أبرزها المعاصي والفساد.. شريف الهواري يوضح أسباب الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية

  • 44
الفتح - الدولار والجنيه المصري

قال الشيخ شريف الهواري، عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية، إنه مما لا يخفى على أحدٍ أن الأزمة الاقتصادية اليوم تعصف بالعالم شرقًا وغربًا، وهذه الأزمة الشديدة انشغل بمعرفة أسبابها وسبل مواجهتها الجميع؛ بداية من الشعوب، مرورًا بالسَّاسة وأصحاب القرار، وأرباب الفكر والاقتصاد، ولكن هذه الأزمة تستوجب منا وقفاتٍ لبيان بعض الجوانب الشرعية المهمة المتعلِّقة بها، ومن منطلق الشعور بالمسؤولية، وحرصًا منا على البلاد والعباد، كانت هذه الكلمات؛ حتى يُصحح المسار، ونصل إلى برِّ الأمان جميعًا.

وأوضح عضو مجلس إدارة الدعوة السلفية في مقال له نشرته الفتح، أن هذه الأزمة الاقتصادية لها العديد من الأسباب كالآتي:

* الأسباب التي أدَّت إلى هذه الأزمة عديدة ومتنوعة منها:

١- ضعف المعرفة بالله -تبارك وتعالى-، أو قل: الجهل بربوبيته -عز وجل- وأسمائه وصفاته: "يكفي أن الله تبارك وتعالى من قبل أن يخلق السماوات والأرض خلق القلم، فقال: اكتب، فقال: يا رب وما أكتب؟ قال: اكتب كل ما هو كائن إلى قيام الساعة -كالأرزاق، والأحوال، والآجال، وغيرها- فجرى القلم بما هو كائن، وتحدَّث -سبحانه وتعالى- في كتابه عن قضيه الرزق رابطًا بينها وبين قضية الإيمان بربوبيته وأسمائه وصفاته، فقال -عز وجل-: (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ‌الرِّزْقَ ‌لِمَنْ ‌يَشَاءُ ‌وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (سبأ: 36)، وقال أيضًا: (إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ ‌الرِّزْقَ ‌لِمَنْ ‌يَشَاءُ ‌وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا) (الإسراء: 30)، وقال -سبحانه وتعالى-: (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ ‌الرِّزْقَ ‌لِمَنْ ‌يَشَاءُ ‌وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الشورى: 12)، وقال -تعالى-: (‌وَلَوْ ‌بَسَطَ ‌اللَّهُ ‌الرِّزْقَ ‌لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) (الشورى: 27) ، وقال أيضًا: (‌وَكَأَيِّنْ ‌مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (العنكبوت: 60)، وقال -سبحانه-: (‌اللَّهُ ‌لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) (الشورى: 19).

ومعنى الآيات -وغيرها كثير في القرآن-: أن الله -تبارك وتعالى- هو الرب الخالق المدبر، المعطي المانع، الخافض الرافع، القابض الباسط، المقرِّب والمبعد؛ بيده الرزق فهو الرزاق، وعن علم وحكمة ومعرفة بعباده، فهو -سبحانه وتعالى- عليم بما هو أصلح لعباده؛ لذلك يبسط لمَن يشاء، ويمنع عمَّن يشاء، لحكمة يعلمها -سبحانه وتعالى-، كما جاء في الحديث المروي: "إنَّ مِنْ ‌عِبَادِي ‌مَنْ ‌لَا ‌يُصْلِحُهُ إلَّا الْغِنَى، وَلَوْ أَفْقَرْته لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ. وَإِنَّ مِنْ ‌عِبَادِي ‌مَنْ ‌لَا ‌يُصْلِحُهُ إلَّا الْفَقْرُ، وَلَوْ أَغْنَيْته لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ. وَإِنَّ مِنْ ‌عِبَادِي ‌مَنْ ‌لَا ‌يُصْلِحُهُ إلَّا السَّقَمُ، وَلَوْ أَصْحَحْته لَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ؛ إنِّي أُدَبِّرُ عِبَادِي، إنِّي بِهِمْ خَبِيرٌ بَصِيرٌ" (رواه البغوي وغيره، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة)، فالجهل بهذه المعاني التي ذكرنا؛ لهو مِن أكبر الأسباب التي تسببت في الحالة التي نشتكي منها.

