العلمين.. الأرض المحروقة التي زرعتها الحرب العالمية الثانية بالألغام وأهملتها الحكومات ودفع ثمنها الأهالي

  • 531
الشيخ عبد الباري رواق أحد المصابين من مدينة العلمين يروي لـ"الفتح" تجربته مع الألغام

"الفتح" تقتحم حقول الألغام بالصحراء الغربية .. وتحاور أهالي منطقة العلمين بالساحل الشمالي
أهالي مطروح فقدوا ما لا يقل عن 80 ألف رأس ماشية و10آلآف قتيل و20 ألف إصابة منذ عام 1982 حتى تاريخه
قوات التحالف زرعت 25مليون لغم بالصحراء الغربية .. وحرمت مصر من الاستفادة بـ3 ملايين فدان

الأنظمة السابقة تجاهلت ملف الألغام وتركت المنطقة ساحة تلهو فيها الغربان والوحوش وصبت كل اهتماماتها لمنتجعات الساحل الشمالي
أهالي العلمين ومطروح: الحكومات ما زالت تتعامل معنا كمواطنين من الدرجة الثانية .. ونرفض المزايدة على وطنيتنا ونطالب بإعادة توزيع الثروة وتوفير المياه

الحرب العالمية الثانية

هي نزاع دولي مدمر بدأ في 7 يوليو 1937 في آسيا، و1 سبتمبر 1939 في أوروبا، وانتهى في عام 1945 باستسلام اليابان، شاركت فيها قوات مسلحة من حوالي سبعين دولة، وشملت معارك جوية وبحرية وأرضية.

وتعد من الحروب الشمولية، وأكثرها كُلفة في تاريخ البشرية؛ نظرا لاتساع بقعة الحرب وتعدد مسارح المعارك والجبهات، فقد شارك فيها أكثر من 100 مليون جندي؛ فكانت الخسائر في الأرواح فادحة، وقد أزهقت فيها نحو 70 مليون نفس بين عسكري ومدني.

تكبد المدنيون خسائر في الأرواح إبان الحرب العالمية الثانية أكثر من أي حرب في التاريخ؛ بسبب للقصف الجوي الكثيف على المدن والقرى الذي ابتدعه الجيش البريطاني بمجرد وصول "ونستون تشرتشل" إلى السلطة، وقد رد عليه الجيش النازي بالمثل؛ مما نتج عنه سقوط العديد من المدنيين من الطرفين، بالإضافة إلى المذابح التي ارتكبها الجيش الياباني بحق الشعبين الصيني والكوري؛ ليرتفع عدد الضحايا الأبرياء والجنود لأكثر من 51 مليون قتيل، أي ما يعادل 2% من تعداد سكان العالم آنذاك.


ورغم إعلان اليابان الحرب على الصين في 7 يوليو 1937 ، إلا أن البداية الفعلية للحرب تعد في أول سبتمبر 1939عندما اجتاحت ألمانيا بولندا، وتوالت بعدها إعلانات الحرب على ألمانيا من قبل فرنسا وبريطانيا؛ ومن أواخر عام 1939 إلى أوائل عام 1941، شنت ألمانياسلسلة من الحملات والمعاهدات لتشكيل حلف دول المحور والسيطرة على أجزاء واسعة من القارة الأوروبية، وقد وقعت قبل الحرب اتفاق "مولوتوف / ريبنتروب" مع الاتحاد السوفييتي، الذي ينص في بنوده على تقاسم الدولتين الأراضي التابعة لبولندا ودول البلطيق في حال نشوب الحرب.

وفي 14 يونيو 1940 سقطت باريس في يد الألمان، واستسلمت فرنسا، وفي 22 يونيو 1941 بدأت أكثر مراحل الحرب العالمية الثانية دموية بعد غزو ألمانيا للاتحاد السوفييتي، وفي 7 ديسمبر 1941 شن الطيران البحري الياباني هجوما مفاجئا على القاعدة البحرية الأمريكية في ميناء بيرل هاربر؛ مما اضطر أمريكا لإعلان الحرب على اليابان والدخول في الحرب العالمية الثانية.

