مجرد ذكرى

هيام عرفة

  • 20
الفتح - مجرد ذكرى

تيقن أنك يومًا ما ستكون لأحدهم مجرد ذكرى مرت به، فلا بد لك أن تسعى لجعلها ذكرى لا تذكر فيها إلا بخير، لا تأتي سيرتك إلا ويتسارع الجميع في الترحم عليك ويبدأ كلٌّ منهم في سرد ما تركت في قلبه من بصمة؛ بصمة صالحة طيبة ترفعك عند رب البرية، اترك بين الناس رحمتك لترحم بها، يقول جل وعلا: ﴿‌إِلَيْهِ ‌يَصْعَدُ ‌الْكَلِمُ ‌الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: 10]، وقال أيضًا في كتابه العزيز: ﴿‌وَهُدُوا ‌إِلَى ‌الطَّيِّبِ ‌مِنَ ‌الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾ [الحج: 24].

العمل الطيب ولو كان بسمة في وجه أحدهم ترجمتها هي حسنات، حسنات ستحتاج لها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؛ تلك المضغة التي بداخل جسدك هي ما اصطفاها الله لتكون هي مركز قيادتك؛ إن أحسنت استغلالها نجوت. 

القلب بداخله العديد من الكنوز تحتاج لمن يظهرها، وينبش عنها تحت ركام الشهوات، والتي تظن ظنًّا منك خاطئًا أنها هي المسيطرة عليك، والدليل على ذلك: ليالي القيام ونهار الصيام، وتلاوة القرآن في أيام رمضان؛ تلك الأيام التي قاومت فيها نفسك وشيطانك قدر ما تستطيع، لربما لم تنتهِ عن كل ما تفعله، ولكنك حاولت قدر استطاعتك وهذا وحده بداية خير فلم يحتج قاتل المائة نفس سوى أن ينأى بصدره لتتغمده رحمة الله لصلاح نيته، فقط بدون عمل واحد خير بعد التوبة سوى أن نأى بصدره.

وعلى الرغم من أنه قتل إلا أنه أصبح ذكرى طيبة لنا، وصار نموذجًا يحتذى به للأمل وعدم القنوط من رحمة الله. 

اترك خلفك ما ينفعك في قبرك ويرفعك في درجاتك، هناك من يترك في نفوس الغير ذكرى قبيحة مشوهة وأسوأهم من يتركها لمن هم في بيت من بيوت الله، ما أقبح أن تنزل أخت تحمل وليدها بين ذراعيها وهي تتوجس خيفة من ردود أفعال المصلين على وجودها بينهم وتخشى تأففهم ونظراتهم الحارقة والتي تجعلها تشعر وكأنها مجرم تم الإمساك به متلبسًا بجريمة شنعاء أو ممن يقهر الأطفال ويدفعهم للصفوف الخلفية مستوليًا علي مكانهم في الصف الأول متجاهلًا أن الصغير أحق بمكانه؛ لأنه من أتي مبكرًا، ودون دراية منا نعلمه السطو على حقوق الآخرين ظلمًا طالما القوة بيدنا، فنتحول من السعي لمرضات الله إلى الصد عن سبيل الله دون أن نشعر، فنتجرد من مشاعر الرحمة والعطف، ونصبح غلاظ القلوب في أيام لا يجب أن نكون فيها إلا ذكرى حسنة.

ارحموا ترحموا، ولنجتهد في السعي لترك ذكري طيبة، فلا ندري من أي قد تأتينا دعوة تكون سببًا لفتح أبواب الجنان لنا، ولنختم بقوله صلى الله عليه وسلم: "كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك".