أستاذ أدب ونقد بـ"آداب سوهاج" يوضح أهمية تعلم اللغة العربية.. ويؤكد: يؤثِّر في العقلِ والخلق والدين

  • 53
الفتح - الدكتور مؤمن محجوب، أستاذ الأدب والنقد المساعد بكلية الآداب جامعة سوهاج

قال الدكتور مؤمن محجوب، أستاذ الأدب والنقد المساعد بكلية الآداب جامعة سوهاج: إن اللغة أصوات يُعبِّر بها كل قوم عن مقاصدهم.  واللغة العربية: هي الأصوات التي يُعبر بها العرب عن أغراضهم. وقد وصلت إلينا عن طريق النقل، وحفظها لنا القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، وما رواه الثقات من منثور العرب ومنظومهم.


وأوضح "محجوب" -في تصريحات خاصة لـ"الفتح"- أن للغةِ العربية أهمية عظمى؛ في كونها لغةَ القرآن الكريم والسنةِ المطهرة، اللذين هما أساس الدين؛ فالعبادة التي خلقنا من أجلها لن نستطيع تطبيقها تطبيقا صحيحا من دون فهم اللغة العربية التي كتب بها القرآن والسنة. وترجع أهميتها أيضا إلى أنها الطريق إلى حفظ الهوية العربية والإسلامية، فاللغة العربية مصدرُ عزٍّ للأمة: يقول مصطفى صادق الرافعي -رحمه الله- مبينًا هذا: "ما ذلَّت لغةُ شعبٍ إلاَّ ذلَّ، ولا انحطَّت إلاَّ كان أمرُه في ذَهابٍ وإدبارٍ، ومِن هذا يفرضُ الأجنبيُّ المستعمر لغتَه فرضًا على الأمَّةِ المستعمَرة...".


ودلل على أهمية اللغة العربية بعدد من الأمثلة، التي توضح ضرورة فهمها فهمًا صحيحًا:

- سَمع أعرابيٌّ إمامًا يَقرأ: "ولا تَنكحوا المشركين حتى يؤمنوا" (بفتح التاء)، فقال: سبحان الله! هذا قبل الإسلام قبيح، فكيف بعده؟! فقيل له: إنه لحَن، وإنما القراءة: "ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا"، فقال: قبحه الله، لا تجعلوه بعدها إمامًا؛ فإنه يُحل ما حرم الله.

- وأخرج أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري في كتاب "الوقف والابتداء"، وابن عساكر، في "تاريخه" عن ابن أبي مليكة قال: قدم أعرابي في زمان عمر فقال: من يقرئني مما أنزل الله على محمد؟ فأقرأه رجل "براءة"، فقال: "أن الله بريء من المشركين ورسولِه". بالجر، فقال الأعرابي: أو قد برئ الله من رسوله؟! إن يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه. فبلغ عمر مقالة الأعرابي، فدعاه فقال: يا أعرابي، أتبرأ من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟! قال: يا أمير المؤمنين، إني قدمت المدينة ولا علم لي بالقرآن، فسألت: من يقرئني؟ فأقرأني هذا سورة "براءة"، فقال: "أن الله بريء من المشركين ورسولِه". فقلت: أو قد برئ الله من رسوله؟! إن يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه. فقال عمر: ليس هكذا يا أعرابي، قال: فكيف هي يا أمير المؤمنين؟ فقال: "أن الله بريء من المشركين ورسولُه"، فقال الأعرابي: وأنا والله أبرأ مما برئ الله ورسوله منه. فأمر عمر بن الخطاب ألا يُقرئ الناس إلا عالم باللغة.

- وكان الوليد بن عبد الملك يخطب العيد فقرأ: "يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ" (بضم التاء)، فقال عمر بن عبد العزيز: عليك فتريحنا منك. 

- وقال رجل للحسن يا أبو سعيد، فقال له الحسن: كسبك المال شغلك أن تقول: يا أبا سعيد، ثم قال: تعلموا الفقه للأديان، والطب للأبدان، والنحو للسان.