٢- الذنوب والمعاصي: لقد بيَّن -سبحانه وتعالى- في أكثر من موضع في كتابه: أن الذنوب والمعاصي هي أساس كل مصيبة وفساد في الأرض، حيث قال: (‌وَمَا ‌أَصَابَكُمْ ‌مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى: 30)، وقال أيضًا: (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (آل عمران: 165)، وقال -سبحانه وتعالى-: (‌ظَهَرَ ‌الْفَسَادُ ‌فِي ‌الْبَرِّ ‌وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) (الروم: 41)، أما عن السُّنة فالأحاديث في هذا الباب كثيرة، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (يا مَعْشَرَ المهاجرينَ! خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ: لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ؛ حتى يُعْلِنُوا بها؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا، ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ -عز وجل- ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم) (أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم- أيضًا: (إذا تبايعتُم بالعينةِ وأخذتم أذنابَ البقرِ، ورضيتُم بالزَّرعِ وترَكتمُ الجِهادَ سلَّطَ اللَّهُ عليْكم ذُلًّا لاَ ينزعُهُ حتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ) (أخرجه أبو داود، وصححه الألباني).

* وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "‌ما ‌نزل ‌بلاءٌ ‌إلّا ‌بذنب، ولا رُفِع بلاءٌ إلّا بتوبة" (طريق الهجرتين لابن القيم)، ومن هذه الذنوب:

 - الإعراض عن منهج الله -تبارك وتعالى-: قال -تعالى-: (‌وَمَنْ ‌أَعْرَضَ ‌عَنْ ‌ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طه: 124).

- الربا: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ‌فَأْذَنُوا ‌بِحَرْبٍ ‌مِنَ ‌اللَّهِ ‌وَرَسُولِهِ) (البقرة: 278-279)، وما نتيجة هذه الحرب؟ يقول تعالى: (يَمْحَقُ ‌اللَّهُ ‌الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة: 276)، وقال -صلى الله عليه وسلم- (‌مَا ‌أَحَدٌ ‌أَكْثَرَ ‌مِنَ ‌الرِّبَا، ‌إِلَّا كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ إِلَى قِلَّةٍ) (أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني).

- عدم شكر النعم: قال -تعالى-: (‌وَضَرَبَ ‌اللَّهُ ‌مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل: 112).

٤- الفساد المستشري في أوساطنا: قال -تعالى-: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ ‌الْفَسَادَ) (البقرة: 205)، وكذلك: (وَاللَّهُ ‌لَا ‌يُحِبُّ ‌الْمُفْسِدِينَ) (المائدة: 64)، وقال أيضًا: (إِنَّ اللَّهَ ‌لَا ‌يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس:81)، حيث تكون جهود وطاقات وإمكانات مبذولة، ولكنها تسقط في بالوعات الفساد.

 ٥- الظلم والبغي: قال -تعالى-: (‌وَكَمْ ‌قَصَمْنَا ‌مِنْ ‌قَرْيَةٍ ‌كَانَتْ ‌ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ) (الأنبياء: 11)، وقال أيضًا: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ ‌خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (النمل: 52)، وقال -تعالى-: (‌وَتِلْكَ ‌الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا) (الكهف: 59)، وقال أيضًا: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى ‌وَهِيَ ‌ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود: 102)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (‌مَا ‌مِنْ ‌ذَنْبٍ ‌أَجْدَرُ ‌أَنْ ‌يُعَجِّلَ ‌اللَّهُ ‌تَعَالَى ‌لِصَاحِبِهِ ‌الْعُقُوبَةَ ‌فِي ‌الدُّنْيَا، ‌مَعَ ‌مَا ‌يَدَّخِرُ ‌لَهُ ‌فِي ‌الْآخِرَةِ ‌مِثْلُ ‌الْبَغْيِ ‌وَقَطِيعَةِ ‌الرَّحِمِ) (أخرجه أبو داود، وصححه الألباني).

٦- الإسراف والتبذير: قال -تعالى-: (إِنَّ ‌الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) (الإسراء: 27)، والمتأمل يجد صورَ الإسراف -للأسف الشديد- أصبحت ظاهرة في الطعام والشراب، وفي الملبس، وتتبع الموضة، في الزواج وإقامة الأفراح، في اللعب، وفي العديد من المجالات الأخرى؛ حيث تجد في كلِّ ذلك، وفي غيره إسرافًا رهيبًا، وتبذيرًا شديدًا.