ثم بعد ذلك توالت أحداث الحرب الرهيبة التي انتهت بسيطرة الاتحاد السوفيتي على برلين، والاستسلام غير المشروط من قبل الألمان في 8 مايو 1945.
من الشخصيات المؤثرة في الحرب

إدولف لويس هتلر: سياسي ألماني نازي، ولد في النمسا، وكان زعيم حزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني والمعروف للعامة باسم الحزب النازي؛ تدرج في المناصب حتى تولى حكم ألمانيا في الفترة ما بين 1933- 1945.

إرفين روميل: ولد في 15 نوفمبر 1891 م في بلدة هايدنهايم قرب شتوتغارت الألمانية، كان يلقب بثعلب الصحراء؛ فقد كان مقتنعا بأنه واحد من أمهر القادة في حرب الصحراء، حصل على رتبة مشير أثناء الحرب العالمية الثانية في شمال أفريقيا، وقاد قوات المحور في الحرب العالمية الثانية، وانتحر في 14 أكتوبر عام 1944 م.

برنارد مونتجمري : كان مشيرا بالجيش البريطاني، استطاع قيادة قوات الحلفاء إلى الانتصار في معركة علم حلفا، وفي معركة العلمين الثانية عام 1942، وتحقيق النصر على قوات المحور في الحرب العالمية الثانية.

مسرح الأحداث

خطورتها لا يمكن وصفها.. تعد حقول الألغام التي خلفتها الحرب العالمية الثانية في منطقة العلمين من أخطر الكوارث التي أثرت على الأحياء، ومنعت تنمية الصحراء الغربية معا؛ الأمر الذي تسبب في ضرر بالغ لعدد كبير من أبناء المنطقة التي وصلت للإعاقة المستديمة.. والقضية التي نحن بصددها من أهم وأخطر القضايا التي واجهت الدولة المصرية عبر آلاف السنين.

إنها الألغام التي أعاقت التطور في الصحراء الغربية التي خلفتها الحروب العالمية، وأثرت في بوار ما لا يقل عن ثلاثة ملايين فدان، إضافة لفقد ما يقرب من 80 ألف رأس ماشية، فضلا عن فقد عشرات الآلاف من البشر لأعضائهم، ومقتل ما لا يقل عن 9000 شخص بدءا من عمليات التطهير التي بدأت عام 1982حتى تاريخه، وكبدت مصر ما لا يقل عن ثلاثة مليون دولار بحسب وزارة التعاون الدولي.

وفي محاولة للوقوف على الحقيقة كان لا بد من الانتقال إلى مسرح الأحداث ورصد الواقع على الطبيعة ، وبعد قطع مسافة تتجاوز الـ280كم من القاهرة حتى مدينة العلمين بمرسى مطروح في الساحل الشمالي.

وهناك التقينا بالشيخ منصور قوية العقاري عضو مجلس الشعب السابق عن حزب النور بدائرة العلمين والحمام، ومسئول الدعوة السلفية بالمنطقة ، الذي اصطحبنا إلى حقول الألغام، وشاهدنا على الطبيعة كم المساحات الهائلة "التي قدرها الخبراء بما لا يقل عن ثلاثة ملايين فدان " من الأراضي الخصبة التي تحتوي على ما يقرب من 17.5مليون لغم متعدد الأغراض والأنواع.

وخلال الرحلة التي رافقنا فيها الشيخ حسن الهواري، شاهدنا مآسٍ لا تعد ولا تحصى، عاشها أبناء العلمين بعد أن عجزت الأنظمة المتعاقبة عن حل مشكلة الألغام التي تسببت فيها قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، التي قضت على الأخضر واليابس في دول عديدة ، وما زالت مصر تحصد سيئاتها حتى الآن.

