وزارة جديدة لـ 48 شهرًا فقط

  • 174

أزعم أن السمات الخمس لزماننا ولعصرنا الحالي، هي،

1- ثورة البيانات.

2- كثرة التحديات.

3- عظمة التقنية.

4- ندرة المواهب.

5- وسرعة الأحداث.

فدكتاتورية البيانات هي الدكتاتورية الأشهر في واقع الدول، بل لا صوت يعلو على صوت البيانات، فهي التي تقرر وهي التي تضع الأولويات والسمة البارزة لأغلب الدول المتقدمة هي "دعوا البيانات تتحدث" ثم يأتي بعدها كل حديث، لذا أصبحت مراكز المعلومات من الركائز الأساسية للبيئة التحتية للدول المتقدمة.

ثانيا كثرة التحديات: فالتحديات من كثرتها أصبح يُنسى بعضها بعضا، فالأزمة تلو الأزمة والمشكلة تلو المشكلة، بتنوع الزمان والمكان والأشخاص حتى تلاشي التخطيط الاستراتيجي في أغلب الدول المتأخرة وتقدمت منهجية إطفاء حرائق التحديات اليومية.

ثالثا: التقنية هي عنوان كل تقدم معاصر وهي تقلل الوقت والجهد والمال، وقفزات التقنية ربما لا يعادلها قفزة وأصبحت الدول جزر صغيرة داخل دولة كبيرة تسمى شركة للهواتف المحمولة أو شركة لتكنولوجيا المعلومات وأصبحت شركات التقنية تبتلع الدول بداخلها.

رابعا: ندرة المواهب وربما سوء توظيفها لأني أومن أن كل فرد يمتلك موهبة دفينة، ولكنه لم يتلقى التعليم الكافي لإخراجها أو لم يتواجد مع القائد الملهم الذي يستخرجها، ولهذا السبب تندر المواهب، لا لعدم وجودها ولكن لعدم إبرازها أو اختفائها في مجال أخر غير موهبتها.

خامسا: سرعة الأحداث، وكأن الأحداث التي مرت في مئات الأعوام تتلخص ربما في يوم أو أسبوع في أيام زماننا، على سبيل المثال من عام 2011 إلى عام 2013م في الوطن العربي، تأمل كم الأحداث المتلاحقة.

وبناءاً عليه، كان لابد من ابتكار أدوات جديدة وإبداع وسائل مناسبة للسمات المعاصرة وللمواجهة الحتمية، فمن لا يحرك الأمواج يغرق.

وحتى أكون عملياً سأقترح فكرة وزارة جديدة لمدة أربعة أعوام فقط، يعني 48 شهرا، ثم تتحول إلى مركز قومي بعد ذلك، وزارة يشرف عليها الوزير، هدفها الأساسي تحويل هذه السمات الخمس من محنة إلى منحة، ومن أزمة إلى فرصة، من خلال النمذجة والمعاييرية، والمتأمل في واقعنا يجد الأتي:

لا يخلو زمان من موهوب ولا مهنة من متميز، ولكنه يغرق مع أمواج البيروقراطية والروتين الممل القاتل، وكم من خبرات تفنى لعدم وجود من يرث هذه الخبرة المعرفية العملية الكامنة بداخل عقولهم فقط، ثم تدخل معهم قبورهم....فعلى سبيل المثال أتحدث عن وزارة التربية والتعليم من أول المدرس بداخل الفصل إلى الوزير في مكتبه، مرورا بالمدرس الأول والموجه ووكيل الوزارة وكل المناصب التنفيذية، في بلد ضخم مثل مصر كل شخص من هؤلاء عبارة عن كنز معلوماتي وكم ضخم من الخبرات في هيئة رجل، رصيد لا يتصوره بشر من التجارب والمواقف العملية واللمحات التربوية، كم من الأخطاء التي صوبت والتجارب التي فشلت والتجارب التي نجحت، وفي نهاية الأمر يكون أثر عمله لا يتعدى إلا من حوله، وإذا ارتقى في المناصب غرق وضاع، إذا نريد وسيلة عملية لتجميع هذه النماذج المبدعة المتميزة النادرة، بصورة علمية تقنية تناسب سرعة الأحداث وكثرة التحديات وندرة المواهب وكثرة البيانات.

