لم يتبرك الصحابة بشجرة استظل بها النبي أو صخرة جلس عليها.. "برهامي" يوضح المعنى الشرعي للتبرك

  • 42
الفتح - الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية

قال الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية: التبرك هو طلب البركة، والبركة هي الخير الكثير من مصاحبة أو ملامسة شيء معين، ومثل هذا الأمر لا بد فيه من دليل، والدليل إنما يأتي من الشرع حتى نعتقد أن ملامسة شيء معين أو وضعه في الملابس أو وضعه على البدن يأتي بالخير، وهذا أمر غيبي لا نعلمه، ليس بتجربة، ولا بسبب ظاهر، فلا بد أن يكون بدليل.

وأضاف "برهامي" -في فتوى له عبر موقع "صوت السلف"-: قد ورد الدليل بلا شك بآثار النبي -صلى الله عليه وسلم- وآثار الأنبياء، قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ) [البقرة:248]، متابعاً:فآثار موسى وهارون -عليهما السلام- كانت في هذا التابوت، فهذا يشرع التبرك به، وأجمع العلماء بعد النصوص الثابتة عن الصحابة -رضي الله عنهم- في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يتبركون بآثاره -صلى الله عليه وسلم-، كان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه -الماء الذي تناثر منه-، وإذا تنخم نخامة ما وقعت إلا في كف أحدهم، وكان -صلى الله عليه وسلم- يفرِّق شعره بين أصحابه فيتبركون بذلك، وكانوا يَجمعون عرقه -عليه الصلاة والسلام- فيجعلونه في قارورة يتطيبون به "من طيب عرقه -عليه الصلاة والسلام-"، ويجعلونه أيضًا دواءً لبعض أمراضهم، ويعتقدون أن الله هو الذي ينفع بهذه الآثار.

واستكمل: والآثار إنما هي كثياب الرسول وعرقه ووضوئه، هذا الذي تبرك به الصحابة، فلم يتبركوا بشجرة استظل بها أو صخرة جلس عليها، ولم يجعلوا الأماكن التي سار فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- من آثاره التي يُتبرك بها، لو كان الأمر كذلك لكان الباب واسعًا جدًا، وابن عمر -رضي الله عنهما- كان من شدة اتباعه ينزل في الأماكن التي نزل فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يكن يتمسح بالأماكن التي سار فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ما فعل ذلك قط، وعمر -رضي الله عنه- قطع الشجرة التي تمت تحتها بيعة الرضوان وذكرت في القرآن؛ منعًا لمثل هذا التبرك؛ لأن الناس كانوا يتبركون بها.


وأوضح "برهامي" أن مَن دونه -صلى الله عليه وسلم- من الصالحين فرغم الخلاف بين العلماء في جواز التبرك بآثارهم قياسًا على النبي -صلى الله عليه وسلم-، إلا أن الصحيح من أقوال أهل العلم عدم مشروعية التبرك بآثار الصالحين؛ لأن هذا كما ذكرنا لا بد فيه من دليل، وقياس غير الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الرسول في ذلك يعد قياسًا غير صحيح؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليس أحد يبلغ منزلته، ولا منزلة النبوة والرسالة، ثم قد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ) (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني)، مشيراً إلى أن هذا يؤدي إلى الغلو في الصالحين حين يُتمسح بآثارهم ونحو ذلك؛ فسدًا لذريعة الشرك يُنهى عن ذلك.

وأشار ، إلى أن الصحابة -رضي الله عنهم- كان فيهم العشرة المبشرون بالجنة، وغيرهم ممن شهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- لهم بالجنة، وممن نزل القرآن بمدحهم: كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ولم يكن أحد منهم يتبرك بآثار أحد من الخلفاء أو العشرة المبشرين بالجنة، أو أهل بدر، أو أهل بيعة الرضوان، ما كانوا يفعلون شيئًا مِن ذلك رغم القطع بصلاحهم، ونحن لا نجزم بصلاح مَن بعدهم، لافتاً إلى أن الصحابة -رضي الله عنهم- قد تركوا ذلك -التبرك بآثار الصالحين- مع وجود الحاجة وانتفاء الموانع، وهذا كالإجماع منهم؛ إذ لم ينقل حرف من طريق صحيح بأنهم كانوا يأخذون شعر أبي بكر، ولا وضوء عمر، ولا ملابس عثمان، ولا عرق علي -رضي الله عنهم-، فلم ينقل شيء من ذلك، فإذا كانوا قد تركوا ذلك مع وجود المقتضي وانتفاء الموانع وهو كالإجماع منهم؛ دل على أنه لا يُشرع، وترك الصحابة في هذا الموطن يعتبر دليلاً، كما تركوا التوسل بذات الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا. قَالَ: فَيُسْقَوْنَ" (رواه البخاري).

واختتم نائب رئيس مجلس إدارة الدعوة السلفية قائلًا: فدل ذلك على أنهم تركوا التوسل بالرسول -صلى الله عليه وسلم- عامدين قاصدين، فدل ذلك على أن الترك هو السنة والفعل هو البدعة، فكذلك في مسألة التبرك لما لم يتبركوا بآثار خير الناس بعد الأنبياء؛ دل ذلك على أن الترك هو السنة، إلا أن بعض العلماء يجوِّزون ذلك، ونحن لا نجوِّزه.