ويصمت الشيخ منصور قوية، قليلا وهو يلتفت برأسه يمينا ويسارا بينما عيناه تحلقان بالأفق البعيد، ثم يلقي ما بصدره من زفرات الآهات والمرارة الحارقة التي أذاقها قوات التحالف لأهالي العلمين جراء "حدائق الشيطان" التي أبعدت المنطقة الغنية بالثروة المعدنية والخامات المحجرية عن التنمية؛ فتركت ما يقرب من ثلاثة ملايين فدان أرضا صحراء جرداء تسكنها الأشباح والألغام التي أسقطت عشرات الآلاف ما بين قتلى وجرحى بلا رعاية أو أدنى اهتمام من الدولة أو الأجهزة المعنية؛ مما يعد أحد الانتهاكات التي حدثت في تاريخ البشرية من دول الحلفاء تجاه أبناء المنطقة.

وتابع البرلماني السابق، أهالي العلمين تحملوا ما لم يتحمله بشر، ظللنا نبحث كثيرا عن تحقيق حلم راود الكثيرين من أبناء مطروح، وحتى أبناء مصر في ربوع البلاد لتطهير تلك المساحات الشاسعة التي تطل مباشرة على شريط الساحل الشمالي على البحر الأبيض المتوسط.

وتساءل منصور العقاري، أين الدولة؟! وأين أجهزتها المختلفة؟! ولماذا تركت أبناء مطروح عرضة لمنظمات وهمية تاجرت بقضية اهتز لها الرأي العام العالمي، بعد اعتراف قوات التحالف ودول الكومنولث أن مصر بها 20% من حجم الألغام المنزرعة على مستوى العالم؟!

وتابع مسئول الدعوة السلفية بمنطقة العلمين حديثه مع "الفتح" قائلا، البداية كانت عام 1942عندما زرعت قوات التحالف الدولية ما يقرب من 23مليون لغم موزعة بكاملها في المناطق الحدودية بسيناء والعلمين، لافتا إلى أن الغالبية العظمى في منطقة العلمين التي تعاني من "17.5"مليون لغم على مختلف أنواعها ، ما بين ألغام مضادة للأفراد التي يتراوح وزنها بين 7 : 15كجم، ثم ألغام مضادة للمركبات وهي تزيد عن الـ15كجم، ثم ألغام مضادة للدبابات وهي التي تزيد عن الـ50كجم وتصل في بعض الأحيان لـ200 كجم.

وكشف العقاري، أن الفترة ما بين 1943، إلى عام 1982 لا يستطيع أحد أن يقدر حجم الخسائر البشرية والثروة الحيوانية التي حصدتها الألغام، وعدم وجود حصردقيق لعدد المصابين أو الموتى الذين سقطوا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى تاريخه إلا بعد عام 1982.

ولفت إلى أن البداية لنزع الألغام كانت بعد 40 سنة من زرع الأ لغام التي نفذتها قوات التحالف والكومنولث، وقد وصلت الإصابات لـ"20 ألف مصاب" ما بين بتر أعضاء أو تطاير الشظايا التي أودت بفقد المئات لعيونهم.

إضافة لنفوق أكثر من 80 ألف رأس ماشية أكثرهم من الإبل حصدتها الألغام التي زرعها الحلفاء في منطقة العلمين.

وأضاف، أن المنطقة التي انتهت القوات المسلحة من تطهيرها تصل مساحتها لـ70 ألف فدان، تم تسليمها للأجهزة المعنية حتى يقام عليها مدينة مليونية وهو ما يعد بداية الطري نحو عمليات التطهير.

وشدد منصور العقاري على أن حجم الخسائر التي تكبدتها مصر جراء الحرب العالمية الثانية لا تعد ولا تحصى؛ حيث تساءل من يداوي دمعة اليتامى الذين فقدوا ذويهم؟! ومن يداوي الجرحى الذين فقدوا أعضاء من أجسادهم؟! ومن يعوض أصحاب الماشية التي وصلت لأكثر من 80 ألف رأس؟!
متابعا، أنه إذا كانت الدول المتسببة في ذلك مثل إنجلترا وألمانيا وإيطاليا زرعت ما يقرب من " 23مليون" لغم على مساحة ثلاثة ملايين فدان في الحرب العالمية الثانية، فإن الحكومة المصرية أهملت أبناءها الذين راحوا ضحية حرب ضروس.ما زالت مستمرة إلى اليوم.

