سُنة على غير السُّنة

  • 127

مذهبُ "ابن حزمٍ" -رحمه الله- في الصفات من أفسدِ المذاهب وأشنعِها، وكلامُه فيها من الباطل الذي لا يُجبر بتأويل..
ورَدَّ عليه "ابنُ تيمية" -رحمه الله- بما يبينُ أن الأشاعرةَ كانوا أقرب لأهل السنة منه في هذا الباب!
ومع ذلك فقد تتابع العلماء على الأخذ من كتب ابن حزم والاستفادة منها، حتى كتابَه الذي قال فيه هذه البدعة!
وقل مثل ذلك في أمثال: البيهقي والغزالي وابن عقيل وابن الجوزي والباقلاني وابن رشد وابن حجر والنووي والقرطبي والماوردي والسبكي والجويني والسيوطي، وغيرهم ممن تلبّس ببعض البدع في الاعتقاد!

بل بعضُ كتب الاعتقاد الكبرى عند أهل السنة تشتمل على بعض البدع عند مؤلفيها، مثل متن الطحاوية، الذي خالفَ فيه مؤلفُه أبو جعفر الطحاوي جمهورَ أهل السنة في مفهوم الإيمان تبعًا لأبي حنيفة رحمه الله.
ومع ذلك لم نجد من يمنع مِن دراستِه وقراءتِه واعتماده، فضلًا عن إحراق كتب الطحاوي رحمه الله كلها، فضلًا عن إلغاء المذهب الحنفي جملة.
بل تتابع العلماء عليه شرحًا وتعليقًا وتنقيحًا، وبيان ما فيه من خطأ، مع حفظ مقام مؤلفه، وأن خطأه لا يمنع من كونه من أئمة السنة.

وصدق ابن القيم -رحمه الله-:
فلو كان كل من أخطأ أو غلط تُرك جملة وأُهدرتْ محاسنُه لفسدتْ العلومُ والصناعاتُ والحِكَمُ وتعطلتْ معالمُها. اهـ [مدارج السالكين: 2/39]

فالعجب من متعصِّبةِ زماننا ممن يَدَّعون الانتسابَ لأهل السنة، وهم أول من يخالف أصولَهم وآدابَهم وأخلاقَهم، في تعاملهم مع مخالفيهم!

والأعجب من ذلك أن بعضَهم لا يمنع الاستفادة من كتب بعض رؤوس المبتدعة مثل (الزمخشري) و(الجاحظ)، ويضيق صدرُه إذا قُرئَ لمخالفِه أو أُخِذَ منه أو اعتُّدَ بقولِه!

بل لقد أصبح "الإنصاف" وكأنه من الأساطير القديمة التي تُقرأ في الكتب، ولا تُرى في الواقع؛ لغُربة العلم والإنصاف، وغَلَبة الجهل والهوى، حتى وصل الأمر للاعتداد بالرأي وتحقير المخالف وتكميم الأفواه!
وكل ذلك مصحوب بدعوى الانتساب للسنة، ولكنها في الواقع سنة على غير السنة!
فالله المستعان.