وسط تفاقم الأوضاع الإنسانية.. فرار نحو 450 ألف لاجي سوداني إلى مصر منذ بدء الأزمة

  • 17
الفتح - أرشيفية

حتى نهاية يناير الماضي، فر نحو 450 ألف لاجئ سوداني إلى مصر  منذ اندلاع الحرب بحسب الإحصاءات الرسمية، ورغم الأمان الذي يحسون به لكنهم يواجهون ظروفًا اقتصادية قاسية مع تحول المجتمع الدولي إلى أزمات عالمية أخرى وتراجع الاهتمام بالأزمة في السودان.

ومع تضاؤل احتمال العودة إلى ديارهم قريبًا فإن عددًا متزايدًا من اللاجئين السودانيين عالقون في طي النسيان؛ إذ يواجهون نقصًا في تمويل المساعدات من المنظمات الدولية، ونقصًا في فرص كسب العيش والاستقرار بمصر، وفق تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.

شهادات اللاجئين

روى أحد اللاجئين السودانيين واسمه حسن: أنه قرر المغادرة بعدما احتجزته مليشيا  "الدعم السريع" هو وصديقه لمجرد أنهما يعيشان بالقرب من مكان قتل فيه ثلاثة جنود من المليشيا. وقد احتجزتهما قوات "الدعم السريع" وعذبتهما لمدة يومين إلى جانب عشرات المعتقلين الآخرين، حتى أشفق عليهما أحد الجنود وأطلق سراحهما.

وأضاف حسن أنه سلك طريق تهريب إلى مصر، وكافح مثل العديد من المدنيين للعثور على الأموال اللازمة للفرار من السودان، وسط انهيار اقتصادي وعمليات نهب وسطو مسلح واسعة النطاق. وعند وصوله إلى القاهرة انتقل إلى شقة والده الصغيرة (فقد كان والده يعيش في مصر منذ ثلاث سنوات لتلقي العلاج الطبي). ومع تدهور الوضع في السودان، انضم إليهم المزيد من أفراد العائلات الفارين من الاضطرابات تحت سقف واحد.

وأردف أنه بحلول شهر نوفمبر الماضي كانت الشقة المكونة من غرفتي نوم تضم أكثر من عشرة أشخاص، بمن فيهم اثنان من أعمام حسن الذين اعتقلوا وعذبوا أيضًا من جنود مليشيا "الدعم السريع".

من جهته، قال أحد اللاجئين الآخرين واسمه قاسم عمره 47 عامًا ويعمل سائق سيارة أجرة بالخرطوم قبل الحرب: إنه وجد مسكنًا مؤقتًا في جزء آخر من المدينة. وقبل أربعة أشهر من فراره إلى مصر خرج للحصول على العشاء لطفليه البالغين من العمر 11 و8 سنوات، وعاد إلى منزله مع جنود "الدعم السريع" وهم يوجهون بنادقهم إلى رأس ابنته. وقُيد وعُصبت عيناه واقتيد إلى سجن مؤقت، وتعرض هو وبقية المحتجزين "للتعذيب الشديد والصدمات الكهربائية والتهديدات بالسلاح والضرب والحرمان من النوم"، على حد قوله.

وتابع أنه بعد وقت قصير من إطلاق سراحه اعتُقل مرة أخرى لأكثر من يوم بقليل، رغم أنه لم يكن معه سوى جواز سفر منتهي الصلاحية والقليل من المال؛ ومن ثم بدأ في اتخاذ الترتيبات اللازمة لأخذ والدته وطفليه إلى خارج البلاد. مضيفًا أن والدته دخلت في غيبوبة سكرية وتوفيت في الليلة السابقة لمغادرتهم. 

في حين روى صلاح عبد الحي، وهو أستاذ متقاعد يبلغ من العمر 65 عامًا، أنه غادر السودان في مايو مع عائلته بعد أن حوصر في منزله مع اندلاع القتال في وسط الخرطوم. ويسكن الآن في شقة متواضعة بأحد شوارع القاهرة النابضة بالحياة. مؤكدًا: لقد حطم الصراع آمال الشعب السوداني. 

أما "أم دهب عمير" البالغة من العمر 24 عامًا فتروي أنها غادرت من أم درمان بمفردها في أواخر شهر مايو الماضي هربًا من القتال الدائر هناك. مضيفية: كنا نحلم ببناء بلد جيد لأنفسنا، بلد آمن، مستقل يمنحنا كل حرياتنا.

مساعدات عاجلة

ومع تفاقم الأزمة لا تزال المساعدات المتاحة للاجئين السودانيين غير كافية على الإطلاق. وفي 7 فبراير الماضي ناشدت الأمم المتحدة للحصول على 4.1 مليار دولار لتقديم مساعدات عاجلة للمدنيين المتضررين من النزاع، بمن فيهم أولئك الذين فروا. ووسط ارتفاع التضخم في مصر كافح العديد من الوافدين الجدد من السودان للعثور على سكن  إيجاره مقبول ويعيشون في شقق مكتظة لتحمل كلفة الإيجار.

وتساعد الجالية السودانية القائمة في مصر -التي نمت إلى ما يقدر بنحو 5 ملايين- قبل الحرب على توفير الدعم للقادمين الجدد؛ ففي شارع ضيق في حي بولاق بالقاهرة خلال شهر نوفمبر، اجتمعت النساء السودانيات في مكتب بالطابق الأرضي حيث تدير أمل رحال بودا مبادرة "آمال المستقبل"، وهي مبادرة تقدم للاجئين التعليم والدعم. 

وقالت بودا إن التحدي الأكبر من التمويل الدولي هو إيجاد حلول طويلة الأجل لدعم اللاجئين وإدماجهم مع احتدام الصراع. لافتة إلى قلقها بسبب نقص الوظائف والحصول على التعليم، وكذلك "الحالة العقلية السيئة للغاية" للأطفال السودانيين. 

مع تفاقم الأزمة الإنسانية في السودان يبدو أنه من غير المرجح عودة اللاجئين بمصر إلى ديارهم في أي وقت قريب.