ابحث عن الجمعيات والمنظمات الوهمية

وأثناء تنقلنا بالمنطقة كان لا بد من التحدث مع دليل المناطق الصحراوية والكشف عن الألغام الحاج دومة عفون؛ ليرجع بذاكرته إلى أربعينات القرن الماضي ويروي لنا تفاصيل بالغة الصعوبة، وكأن منطقة العلمين كانت بمعزل عن الاهتمام أو زيارة المسئولين الكبار الذين اكتفوا فقط بالسطو على أراضي الساحل الشمالي على البحر.

وأوضح خبيرالكشف عن الألغام، أن المصابين ُكثر، وقد يتعدوا عشرة آلاف، بينما عدد القتلى لم يستطع أي شخص تحديده بدقة، لكنهم قد يتجاوزون الـ"20 ألفا"، لافتا إلى أن أول عمليات الإزالة والكشف عن الألغام بدأت عام 1982، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بـ"40 عاما".

وتابع الحاج دومة عفون، أن الدولة أهملت أبناء مطروح فنشطت المنظمات والجمعيات الوهمية المحلية والخارجية التي أخذت على عاتقها المتاجرة بأحلام البسطاء والجرحى، بل وحتى الموتى الذين راحوا ضحية الألغام التي زرعتها قوات التحالف في منطقة العلمين، بمساعدة البعض من قيادات الجيش الذين خرجوا على المعاش وعرفوا كيف تدار الأمور؛ فنصبوا أنفسهم سفراء على الطبقات الفقيرة والأشد احتياجا؛ فصرنا نسمع عن منصب سفير لإزالة الألغام.

ويرجع خبير الألغام بذاكرته إلى الوراء ويقول، عانى أبناء مدينة العلمين والبدو كثيرا؛ فعند انفجار اللغم كان الأهالي يتجمعون حول المصاب ويضعوه على الإبل لينقلوه إلى الإسكندرية، وغالبا ما يلقى ربه في الطريق لبعد المسافة وكثرة النزف.
عائلة تفقد سبعة من أبنائها

ولفت الحاج دومة عفون إلى أن عائلة "مِعِيْزَق بُلْحُوق" فقدت سبعة من أبنائها دفعة واحدة إثر انفجار لغم، مشيرا إلى أنه رغم ذلك لم تتقدم الدولة أو أجهزتها بكفالة الأرامل أو الأطفال الذين فقدوا ذويهم.
واكفتت الدولة فقط بالاحتفال مع قوات التحالف ودول الكومنولث كل عام في بانوراما الحرب العالمية الثانية بمنطقة العلمين، بينما الأهالي يتوجعون ويئنون من كثرة الإصابات والقتلى الذين سقطوا.

وألمح خبير الألغام إلى أن الحكومة الألمانية اكتفت بالتبرع فقط بـ110 أجهزة للكشف عن الألغام، وعشرات الأجهزة التعويضية التي لم تتلاءم مع الطبيعة الصحراوية القاسية؛ مما أدى لإتلاف الأجهزة التعويضية.
100عام .. أسرار عسكرية

وأوضح الشيخ دومة عفون أن الإنجليز وقوات التحالف ما زالوا يرفضون الإفراج عن الخرائط العسكرية لزرع الألغام إلا بعد مرور 100عام على زرعها؛ باعتبارمنطقة العلمين من ضمن الأسرار العسكرية لقوات التحالف.
ولفت خبير الكشف عن الألغام إلى أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة تنص صراحة على تعويض الدول المتضررة من مخلفات الحروب، ولم يتم تفعيل أي قرار في مصر.
مطالب مشروعة

وطالب الحاج دومة عفون، بأن تتبنى هذه القضية مؤسسات حكومية رسمية، وأن توقف الجمعيات والمنظمات الوهمية التي سرقت أبناء مطروح وتاجرت بدمائهم خلال أكثر من 72عاما، مدعومة بجهود الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي كان يولي الاهتمام الأكبر لإرضاء رجال الأعمال والفنانين والرياضيين على حساب أصحاب القضايا الحقيقيين، منوها بأنهم لا يدرون إذا كان هذا عن قصد، أم عن اتفاقيات، أم عن عمالة؟!