فكيف تخدم التقنية الحديثة هذه الفكرة؟

الإجابة في الآتي:

مثال على وظيفة المحافظ، ولكن ألخص هدف هذه الورقة في جملة واحدة ثم أوضح "وزارة النمذجة والمعايير" ولعل الاسم يتغير ليكون أكثر موسيقية بعد ذلك، ولكن هذا هو هدف الوزارة باختصار.

اختيار النماذج المميزة المبدعة النادرة من خلال صناعة شبكة خاصة بكل محافظي مصر "كمثال"، نتابع كل محافظ من خلال مرافق يومي لمدة معينة ومقابلة أسبوعية لمدة معينة وإيميل يومي لتسجيل ملاحظاته، والهدف هو نقل كل خبراته وتجاربه ومواطن تميزه ولمساته الدقيقة التي اكتسبها، ومنهجياته التي يحل بها مشكلاته اليومية، والإجابة على أسئلة كيف يقضي يومه وما هو جدوله اليوم والأسبوعي والشهري والسنوي، ويحدث هذا في السبعة وعشرون محافظة، ويتم تسجيل كل المعلومات الواردة إلى غرف عمل متخصصة تسجل وتصنع المعايير وتحول المعلومات إلى بيانات، ولتستخرج المشترك الواضح بين التجميع من خلال علم النمذجة وليس الموضع موضع شرحه، ويظل هذا التسجيل لمدة ستة أشهر ثم يعود إلى كل المحافظين النموذج النهائي الذي صنع من خلالهم، ويتم التعديل والتغذية حتى نصل إلى نموذج المحافظ المثالي من المحافظين الحاليين والمحافظين السابقين، ثم يبدأ تدريب المحافظين عليه مع تعديله وتطويره حتى يصل إلى شكل صلب ويكون التعديل فيه كل عام حسب التجديدات، وللاختصار أوضحه في الشكل التالي:

 

 

 

وتتم النمذجة ووضع المعايير في كل الوظائف الكبرى في الوزارات والمؤسسات حتى نصل إلى نموذج ومعايير واضحة تختصر الوقت وتوفر الجهد والتكلفة فتستنسخ المواهب وتنتقل الخبرات ولا تدفن البيانات.

لعل الفكرة لم تكتمل في أذهان البعض ولكن الأمر يحتاج إلى مزيد من التفصيل ويقبل كل تعديل وتطوير بإذن الله.

الخلاصة:

وزارة مختصة بإعداد النماذج والمعايير لكل وظيفة من خلال التسجيل اليومي لتفاصيل الوظائف من خلال شبكة متطورة، والتسجيل المرئي من خلال متخصصين لنصل في 6 أشهر إلى التدريب ثم في 12 شهر للعمل بالنماذج، وهذا في ثلاث وزارات أخرى ثم تنتقل فكرة النمذجة والمعاييرية إلى كل المؤسسات الصغيرة والكبيرة في الدولة.

علم النمذجة وعلم وضع المعايير علم حديث يحتاج إلى مؤسسة، والزمن الحالي يحتاج إلى وزارات مبدعة جديدة متطورة، ولعلي أفصل في ورقة قادمة بإذن الله، وأختم أن فكرة تحويل القدوة إلى نموذج عملي ووضع معايير لتسهيل الاقتداء وللقياس المحلي الزمني فكرة بنى عليها كثير من قصص النجاح والتقدم.

ويكفى أن أول وسيلة تعليم على وجه الأرض كانت تعليم من خلال النموذج، قال تعالى "فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ" (المائدة: 31).

التغيير بالنموذج مبدأ قرآني معتمد.