرب ليس لهم علاقة بها سوى بضعة دولارات يتقاضونها؛ وبِناءً عليه يخفف حدة الانتقادات الداخلية الموجهة إليه من شعبه. علاوة على الارتباط التاريخي والثقافي بين الشعبين الروسي والأوكراني؛ ما يجعل الجنود الروس –من الناحية النفسية- يحجمون عن قتل المدنيين الأوكران إذا تطلب الأمر ذلك؛ لأن حرب المدن تستدعي بالضرورة قتل بعض المدنيين في أماكن سكنية ربما يختبئ بها جنود الطرف الآخر، أو ربما يكون قتل بعض المدنيين الذي يساعدون هؤلاء الجنود رادعًا لغيرهم عن الإقدام على هذا الأمر. ولا يجب نسيان أن طبيعة الأراضي الأوكرانية تختلف تمامًا عن الأراضي الأفغانية؛ فلا توجد بها مناطق جبلية صخرية وملاجئ طبيعية يختبئ فيها هؤلاء المرتزقة ويديرون من خلالها عملياتهم العسكرية؛ وبالتالي يضحي بوتين بإخواننا العرب ويحفظ دماء جنوده ويجنِّبهم الخسائر قدر استطاعته!

الظروف الاقتصادية والقواعد العسكرية

كلما طال أمد الحرب استفاد هؤلاء المرتزقة سواء من العرب أو غيرهم؛ فقد وصل راتب الجندي في معسكرات التدريب الروسية التي تضم مقاتلين سوريين ما بين 1100- 3000 دولار أمريكي شهريًّا؛ ما يشجع هؤلاء الجنود على اتخاذ تلك الخطوة رغم خطورتها هربًا من ظروفهم المعيشية الصعبة، واتباعًا لسياسة قوادهم.

يستغل فلاديمير بوتين وجود قاعدة عسكرية له في سوريا؛ ما يعد من الناحية العملية احتلالًا مُقَنَّعًا لأرضنا السورية العربية الشقيقة مهما ادعوا غير ذلك؛ وبالتالي فالسوريون لا يملكون من أمرهم شيئًا، وأصبح بوتين يتحكم في مقاليد الأمور داخل سوريا؛ وبِناءً عليه يستخدم السوريين في حربه الدائرة حاليًا.

المقاتلون العرب

سجل حتى الآن -حسب الأنباء- أكثر من 40 ألف مقاتل سوري للاشتراك في الحرب الروسية الأوكرانية ضمن صفوف الروس، عبر مراكز أقيمت في عدة محافظات سورية بالتعاون مع مجموعات عسكرية روسية وسورية بالتعاون مع نظام بشار الأسد. وهذه ليست المرة الأولى التي يقاتل فيها السوريون خارج أراضيهم؛ فقد توجه الآلاف منهم في السنوات الماضية للقتال في ليبيا وأذريبيجان بجانب القوات المدعومة من روسيا أو تركيا.

لم يقف الأمر عند السوريين فحسب، بل إن العراقيين دخلوا على الخط أيضًا؛ فقد تواردت أنباء عن تجهيز نحو 600 متطوع عراقي للقتال في أوكرانيا بجانب الروس، هؤلاء المقاتلون يتبعون فصائل ضمن قوات "الحشد الشعبي"، وسوف ينضم هؤلاء الجنود لقوات إقليمي "دونيتسك" و"لوهانسك".

ولم تغب ليبيا عن المشهد؛ فالملشيات المسلحة منتشرة فيها بكثرة، وهؤلاء يُستغلون حاليًّا في محاولة تجنيد الليبيين، حيث تسعى كل من روسيا وأوكرانيا لتجنيد الليبيين للقتال في صفوفها ضد الطرف الآخر، والطرفان يقدمان العديد من الإغراءات لهؤلاء الجنود وعلى رأسها الدخل المادي المرتفع، والدولتان فتحتا أبوابهما رسميًّا لأي مقاتل أجنبي عنهما للقتال ضمن صفوفهما.

رؤية للمشهد

ما يبدو ظاهرًا أن الحرب الحالية بين روسيا وأوكرانيا، لكن باطنًا –وهي حقيقة الأمر- أنها حرب بين قطبي العالم –أمريكا وروسيا-، المعسكر الشرقي بقيادة روسيا، ضد المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية؛ من أجل إثبات كل منهما قدرته على السيطرة والهيمنة على العالم الجديد الذي يتشكل حولنا، وسط تصاعد قوى أخرى وتكوين توازنات عالمية جديدة. وبصفتنا عرب ومسلمون فنحن نُستخدم في تلك الصراعات سواء درينا أم لم ندرِ، وتُستغل أراضينا ومقدراتنا وسط صراعات تلك القوى؛ ما يحتِّم علينا الالتفاف حول بعضنا والتوحد فيما بيننا، وربما يكون الأوان قد آن لقيام اتحاد عربي –في القريب العاجل- على غِرار الاتحاد الأوروبي.