لماذا سميت حرماً؟.. "داعية": الأشهر الحرم معظمة في الإسلام وينبغي للمسلم أن يتقرب فيها لله بما استطاع من الطاعات

  • 133
الفتح - أرشيفية

استقبل المسلمون اليوم شهر ذي القعدة وهو من الأشهر الحرم، نسأل الله أن يهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما يحبه ويرضاه.

وحول هذا الموضوع أشار المهندس صلاح عبد المعبود، الكاتب والداعية الإسلامي، إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة:36]، قائلاً: الأشهر الحرم هي: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، كما في الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب، شهر مُضر، الذي بين جمادى وشعبان"، وقوله: ورجب شهر مضر الذي بين جمادى وشعبان، لأن ربيعة كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجباً، وكانت مضر تحرم رجباً نفسه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الذي بين جمادى وشعبان" تأكيداً وبياناً لصحة ما سارت عليه مُضر.

لماذ سميت حرما؟

وأوضح "عبد المعبود" -في تصريحات خاصة للفتح- سبب تسمية هذه الأشهر بالحرم، فقال: وإنما سميت حرما لعظم حرمتها وحرمة الذنب فيها، قال ابن عباس: "اختص الله أربعة أشهر جعلهن حراما، وعظم حرماتهن وجعل الذنب فيهن أعظم وجعل العمل الصالح والأجر أعظم"، مضيفاً: وقيل لتحريم القتال فيها: حتى يتمكن الناس من الحج، فذي القعدة للذهاب، وذي الحجة تقع فيه أعمال الحج، والمحرم حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم في سلام بعد حجهم بيت الله الحرام، وأما رجب فهو في وسط العام لمن أراد أن يذهب لزيارة البيت وأداء العمرة؛ وذلك كما قال سبحانه: {يأيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام} [المائدة:2]، وقال: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} [البقرة] أي عظيم لا يحل.

وتابع: وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّه السَّماواتِ والأَرْضَ" أي أن الشهور في حجته كانت قد عادت لتوافق الهيئة التي خلقها الله عليها والترتيب الذي أراده الله لها، وإنما كان ذلك إشارة منه عليه الصلاة والسلام، لما كانت تفعله الجاهلية من النسء وتأخير الأشهر الحرم وتبديلها، مشيراً إلى أن الله -سبحانه وتعالى- قد ذكر ذلك في كتابه فقال: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكفر يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ}[التوبة].

وأكمل الداعية الإسلامي: فقد كان العرب في الجاهلية يستطيلون فترة الأشهر الحرم الثلاثة فلا يصبرون على ترك القتال والثأر والسطو بعضهم على بعض، وكانوا في ذات الوقت يريدون أن يبقوا على حرمة الأشهر الحرم فسول لهم الشيطان النسء فكانوا ينسؤونها، موضحاً أن معنى النسء قيل هو التأخير، وقيل هو التغيير، وكله كانت تفعله الجاهلية، فقد ذكر أهل التفسير أن "جُنَادة بن عوف بن أمية الكناني"، كان يوافي الموسم كلَّ عام, وكان يُكنى "أبا ثُمَامة", فينادي: "ألا إنّ أبا ثمامة لا يُحَابُ ولا يُعَابُ. وإني نسأت المحرم إلى صفر".. فيكون عندهم المحرم ليس حراما وإنما صفر مكانه، متابعاً: وهو أيضا بمعنى التغيير، فبدلا من أن يكون المحرم هو الحرام يغيرون مسماه إلى صفر وينقلون المحرم مكان صفر، ثم إذا كان العام القادم فعل مثل ذلك وقال: "وإني نسأت صفراً وحرمت المحرم".

وأضاف "عبد المعبود": والأشهر الحرم كانت معظمةً في شريعة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، واستمر تعظيمها في ذريتهما من بعدهما، فكان العرب يعظمونها ويحرمون القتال فيها، فلما جاء الإسلام أقر تعظيمها وتحريم القتال فيها فقال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾ [البقرة: 217]، مضيفاً: وبقيت الأشهر الحرم معظمة في الإسلام ينبغي للمسلم أن يتقرب فيها إلى الله تعالى بما استطاع من صيام النوافل وأعمال الخير وأن يبتعد عما حرم الله تعالى، كما قال تعالى: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾.

واستطرد قائلاً: وأما مضاعفة الثواب والعقاب في هذه الأشهر، فقد صرح بها بعض أهل العلم استناداً لقوله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة:36] ، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أي في هذه الأشهر المحرمة؛ لأنها آكد، وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف، لقوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الحج:25]، متابعاً: وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام؛ ولهذا تغلظ فيه الدية في مذهب الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء، وكذا في حق من قَتل في الحرم أو قتل ذا محرم.

وتابع: ثم نقل عن قتادة قوله: "إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم في سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله يعظم في أمره ما يشاء"، وقال القرطبي رحمه الله: لا تظلموا فيهن أنفسكم بارتكاب الذنوب؛ لأن الله سبحانه، إذا عظم شيئاً من جهة واحدة صارت له حرمة واحدة، وإذا عظمه من جهتين أو جهات صارت حرمته متعددة، فيضاعف فيه العقاب بالعمل السيء، كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح، فإن من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام، ومن أطاعه في الشهر الحلال في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في شهر حلال في بلد حلال، وقد أشار الله إلى هذا بقوله: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً﴾ [الأحزاب:30] انتهى كلام القرطبي.