الرد على شبهات "داعش" و"النصرة" ومن شابههم... الشبهة السادسة

  • 146

من أفعالهم الغير مسبوقة من أي تنظيم آخر, اعتراف أنصار تنظيم دولة العراق والشام لأميرهم البغدادي بالولاية العامة، فهو عندهم إمام للأمة كلها، ويسمّونه "أمير المؤمنين"، ويقولون إنهم يحققون ببيعته أصلا من أصول الدين أخذًا بحديث "مَن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية".
 
وهم كالعادة يفهمون النصوص الشرعية على وفق آرائهم وليس على وفق ما فهمه علماء الإسلام على مر العصور وكر الدهور.
 
ولذلك نقول إنهم فتحوا باب شر كبير ببيعتهم لهذا الرجل سوف تُؤتَى الأمة من قِبَله ما لم يسارع إلى إغلاقه العلماءُ، هو باب البيعة للمجاهيل واتّباعهم والتسليم لهم والقَبول بهم أولياء وأمراء. ولو أننا قبلنا بأن يبقى هذا الباب مفتوحًا لم يبقَ بيننا وبين الرافضة والباطنية فرق، فإنهم أسّسوا عقائدهم وحركاتهم وضلالاتهم أولَ ما أسّسوها على هذا الأصل الفاسد، فجاءهم من قِبَله كل شر ولم يهتدوا من بعده قط.
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية "إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بطاعة الأئمة الموجدين المعلومين الذين لهم سلطان يقدرون به على سياسية الناس لا بطاعة معدوم ولا مجهول ومن ليس له سلطان ولا قدرة على شيء أصلا" منهاج السنة(1-115)
 
يقول الشيخ العرور حفظه الله "إنهم يشبهون الشيعة في بيعتهم للمهدي, في قولهم إن إمامهم معلوم لهم ولا يلزم أن يكون معلومًا للكافة".
 
إذن متى كان صاحب البيعة مجهولا للناس صارت البيعة باطلة. قال الفقهاء "وحكم العقد الباطل أنه لا يُعَدّ منعقدًا أصلا، وإن وُجدت صورته في الظاهر فلا يترتب عليه أي أثر شرعي".
 
اما احتجاجهم ببيعة عمر بن عبد العزيز مردود عليه من وجوه لخصها الأخ مجاهد ديرانية في مقاله ولاية المجهول: &&&
 
"لقد أخذ رجاء بن حَيْوَة العهدَ لعمر بن عبد العزيز بعد سليمان بن عبد الملك في كتاب مَطوي لا يُعرَف اسم صاحبه، هذا صحيح، ولكن تلك البيعة الخاصة التي أُخِذت من رؤوس البيت الأموي ووجهائه بلا اسم سرعان ما أعقبتها البيعةُ العامة التي تمّت لعمر بن عبد العزيز باسمه وشخصه، وهي البيعة الحقيقية التي كرّسَته ورسّخَته إمامًا للمؤمنين، ولو لم يبايَع مبايعة عامة وهو معروف مكشوف لما كانت للبيعة الخاصة السابقة قيمة تُذكَر".
 
قال الشيخ الدكتور محمد أبو فارس في كتابه “النظام السياسي في الإسلام” (ص229): "الدارس لكتب الأقدمين يجد أن اختيار رئيس الدولة كان يتم على مرحلتين؛ الأولى "مرحلة الترشيح" وتسمى البيعة الخاصة، حيث يقوم أهل الحل والعقد باختيار الخليفة وترشيحه للأمة. الثانية هي البيعة العامة، وهي أقرب ما تكون إلى الاستفتاء العام، وهي المرحلة الحاسمة التي تقرر صلاحية المرشح للخلافة أو عدم صلاحيته، فإذا بايعه الناس يصبح ببيعتهم إمامًا، وإذا رفضوه لا تنعقد إمامته ويتوجب على أهل الحل والعقد ترشيح غيره للأمة".
 
الأكثرُ أهميةً مما سبق أن ولاية أمير المؤمنين لا يمكن أن تصبح صالحة أو "سارية المفعول" بالتعبير العصري إلا إذا كان معروفًا للناس، مهما تكن الطريقة التي أُخذت له بها البيعة.
 
جاء في سيرة عمر بن عبد العزيز لابن عبد الحكم أن رجاء بن حَيْوَة خرج إلى القوم وهم مجتمعون في المسجد، وجوه بني أمية وأشراف الناس، فقال: "يأمركم أمير المؤمنين أن تبايعوا لمن عهد إليه في هذا الكتاب"، فبايعوا. ثم أخذ بيد عمر فأصعده المنبر، وتمنّع عمر فناشده رجاء وخَوّفه من الله أن ينفرط عقد المسلمين إنْ هو أبَى. فقام عمر على المنبر وفتح الكتاب فوجد فيه استخلافه، فخطب الناس فقال: "أيها الناس، إني قد ابْتُليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه ولا طَلِبة له ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعتُ ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم". فصاح الناس كلهم: قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضيناك. ثم قاموا فبايعوه.
 
فظهر من ذلك أن البيعة الأولى التي أُخذت على كتاب مطويّ لا يُعرَف اسم صاحبه، ظهر أنها بيعة خاصة لم تؤخَذ إلا من أشراف البيت الأموي وبعض وجوه الناس، أما البيعة العامة التي أعقبتها بزمن ضئيل - ساعة أو نحوها كما يظهر من الرواية- فقد كانت لرجل معروف بالاسم ومعروف بالسيرة والتاريخ الطويل.
 
إذن فإن الحقيقة الكبيرة الناصعة التي لا يُمارَي فيها هي أن الخليفة لم يُمضِ يومًا ولا ساعةً في عمله وسلطانه إلا بعدما عُرف وكُشف ورضيه الناس، عامتهم وخاصتهم. أين هذا من المدعوّ أبي بكر البغدادي الذي ما يزال مستترًا مجهولا وقد انقضت على ولايته سبع سنين كما يزعمون؟ سبع سنون لم يَرَه فيها أحدٌ من "رعيّته"، ولا حتى إمامًا للصلاة ولا خطيبًا للجمعة، فضلاً عن إدارة البلاد وقيادة الجيوش!