المشاركة السياسية تحت المجهر

  • 159

إن مما لاشك فيه إن المشاركة السياسية  في ظل النظام الديمقراطي لها مصالح تحققت في أرض الواقع لا يمكن إغفالها وهناك مفاسد يمكن تلافيها في المستقبل, في اطار من الموازنة الشرعية بين المصالح والمفاسد التي تحكم مشاركتنا السياسية, فهناك إيجابيات تحققت بالفعل وهناك مكاسب يجب الحفاظ عليها وهناك مكاسب يغلب على الظن تحقيقها في المستقبل يجب أن توضع في الاعتبار عند اتخاذ أي قرار في المستقبل 

فالمشاركة بنية تقليل الشر والفساد وتكثير الخير والصلاح ما أمكن نية صالحة وعمل صالح إذ إنه موافق لما جاءت به الشريعة عند تزاحم المصالح والمفاسد 

 ومعروف أن إقامة العدل في الناس من أعظم واجبات الدين قال تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ........) 

وعند العجز عن إقامة العدل كله ودفع الظلم كله فليقم من العدل ما أمكن وليدفع من الظلم ما أمكن , وما عجز عنه من ذلك , فلا يكون مخاطبا به ولا مكلفا به , قال تعالى ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) 

إن مشاركة الصالحون تقلل المفاسد عملا بقاعدة ( ارتكاب المفسدة الصغرى لدفع المفسدة الكبرى ) وطالما أن المشاركين أخذوا بقواعد شرعية , قائمة على أدلة علمية فمشاركتهم من العمل بالسياسية الشرعية ولا يشترط في القائمين بالسياسية الشرعية ألا يقعوا في منكر قط , بل يجوز لهم ذلك - وقد يجب - إذا كانوا يدفعون منكرا أكبر , عند عجزهم عن أنكار المنكر كله , أكبره وأصغره )
 
ومن هذا المنطلق يتضح موقف الحزب من ترشيح المرأة والنصراني على القائمة في ظل قانون للانتخابات يلزم بذلك وليس مختارا وفي ضوء ثبات الحكم وتغير الفتوى بتغير الحال فنحن نعتقد أن مشاركة المرأة والنصارى غير جائزة على الراجح ولكن الفتوى جواز مشاركتهم للمصلحة الراجحة
قد يقول قائل إذا عجزنا عن تغيير المنكر كله , اعتزلنا السياسية ليسلم لنا ديننا , والسلامة لا يعدلها شيء.


نقول هذا فيما إذا كان الاعتزال لا يفضى إلى شر أكبر , أو كان المعتزل غير قادر على التغيير أصلا 


وقد يخاف على نفسه الفتنة , أما اعتزال يفضى إلى شر أكبر فلا , وكذلك من اعتزل وهو قادر على تغيير المنكر بتعطيله أو تقليله , فلا يكون سالما , قائما بما أوجبه الله عليه في هذا الموضع ومن وجد نفسه ضعيفا , فليعتزل , لكن لا ينكر على من كان قادرا على تخفيف الشر ثم من الواجب علينا ألا نترك المجال والساحة السياسية خالية للعلمانيين واللبراليين وكل من يعادى الشريعة ليشرعوا قوانين تزيد من تغريب الأمة وبعدها عن هويتها 

لاشك أن السياسية من الدين وأن من يقول لابد أن نعود إلى المساجد وأن نترك العمل السياسي على ما في هذا القول من سذاجة فمن سيترك لك المساجد وهو يعلم أنها مصدر قوتك دون تشريعات وفوانين تضيق على الدعاة والعلماء إذا أنت تركت له الساحة السياسية يعبث بها كيف شاء ثم إن هذا القول ترسيخ للعلمانية وهو لا يدرى , إذ أنه يرسخ للفصل بين الدين والحياة وأن دور الفرد الملتزم داخل المسجد وأن الطائفة المؤمنة دورها أن تعلم الناس في المساجد فقط وهذا في الحقيقة مناقضة لأصل العبودية سواء كانت عبودية الفرد أو الطائفة التي تشمل العبادات والمعاملات وغيرها 

فنحن ننطلق من المسجد لنعبد الخلائق لله ونشارك في العمل العام من أجل أن نصبغ المجتمع بصبغة إسلامية سواء في المعاملات أو الأخلاق والآداب 

ولاشك أننا نريد أن نعطى نموذجا للسياسية الشرعية واقع في حياة الناس سواء حياتهم السياسية أو الاجتماعية او الاقتصادية وأن نقول للناس أن الإسلام دين ودولة وعقيدة وشريعة وأن شريعته صالحة لكل زمان ومكان وأن تستوعب المتغيرات الحديثة في حياة الناس وحرصنا على هذا هو حرص كل مسلم غيور على دينه فلن يقل أبدا عن حرص العلماني الذى يريد أن يفرض علمانيته ولا الاشتراكي الذى يريد أن يفرض فلسفته فنحن أولى بالاجتهاد في هذا الأمر من كل الناس 

و لن تعدوا المشاركة السياسية عن وسيلة لتحقيق المصالح الدعوية من خلال الوصول إلى أقوام وطوائف لم نكن نصل إليها من قبل وأصبح الحزب يوفر صوتا مسموعا ورأيا محترم لدى الكافة وما ذلك إلا لأن الناس سمعوا منا هذه المرة بوضوح وسمعوا لآرائنا ولم يسمعوا عنا فقط كما كان يحدث في الماضي فالمشاركة هيئت المجتمع لذلك 

كما أن تواجدنا في الساحة السياسية بمرجية دينية جعلت كثير من الأمور التي كنا نقولها لأنفسنا أصبحنا نرددها في الملأ ودورنا مع الأزهر ليس منا ببعيد 

المهم في نهاية الأمر لابد أن نشارك وبقوة حتى يكون لنا مكان في المعادلة التي لا تعترف إلا بالقوة