انقلاب النيجر هل ينهي سيطرة فرنسا على غرب إفريقيا؟

  • 33
النيجر

في الـ 26 من يوليو الماضي انقلبت قوات الحرس الوطني على رئيس النيجر محمد بازوم الذي يتولى السلطة منذ أبريل 2021، وأعلن قادة الانقلاب احتجازه في القصر الرئاسي بالعاصمة نيامي هو وأسرته ووزير خارجيته حسومي مسعودو، وفرضوا حظر تجوال في البلاد وعطلوا الدستور وأغلقوا الحدود وشكلوا مجلسًا انتقاليًا بقيادة الجنرال عبدالرحمن تشياني، والذي نصَّب نفسه رئيسًا للحكومة الانتقالية.

وبعد إعلان الانقلاب خرجت بيانات من عدة دول أوروبية وغربية على رأسهم واشنطن وباريس تدين الانقلاب ويطالبون الحرس الوطني بالتراجع والإفراج عن الرئيس بازوم، كما أصدرت هيئة رؤساء دول وحكومات المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" إنذارًا مدته سبعة أيام للجيش في جمهورية النيجر لإعادة بازوم إلى منصبه، كما زار رئيس تشاد، محمد إدريس ديبي إيتنو الرئيس بازوم في القصر الرئاسي من أجل وساطة لحل الخلاف دون جديد.

وأوقف المجلس العسكري في النيجر صادرات الذهب واليورانيوم إلى فرنسا، كما علقت فرنسا وبعض الدول الأوروبية مساعداتها للنيجر، وشددت كل من مالي وبوركينا فاسو على أن أي هجوم على النيجر سيعد هجومًا عليهما، كما أكدت شركة Orano متعددة الجنسيات المملوكة للدولة الفرنسية، استمرار سيطرتها على 3 مناجم يورانيوم بالنيجر، وأن عملها لم يتأثر بالانقلاب الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم، وأن الموظفين يعملون في موقع تعدين "أرليت" وسط الصحراء وهو أقرب للجزائر من النيجر ويقوم بحماية الموقع 300 جندي من نيجيريا، وأخرجت كل من فرنسا وإيطاليا رعاياهم من النيجر، كما ظهر تسجيل صوتي لقائد فاجنر يفجيني بريجوجين يقول فيه إن الأحداث في النيجر كانت جزءًا من حرب الأمة ضد المستعمرين السابقين -فرنسا- الذين يحاولون كبح جماح شعوب الدول الإفريقية وملئها بالإرهابيين والعصابات المختلفة، مما يخلق أزمة أمنية هائلة.

وتهدد تبعات التحرك العسكري عدة دول عربية، أولها ليبيا بسبب الحدود الجنوبية الشاسعة مع شمال النيجر وبسبب الفوضى وضعف المؤسسات الليبية فإن أي تطور للأحداث أو صراع قد يؤدي لدخول آلاف النازحين والميليشيات ومنها داعش والقاعدة إلى ليبيا، وكذلك السودان لقربها الجغرافي من النيجر رغم عدم وجود حدود، كما أن قبيلة المحاميد التي ينحدر منها كثير من مقاتلي ميليشيات الدعم السريع لها امتداد كبير في جنوب النيجر، كما تواجه موريتانيا خطرًا لأنها محاطة بدول كلها تقريبًا قام فيها انقلاب على السلطة الشرعية، وهي الوحيدة التي يقودها نظام دستوري وسط هذه الانقلابات، والجزائر تواجه خطر زيادة أعداد المهاجرين إليها من النيجر لأنها البلد الأغنى بين دول الساحل الإفريقي، كما أن نيامي ممر مهم للجزائر بإفريقيا الوسطى، والمشروعات بين الجزائر والنيجر مهددة بسبب الانقلاب، كما أن مشروع الطريق العابر للصحراء الذي يربط الجزائر بنيجيريا عبر النيجر مهدد هو الآخر بعد الانقلاب.

وحمَّل المحلل السياسي المقيم في باريس نزار الجليدي في تصريحات صحفية، فرنسا مسؤولية تراجعها السريع في غرب إفريقيا، لأنها تخلت عن التزاماتها تجاه دول غرب إفريقيا (في إشارة لوعود التنمية والأمن)، فأحدثت فجوة كبيرة لصالح روسيا بجانب رغبة النيجر ودول أخرى بالتغيير والاتجاه نحو الشرق، ويؤكد الخبير العسكري والاستراتيجي الفرنسي دومينيك كارايول، إن نجاح انقلاب النيجر يعني سقوط النفوذ الفرنسي في الساحل الإفريقي خاصةً بعد خروجها من دول الجوار مثل ليبيا ومالي وبوركينا فاسو ونيجيريا وتشاد وإفريقيا الوسطى.

أما المهندس أحمد الشحات، الباحث في الشئون السياسية، فأوضح أن إفريقيا قديمًا كما هو حال دول العالم كانت مقسمة بين الاحتلالين الفرنسي والإنجليزي وبعد استقلال كثير منها ظاهريًا، استمر الاحتلال الفرنسي في عدد كبير من الدول الإفريقية، مضيفًا أنه بعد الهيمنة الأمريكية على العالم لم تولِ قارة إفريقيا اهتمامًا كبيرًا في الهيمنة والنفوذ وظلت على اتجاهها كمستعمرة أوروبية بشكل أو بآخر.

وأشار في تصريحات لـ "الفتح" إلى أنه في الأعوام الأخيرة دخل لاعبون جدد -ولاعبين هنا بمعنى محتلين آخرين-، لم يكونوا موجودين على الساحة قديمًا، أبرزهم الاحتلال الروسي والإسرائيلي والصيني، لافتًا إلى أن كل لاعب من هؤلاء الثلاثة يلعب بطريقة مختلفة. 

ونبَّه الباحث إلى أن روسيا تراودها أحلام الإمبراطورية السوفيتية، وتؤمن احتياجاتها من المعادن النفيسة ومن غيرها من مصادر من القارة الإفريقية، وتغازل إفريقيا في نفس الوقت لأن تملك ما يمكن أن تعطيه لإفريقيا بدلًا من أن تعيش في تخلف وغير ذلك.

وبيَّن الشحات أنه بعيدًا عن فلسفة التواجد الروسي في إفريقيا والتواجد الصهيوني في إفريقي، وإذا ركزنا الحديث عن التواجد الروسي في إفريقيا فإن خلاصتها كما ذكرت، محاولة ضبط مواقع النفوذ وخاصةً في الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية وملء الفراغ الكبير الموجود في إفريقيا، مؤكدًا: رغم كل هذه الأيادي التي تعبث في إفريقيا إلَّا أن مساحة الفراغ كبيرة هذا يفسر لنا كيف تتواجد روسيا فيها.