ولدي ولكن

  • 168

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده،

قال تعالى: (يا يحيى خذ الكتاب بقوة)، وقال: (خذوا ما آتيناكم بقوة)،

وقال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوى خيرٌ وأحبُ إلى الله من المؤمن الضعيف ...».

وقال صلى الله عليه وسلم موضحا لبعض معانى القوة: «ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب»؛ فقوة الإيمان والعلم والعمل والدعوة والإراده والصبروالعزيمة مع قوة الأبدان كل ذلك مطلبٌ شرعى. ولكن كيف يوجه القوى قوته؟ هل يظلم ويبطش ويسلب الناس حقوقهم؟ هل يعتدى؟ هل يتعالى ويتكبر ويحسب أن لن يقدر عليه أحد؟! إن المؤمن يتق الله ويترفع عن هذا كله لعلمه (أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) سبحانه وتعالى، ولعلمه كذلك (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ)؛ فيصرف قوته ووقته وعلمه وكل إمكانياته فيما يرضى ربه تبارك وتعالى.

وبعض الآباء يشتكى أن ولده يعتدى بالضرب والإيذاء على إخوته وأقاربه وأصدقائه و أقرانه؛ مما يسبب كثيرا من المشكلات للأسرة، هذا ويعتقد الوالد أنه بريء من سلوك ولده، وأن ليس لبصمته أثرٌ على سلوك ولده وأخلاقه وطريقة حياته، وأقول للآباء:"بصمات عُنفِكُم على أبنائِكم يعكسها عدوان أبنائكم على من حولهم" . فهل سألت نفسك كيف يراك ولدك فى البيت وكيف تتعامل مع أبنائك؟

ربما تكون خارج البيت صاحب الصدر الواسع والقلب الحليم والبسمة التى لا تفارق وجهك، وإذا دخلت البيت يرتفع الصوت ويغرُبُ اللين والرفق والحلم من حياتك، وتتحول البسمات إلى صرخات، وإذا طالت غيبتك خارج البيت ثم دخلت ووجدت مشكلة بين أولادك أن هذا ضرب هذا، أو أن هذا كسر تحفة أو كوبا تنهال عليه ضربا ولكما وشتما وتوبيخا وتعنيفا،قد يصل إلى كسر يده أو رجله، وقد كسرت قلبه، ومع تكرار أخطاء الأبناء ومع تكرار صور الضرب والعقاب الانتقامى تصبح عند ولدك كابوسا يتمنى زواله، ولكنه وفى نفس الوقت يرى أنك ببطشك وعنفك وصوتك العالى تفعل ما تريد وتحقق ما تريد؛ وهنا أقول لك: لقد بذرت بذور تلك الشخصية العدوانية التى ترى فى الاعتداء على الآخرين قوة وتحقيقا لرغباتها؛ فتسلك مسلكا وأنت لا تدرى، وتلك سُنةٌ سيئة.

(... ومن سن في الإسلام سنة سيئة عُمِلَ بها بعده ، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، لا ينقص ذلك من أوزارهم » . أخرجه مسلم في "الصحيح".

أخى الحبيب،

 ما شعورك عندما تدخل البيت وقد كان الأولاد يلعبون ويضحكون فى فرح ومرح  وسرور ومع سماع صوت آثارك يجرى كل واحد منهم ليكون أحدهم نائما، والآخر منهمكا فى المذاكرة، والآخر قد أختبأ منك؟! هل تشعر بالسرور والراحة عندما تفتح الباب فترى منزلك كبيت الأشباح ليس فيه مُرَحِبٌ بك ولاصوت لحركة، والكل منك قد أنزوى؟أين أنت ممن كان يحمل الحسن أو الحسين على ظهره الشريف؟! أين أنت ممن كانت الجارية تأخذ بيده وتتحرك به؟! أين أنت ممن مسح أنس على رأسه وخده حتى وجد أنس برد أنامله على خده؟! أين أنت ممن كسرت بين يديه القصعة فقام وجمع الطعام وقال غارت أُمكم غارت أُمُكم؟! صلى الله عليه وسلم، أقريبٌ أنت من هديه أم بعيد؟!

أخى الحبيب،

 إن عُنفك وقسوة معاملتك لأبنائك يُحطمُ شخصيتهم السوية، ويساعد على إخراج شخصيات مشوهة، ولعل عنفك مع زوجتك أمام أولادك يورث عندهم هذه الرغبة فى الاعتداءعلى الآخرين؛ فاحذر" كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته "، والرعاية ليست الأكل والشرب، ولكن التربية والتوجيه.

أخى الحبيب،

إن ولدك يتقمص شخصيتك ويلعب دورك مع شقيقته وأصدقائه وجيرانه وأقاربه؛ فيضرب ويؤذي وتحمل أنت وزر ما يفعل!

 أخى الحبيب،

لا تُبرئ نفسك فإن بصماتك على شخصية ولدك وسلوكه لا تخفى على أحد، والأم قد تساعد على ظهور العنف فى شخصية ولدها إذ إنها تراه طوال اليوم يلعب ويُحطم ويُفسد ويُخطئ ولاتتوجه له بالتقويم والتوجيه، أو العقاب إن لَزِم الأمر؛ ولكنها تُرجئ ذلك وتقول له: سوف أشكوا إلى والدك حينما يرجع ليلا، وإذا جاء الليل تتسامح الأم أمام بطش الأب فيزداد الطفل فى العناد والمشاغبة والاعتداءعلى غيره  لغياب الرادع أو الموجه، ولعلمه أن التهديد غير حقيقى، ولاأقول للأم اضربى، ولكن التوجيه فى الحال إذا لَزِمَ الأمر باللطف والرفق واللين والرحمة ورسائل الحب التى يشعربها الابن من خلال بصماتك الرقيقه.

 فيا أيها الآباء والأمهات، أولادكم فلذات أكبادكم بالرفق واللين، والحلم والصبر الجميل، والدعاء والتقويم، والقدوة الحسنة، وضبط النفس نبنى الجيل.

والحمدلله رب العالمين