وشدد خبير كشف الألغام على أن المركزية أضاعت على الدولة فرص استثمار كبيرة لا تقدر بثمن؛ فتم تخصيص الساحل الشمالي لحفنة من رجال الأعمال يستغلونها صيفا في أيام معدودة من أشهر الصيف، بينما تظل المدن بكاملها مرتعا للأشباح بقية الأشهر.

وأوضح الشيخ دومة عفون أنه كان من الممكن أن تصل مصر لحد الاكتفاء الذاتي من القمح إذا تم استغلال الساحل الشمالي وصحراء العلمين؛ عن طريق زراعتها بالقمح، كما كانت مصر في السابق أيام الرومان وفي عهد سيدنا يوسف الذي قال لفرعون: " اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ " (يوسف: 55).

وتابع، ولا بد أن تخاطب مصر "دول الحلفاء" خطابا مباشرا دون انتظار الهيئات الرسمية؛ حتى تأتينا بحقوقنا، ونحن بإمكاننا الضغط عليها من خلال مصالحها مع مصر إضافة لإعادة توزيع الثروة والأراضي على الأهالي والشباب بمعدل 5 أفدنة على كل أسرة أو شاب متخرج حتى نحد من معدل البطالة الذي انتشر بين أبناء العلمين ومطروح.
المحافظة المنسية
ولفت خبير كشف الألغام إلى أن الأنظمة المتعاقبة أهملت محافظة تعداد سكانها يتخطى حاجز الـ"500 ألف" نسمة، وتشتهر بخامات الثروة المعدنية والمحجرية والطفلة والملح والمياه الجوفية، إضافة لظهور العديد من آبار البترول في صحرائها، بخلاف الشريط الساحلي الذي يطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ويقطنها عدة قبائل من بينها أولاد علي الأبيض والأحمر والقطعان والسننة.
فقد ظلت تعاني من التهميش والحرمان على مدارعشرات السنين؛ حيث لا يوجد في المحافظة بأكملها سوى مصنع واحد فقط مخصص لتصنيع بسكويت المدارس.
آلاف الجرحى والموتى
وخلال جولتنا في صحراء العلمين التقينا بأحد المصابين وهو الحاج حرويس مدورد حسن الشافعي، الذي فقد عينه اليسرى منذ أكثر من نصف قرن، إضافة إلى 70 نعجة من الماشية، ويروي كنت أرعى الأغنام وأثناء الرعي جمعت بعض الأخشاب لإعداد كوب من الشاي؛ إلا أنني فوجئت بانفجار أدى إلى نفوق أكثر من 70 نعجة من الماشية التي كنت أمتلكها في ذلك الوقت، حيث تطايرت الشظايا التي أصابت أنحاء جسدي وفقدت إثرها عيني اليسرى.
الإهمال والفقر

أما عمدة العلمين الحاج ياسين العقاري، فأكد أن منطقة العلمين ظلت تعاني من الفقر والإهمال لعشرات السنين، وعجزت الدولة عن حل مشاكلها؛ مما يؤكد أن الدولة لاعب أساسي في القضية التي نحن بصددها.

وكشف العقاري عن أن النظام السابق استبعد أهالي مطروح والعلمين من الوصول لأية مناصب، بل ومن الالتحاق بأية وظيفة حكومية متميزة كالقضاء والشرطة والحربية وكذا البترول والكهرباء؛ في إشارة واضحة إلى التعامل مع أبناء البدو على الشريط الحدودي وكأننا مواطنون من "الدرجة الثانية أو الثالثة"، رغم حمايتنا لحدود وطننا مصر الذي نعتز بالانتماء إليه، ونشرف أننا نعيش على أرضه.
ولفت عمدة العلمين إلى أنه يوجد في "إسرائيل" ما يقرب من 5000 شاب مصري متزوج من إسرائليات، ولا يوجد شاب واحد من مطروح بينهم على الإطلاق.

