ماذا يريد الخُرافيون؟!

  • 82

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فسؤال بدون مقدمات؛ فالخطب جَلل، والأمر لا يُحتمَل:

ماذا يريد هؤلاء الخُرافيون الجدد؟!

فقد خرجت علينا ثلة من أدعياء الولاية، ومحتكري الحقيقة والوصاية، لا ينقضي العجب من حالهم، ويتعجب المرء من صبرهم ومداومتهم على بدعهم الفجة مع تركهم السنن؛ بحجة أنها ليست واجبة!

ويتعجب العاقل ممَّن لا يجد غضاضة من أفكار: ابن عربي، والحلاج، وابن الفارض، وغيرهم ممَّن تواترت الأخبار بزندقتهم، بينما هو لا يطيق أي فكرة سنية سلفية ولو كانت خلافًا فقهيًّا سائغًا!

ويزداد العجب من جَلَدهم في الهجوم على السلفية بكلِّ وسيلة، ثم ترى في نفس الوقت ضآلة مجهوداتهم جدًّا في محاربة المعاصي مِن جنس التبرج، وترك الصلاة، بل والمخدرات والإباحية، بل هزالة دورهم في مقاومة الأفكار الإلحادية والعلمانية!

بل تجاوزوا هذا إلى ترويج عدم تكفير الملل المخالفة لدين الإسلام من أهل الكتاب وغيرهم؛ فصار عندهم أن مَن كَفَّرهم القرآن ليسوا كفارًا، بينما السلفيون هم قرن الشيطان!

وكما قيل: "أسَدٌ عليَّ وفي الحروبِ نَعامةٌ".

يتعجب المرء من شدة حرص هؤلاء الكهنة الجُدد على نشر الخرافة والبدعة، بل والشرك، ولا تجد ذلك الحرص في نشر سنة!

سنن كثيرة انتشرت وتم إحياؤها: كصيام الاثنين والخميس، ويوم عرفة، وعاشوراء، وصلاة الخسوف والكسوف، وانتشار أماكن الصلاة في كل مكان، وفي كل الفئات العمرية والاجتماعية، وكذا عودة الحجاب -على درجات-، والحملات والقوافل الدعوية، وغيرها الكثير، كان دور كثير من هؤلاء الخرافيين في كل هذا على أحسن الاحوال سلبيًّا إن لم يكن عدائيًّا.

ثم هل يخفى دور تلك الصحوة السنية -بمعناها العام- في نشر العلم والسنة، وطباعة الكتب الإسلامية، وإحياء التراث والمخطوطات، وبث علوم الأئمة من كافة المذاهب، وفي كافة العلوم الإسلامية النافعة؟!

وكذا نشر المواد الدينية: المقروءة، والمسموعة، والمرئية، والمكتبات، والمواقع والموسوعات الإلكترونية، وبرامج مقاومة الإلحاد، والرد على النصارى، ومحاربة الإباحية، وغيرها الكثير من جهود ومشاريع لا يمكن إنكارها إلا من حاسد متكبر حاقد، أعمى البصيرة؛ يجرؤ على إنكار المشاهدات المحسوسات.

وكما قيل:

ما ضر شمس الضحى في الأفق ساطعة          أن لا يرى نورها مَن ليس ذا بصر

لا زالت تخرج من أفواههم كلمات في لمز سنة الاعتكاف بعد انتشارها، مع أنها ثابتة عندهم دليلًا ومذهبًا، بلا شك!

ولا زلنا نسمع بين الفينة والفينة استهزاءً وسخرية من اللحية والنقاب، وغيرها، مع أنهم يدرسون في مذاهب الفقه الإسلامي أن النقاب يدور بين الوجوب والاستحباب!

أين قبول الحق مِن كلِّ مَن جاء به؟!

وهل الكبر إلا بطر الحق ورده، واحتقار الناس وازدرائهم؟!

لا ننكر وجود أخطاء عند بعض دعاة السنة، وهل هناك عصمة بعد الرسل والأنبياء؟

لكن هل وجود خطأ في الفهم والفكر عند البعض من أبناء تلك الصحوة الإسلامية أو خطأ في التطبيق عند البعض منهم يجعلنا نستبدل ذلك بالعودة للخرافات والضلالات والجهالات.

هل يقبل منصف أن يكون الخطأ ذريعة للعمى عن كل الخير الذي وُجد والذي تسببوا فيه؟!

لقد رأت الامة نور الوحي وجمال السنة وحلاوة العلم، وصحبة القرون الأولى، مع الاستفادة بمجهودات أئمة الإسلام جيلًا بعد جيل؛ هل يصح من عاقل أن يفضل الظلمة على النور والعمى على الهدى؟!

ووالله وبالله وتالله: إن على الحق نورًا يعلوه؛ يعلمه كلُّ مَن تجرَّد مِن الهوى والظلم.

وقد قيل:

وما ضر الورود وما عليها               إذا المزكوم لم يطعم شذاها

أي قلوب تلك التي تقبل أن تتحول ساحات المساجد إلى مراقص؟!

وأي عقول تلك التي تعقل أن يكون من كرامات إنسان: أنه كان لا يتطهر ولا يغتسل، ولا يصلي، أو أنه عاش عريانًا، أو كان يأتي كذا وكذا؟!

وأي أنفس تلك التي لا تشمئز من أن يحتفل شخص بمولد نفسه ويدعو الناس لذلك؟!

وأي أرواح تلك التي تزكو على أذكار شيطانية إبليسية ألقاها على ألسن أوليائه؟!

مَن يصدق الكذاب الأشر في ادعائه أنه رفض رؤية الله بحجة كذا...؟!

ومَن يصدقه أن فلانًا مع ضلاله الظاهر يرى النبي صلى الله عليه وسلم كل يوم، وأنه أمره بنشر تلك الضلالات؟!

والقائمة طويلة جدًّا، والله المستعان، لكن أقول لمحبي السنة: أبشروا، فإن الفتنة وإن كانت مقبلة؛ إلا أن العاقبة للتقوى، وعند الله تجتمع الخصوم؛ فتلك الفتن وإن ضل بها أقوام إلا أنها تحمل في طياتها أجورًا عظيمة جدًّا لقوم ينكرونها بأقوالهم وأحوالهم، وسيقاومونها عِلْمًا وعملًا ودعوة؛ فإنه يحمل هذا العلم من كلِّ خلف عدوله؛ ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين؛ فاستمسك أخي بالوحي، إنك على صراط مستقيم.

ويكفينا وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة".

وصلِّ اللهم وسلِّم، وزد وبارك على مَن بلغ البلاغ المبين.

والحمد لله رب العالمين.