الدولة المصرية والإرهاب... مقاربة مختلفة

  • 147

تواجه الدولة المصرية منذ الثلاثين من يونيو حربا ضروسا ضد الإرهاب الذي اتسعت ساحاته وتنوعت أهدافه وتباينت مراميه؛ بما يُوجب طرح رؤى مختلفة ومقاربات مغايرة في كيفية مواجهته لا تعتمد على الأداة الأمنية وإن ظل دورها محوريا وأساسيا خاصة فيما تتعرض له المناطق الحدودية وفى شبه جزيرة سيناء بشكل رئيسي والتي تسعى الجماعات التكفيرية لتحويلها إلى إمارة إرهابية.

يأتي هذا الحديث بمناسبة العمليات الإرهابية التي باتت تقع يوميا في ربوع الجمهورية كافة، بما يجعل المرء عاجزا عن حصرها أو إحصائها بل وعن متابعة تداعياتها وجهود الأجهزة المعنية في القبض على مرتكبيها. ولعل من أهم المقاربات التي توجب أن يتم التركيز عليها في معالجة هذه الظاهرة تغيير الخطاب الموجه إلى هذه الجماعات، أخذًا في الاعتبار أن المستهدف من هذا التغيير ليس القيادات التي تقف على رأس هذه الجماعات وتوجهها، وإنما المستهدف عناصر هذه الجماعات التي لم تعد تسمع إلا صوت قادتها تحت مزاعم دينية وادعاءات فقهية، وربما فتاوى مضللة تنتسب إلى الدين وهى بعيدة كل البعد عن صحيح الإسلام دينا وعقيدة وفكرا وتطبيقا. بما يفرض على الجهات والأجهزة المعنية تحمل المسئولية بضرورة أن يتلامس الخطاب الموجه إلى هذه الفئات مع معتقداتهم الخاطئة وأفكارهم المغلوطة. فمن غير المفيد أن يظل مضمون هذا الخطاب يتحدث عن وصفهم بالإرهابيين والتكفيريين، وكذلك وصف ما يقومون به من أعمال بالإرهاب، فهل مجرد الوصف للعمل يغير من طبيعته أو يحول من منهجه؟

فماذا يفيد المجتمع إذا ظل خطاب أجهزته مقصورا على مجرد وصف ما يشهده من جرائم تهدد أمنه واستقراره؟

وماذا يفيد المواطن إذا عرف أن فردا في المجتمع ارتكب عملا وُصف بالإرهاب ما لم تتم معاقبة فاعله بعقوبات رادعة وجزاءات فعلية تُطبق في إطار من القانون وسيادته؟

ما يراد قوله في هذا الصدد أن محاربة الإرهاب وحماية المجتمع من مخاطره، يستوجب العمل على محورين إلى جانب المحور الأمني أو الأداة الأمنية، وهما:

الأول- تحقيق العدالة الناجزة والتي تعنى تحديدا سرعة الفصل في قضايا الإرهاب دون بطء أو تباطؤ، شريطة أن يتم كل ذلك في إطار سيادة القانون وأحكامه. مع الأخذ في الاعتبار أنه في حالة إذا ما كانت الأحكام والضوابط الواردة في القوانين المصرية وتحديدًا في قانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات وخاصة المادة (86) وما يليها، قاصرة عن تحقيق الهدف من القانون والمتمثل في الردع العام والخاص، فإن الحاجة تستوجب سرعة تعديل هذه القوانين لتتلاءم مع خطورة المرحلة التي تمر بها البلاد اليوم.

فالشعب المصري الذي خرج في ثورتين متتاليتين في أقل من ثلاث سنوات لم يكن خروجه إلا من أجل تحسين أوضاعه المعيشية وحماية حقوقه وضمان حرياته وهو ما لن يتحقق في ظل حالة الانفلات الأمني التي تواجهها الدولة اليوم وتنعكس على هيبتها ومكانتها ودورها في تحقيق طموحات الشعب ومن ثم، فعلى المسئولين عن إدارة المرحلة الانتقالية - أن يدركوا أن الشعب الذي تحمل معاناة ثلاث سنوات لن يستطيع أن يصبر إلى ما لا نهاية.

أما المحور الثاني- فيتمثل في ضرورة أن يتضمن الخطاب الموجه إلى عناصر هذه الجماعات تصحيحا للمفاهيم المغلوطة التي امتلأت بها عقولهم نتيجة غياب دور الدولة خلال الفترة الماضية، فقد غاب كثير من المفاهيم الإسلامية والمنهج الإسلامي في الدعوة إلى الله وفى تقديم الصورة الصحيحة عن الإسلام والتي تحاول هذه الجماعات التكفيرية تشويهها اليوم

ثمة تخبط بشأن مفهوم الدعوة إلى الله، فصحيح أن الله أمرنا بأن ندعو إليه، فهناك كثير من الآيات والأحاديث تحث المسلمين على الدعوة إلى الله وعبادته. ولكن، آليات هذه الدعوة وضوابطها لم تتعلمها عناصر هذه الجماعات، فهل الدعوة إلى الإسلام تكون بالعنف والإرهاب والقتل والترويع؟

وهل الدعوة إلى الإيمان تكون بالإكراه وممارسة مختلف أشكال وصور التهديد للآخرين؟

فإذا كان هذا هو الفهم لدى هذه العناصر التي تنتهج الإرهاب والقتل أداة لدعوة الآخرين إلى الإسلام أو الالتزام بمنهجه أو اتباع شريعته، فما هو موقفهم من آيات القرآن الكريم الصريحة والواضحة.

إن مواجهة هذه الموجة الواسعة والمتشعبة من الإرهاب، تفرض ضرورة تغيير إستراتيجية المواجهة وآلياتها وإلا تعمقت جذوره واتسعت حدوده لتضرب المجتمع المصري في واحدة من أهم سماته وهى الأمن والاستقرار، وإن كانت النظرة إلى المستقبل تؤكد أن الفشل هو مصير هذه الموجة.