- ودخل أعرابي السوق فسمعهم يلحنون، فقال: سبحان الله! يلحنون ويربحون.

- وقيل: إن أبا الأسود سمع بُنية له صغيرة تقول –وقد نظرَتْ إلى السماء-: يا أبت ما أحسنُ السماءِ؟ فقال: نجومها، فقالت: لم أُرد هذا، إنما أردت أن السماء حسنة، فقال لها: فقولي ما أحسنَ السماءَ!


كما أوضح "محجوب" أهمية اللغة بضرب الأمثلة من أقوال السلف في أهميتها:

1- يقول عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه-: "تعلَّموا العربيةَ؛ فإنها من دينِكم...".

2- وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما-: "أمَّا بعد، فتفقهوا في السنةِ، وتفقهوا في العربية، وأَعْرِبُوا القرآنَ فإنه عربي".

3- وقال عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-: "ما كنتُ أدري ما معنى: ﴿فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ حتى سمعتُ امرأةً من العربِ تقول: أنا فطرتُه؛ أي: ابتدأته"، وقال: "إذا خَفِيَ عليكم شيءٌ من القرآنِ، فابتغوه في الشِّعرِ؛ فإنَّه ديوانُ العرب". 

4- وأُثر عن أبي الرَّيْحان البِيْرونيّ قولُه: "لأنْ أُشتم بالعربيةِ خير من أُن أمدحَ بالفارسية".

5- وقال الأصمعي: سمعت حمادَ بن سلمة يقول: من لحن في حديثي فليس يحدث عني.

6- وقال أحد السلف: ربما دعوت فلحنت، فأخاف ألا يستجاب لي.


وأشار إلى أن اعتياد التكلم باللغة العربية يؤثِّر في العقلِ والخلق والدين: وقد قال الشَّافعي: "من نظر في النَّحو، رقَّ طبعُه". ومن أمثلة ذلك:

• خرج سيدنا عمر (رضي الله عنه) ليلًا، فرأى نارًا موقدةً، فوقف، وقال: يا أهل الضَّوء. وكَرِه أن يقول يا أهل النَّار.

• وقيل للعبَّاس بن عبد المطَّلب: أيُّما أكبر، أنت أم النَّبي (صلى الله عليه وسلم)؟ فقال: هو أكبر منِّي، وأنا وُلدت قبله.


وأكد أستاذ الأدب والنقد بـ"آداب سوهاج" أن السلف قد ذموا اللحن في اللغة، وجعلوه قبيحًا، وخاصة لطالب العلم:

فقد كثرت أقوالُ العلماء في ذمِّ اللحن؛ فعن أيوب السِّخْتِيَانيّ -رحمه الله- أنه كان إذا لحن، قال: "أستغفرُ الله"، وقال الأصمعي -رحمه الله-: "إنَّ أخوفَ ما أخاف على طالبِ العلم إذا لم يعرف النحوَ أن يدخلَ في جملة قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: "من كذب عليَّ متعمدًا، فليتبوأ مقعدَه من النَّار"؛ لأنَّه لم يكن يلحن، فمهما رويت عنه ولحنت فيه، كذبت عليه".

وما أحسنَ ما قاله الشَّاعرُ في وصفِ مَن يلحن في لفظِه:

يُلْقِي عَلَى الْمَرْفُوعِ صَخْرَةَ جَهْلِهِ 

فَيَصِيرُ تَحْتَ لِسَانِهِ مَجْرُورَا 

وَيَنَالُ مِنْ لُغَةِ الْكِتَابِ تَذَمُّرًا 

مِنْهَا وَيَكْتُبُ فِي الْفَرَاغِ سُطُورَا 

وَرَأَيْتُ مَبْهُورًا بِذَلِكَ كُلِّهِ 

فَرَحِمْتُ ذَاكَ الْجَاهِلَ الْمَغْرُورَا 

وَعَلِمْتُ أَنَّ الْعَقْلَ فِينَا قِسْمَةٌ 

وَاللهُ قَدَّرَ أَمْرَنَا تَقْدِيرَا