تعالَ لنا وحدك! (3)

  • 81

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فتعالَ لنا وحدك ستسمعها أيضًا من مواقع التواصل الاجتماعي حين توفر لك منبرك، وأنت في بيتك، تقول لك بما تفكر الآن!

وتوفِّر لك منبرك الذي تستطيع أن تقول فيه كل ما تريد دون رقيب أو حسيب؛ توفر لك منبرًا، وتوفر لك الجمهور الذي يستمع إليك، وتجعل ذلك الجمهور يتفاعل معك فتغتر بهم ويغتروا بك، فتنعزل بهم عن المجتمع وينعزلوا بك عن أهل الخبرة والاختصاص، تطلب ود جمهورك فتتحدث فيما يطلبه المشاهدون، وإن خالفتَ حالة الجمهور العاطفية العامة انهالت عليك التعليقات السلبية، فلا تمارس إصلاحًا حقيقيًّا، ولكن تكون رأسًا في مواقع التواصل والتي تقود توجهاتها إعجابات جمهور أبهرته الصورة أكثر من المضمون!

ولم ينجُ من ذلك حتى بعض الدعاة الذين لا يتكلمون إلا فيما يرضي عاطفة الجمهور، ويتجنبون تمامًا أن يتكلموا في مواضيع وأمور هي مَن صميم الإصلاح، ولكنها سوف تجلب لهم تعليقات سلبية!

تعالَ لنا وحدك: ستسمعها من بعض جماعات التطرف، التي تريد أن تفصلك عن مجتمعك وعن وطنك؛ ستجدهم دائمي الهجوم على أي سلطة توجد ببلدك، ودائمي المعارضة والتشويه يريدونك أن تقتنع بأن أي سلطة ليسوا فيها، تمثِّل المادة الخام للشر، ولا أمل في انصلاحها، وأنها حكومات توالي الصهيونية، وأنها تريد أن تفسد البلاد والعباد، وأن تلك الحكومات مهما فعلت من خير وصلاح لا أمل فيها، وأنها إن فعلت الصواب؛ فهي ترمي من وراء ذلك لأضعاف مضاعفة من الشر!

ثم بعد أن تحتقن تجاه سلطات بلدك سيقولون لك: إن الذي أتى بهذه السلطة هو ذلك المجتمع، وأن الذي سكت على جرائم هذه الحكومة هو ذلك المجتمع، وأن الذي رضي بالظلم هو ذلك المجتمع؛ لذلك فهذا مجتمع ظالم ومجرم، بل هو مجتمع جاهلي، ثم يدعوك لأن تنفصل عنه بروحك حتى وإن بقيت فيه بجسدك، فيكون جسمك في مجتمعك، ومشاعرك مع تلك الجماعات المتطرفة، والتي ستطلب منك بعد أن تنعزل عن مجتمعك أن تصطدم معه، وأن تعاديه، ثم ستطلب منك أن تستحل الحرام من دماء وممتلكات.

يتصايح الجميع مِن حولك: تعالَ لنا وحدك، تعالَ لنا من غير دينك وقيمك وأخلاقك، ومن غير تراثك وعلمائك، ومن غير أسرتك ومجتمعك؛ لأن كل ما سبق في الحقيقة هو سياج الأمان والحصن الحصين الذي سيسعى كل مَن يريد بنا الشر أن يجرد الأفراد منه حتى يأتي الفرد لهم وحيدًا ضعيفًا فاقدًا لقيمته ومقاومته، فيقبل أفكارهم الضالة، وعاداتهم الشاذة؛ ليكون دمية تتقاذفها أيدي اللاهين منهم، وليكون على النمط الذي يريدونه منه، فيظل مستهلِكًا لمنتجاتهم، متشبهًا بهم، نافرًا مِن كلِّ ما من شأنه أن يقربه مِن ربِّه، ومن كل ما يصلح مجتمعه!

فتلك صيحة نذير: أن ننتبه لكلِّ مَن يحاول أن يعبث بتماسك الأسرة، وقِيَم المجتمع، ومرجعية التراث ورمزية العلماء؛ فهؤلاء العابثون في الحقيقة، هم الممهدون لأعداء الأمة، وهم مِن يهدم حصوننا مِن الداخل.

فلا تكن وحدك أبدًا...

شارك أسرتك طموحاتك وآمالك، آلامك ومعاناتك، وشارك في إصلاح مجتمعك، وساهم في تخفيف المعاناة عن أبنائه، وتعلَّم ثوابت دينك، وعض عليها بالنواجذ، وزاحم العلماء بالركب، وكن حذرًا من قطاع الطريق ورسل الغرب، وعرابي الانحلال، ورؤوس الفتن، وإذا نهلت من السوشيال ميديا؛ فلا تنهل إلا مِن موردٍ عذبٍ.