فاسجد واقترب

  • 207

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد،

إن القرب من الله سبحانه وتعالى قضية حيوية في حياة المسلم يشعر بأهميتها وبثمارها عليه؛ فكلما اقترب من ربه كلما أحس بانشراح الصدر وابتهاج النفس وراحتها.

إن حقيقة القرب من الله إنما هو القرب بطاعته والانشغال بها والدوران معها (فاسجد واقترب)، (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)؛ فكلما أطاع واستقام اقترب أكثر فأكثر (وما تقرب إلي عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ..) فيالها من محبة وياله من قرب من الرب سبحانه وتعالى.

فمن لزم طاعة الله ومرضاته وأوامره بقلبه وبجوارحه؛ أحس بهذا القرب واستنسم رائحته، وأحس بطعمه؛ حتى لكأنه له ذوق مميز، واسأل العباد عن ذلك فقد يقسمون عليه!

الروعة كل الروعة إذا استقام منهجه على السنة وبجانب ذلك استقام عقيدة ومنهجا وسلوكا وعبادة؛ أحس مع ذلك بالقرب من ربه يهتز لهذا القرب القلب طربا وانشراحا (إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة)، (إن ما نحن فيه من النعيم لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف) إي والله!

وفي المقابل على قدر إعراض الإنسان عن ربه، والانغماس في معاصيه؛ يشعر بذلك في نفسه ضيقا وألما وكربا وضنكا، ويبلغ ذلك مداه بالإنسان إذا أعرض بالكلية فكفر وأشرك بالله؛ فيالها من عيشة بائسة تعيسة(ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ..) هذا غير ما يضاف إليه من أضعافه في الآخرة (ونحشره يوم القيامة أعمى قال ربي لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى .)، على قدر إعراض الإنسان عن ربه على قدر ضنكه وضيقه (يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء).

فمن أراد النجاة وسعى لها أعانه الله ووفقه (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)، ومن اختار لنفسه السوء والهلاك فقد اختار بنفسه ما يهلكه ولن تجد نفس راحتها إلا في القرب من خالقها وباريها سبحانه وتعالى، ولن تعاني الشقاء والضنك إلا في البعد والجفاء والله المستعان.