نظرة لمصابي الألغام يا عالم!

واستطرد الحاج ياسين العقاري حديثه مع "الفتح" بقوله: "نظرة لمصابي الألغام في منطقة العلمين ياعالم".
فليس من المعقول أن تترك الحكومة منطقة لا تقل عن ثلاثة ملايين فدان دون تطهيرها من الألغام لأكثر من 72عاما، وتكتفي فقط بالاحتفال مع دول الكومنولث وكأننا انتهينا من تطهير آثار الحرب العالمية التي منعت مصر من الاستفادة بمساحات شاسعة تمتد من الساحل الشمالي حتى السودان، بما لا يقل عن 1500كم مربع، بحجم قد يزيد على مساحة مجموعة من الدول العربية مجتمعة.

وتابع عمدة العلمين، الحلفاء فطنوا لأهمية المنطقة الاستراتيجية فزرعوها بألغام من شتى الأنواع وعلى مساحات مجزأة؛ حيث أطلق الحلفاءعلى منطقة العلمين "عنق الزجاجة" لسد الطريق على تقدم القوات ودخولها في مصيدة الألغام لتفترس الجنود واحدا تلو الآخر.
ولفت الحاج ياسين، إلى أن القوات المسلحة تمكنت من تطهير15% فقط من بحر الألغام بمنطقة العلمين، التي ابتدأها عام 1982 حتى الآن.
وأشار، إلى أن منطقة الألغام تمتد من الساحل الشمالي للبحر الأبيض المتوسط من العلمين جنوبا حتى منخفض القطارة بمسافة 80 كم مربع، ومن مخفض القطارة حتى البحر تم تطهير 20كم مربع.

ولفت عمدة العلمين إلى أن التهميش هو الشيء الواضح في المحافظة برمتها، والصراع على أشده بين رجال الأعمال للفوز بأكبر غنيمة ممكنة من الأراضي الساحلية دون النظر لأبناء مطروح؛ وهو الأمر الذي سيلقي بظلاله على المحافظة المهمشىة ليزيدها فقرا على فقرها.
مشددا على أن الأهالي لا يمتلكون حتى منازلهم أو أراضيهم التي تنتزع منهم انتزاعا؛ حيث إن القانون لم يعطِ حتى الآن حق التملك لأبناء العلمين أو مطروح لأراضيهم؛ وهو ما يهدد استقرار المجتمع المطروحي.

وتابع، رجال الأعمال لهم علاقات مع الجهات المختصة سواء في المحافظة أو الحكومة؛ حيث تم مؤخرا انتزاع ملكية ما يقرب من 300 فدان لصالح أحد أكبر رجال الأعمال"ع - ج"؛ فما كان من المحافظة سوى صرف تعويض 1000جنيه عن كل فدان تم انتزاعه.
وطالب الحاج ياسين بالاستقرار والتنمية في منطقة الصحراء الغربية، محذرا من حدوث مجاعة كبرى في المنطقة برمتها!

وأضاف عمدة العلمين، أن أبناء مطروح يقدسون الوطن ويحترمون الصغير ويوقرون الكبير، ويعملون لصالح الدين والوطن، ويرفضون توجيه أية اتهامات لهم، مشددا في الوقت ذاته على خطر البطالة الذي قد يؤدي إلى نتائج غير حميدة.
العجز الحكومي

من جانبه، أكد اللواء عبد العال صقر الخبير العسكري والاستراتيجي، أنه كالعادة يوجد عجز حكومي واضح ظل لسنوات كبيرة، ونحن نبحث عن منقذ ليخلصنا من خطورة الألغام التي طال انتظارها؛ حتى صارت القرارات غير جدية في أهم الموضوعات مصيرية، ويتم تركها معلقة في الهواء بمنتهى الإهمال والسلبية، والعلمين خير دليل على سوء التصرف والإهمال.

وتابع "صقر" تصريحاته لـ"الفتح"، الحلفاء زرعوا في مصر وحدها ما يقرب من 25مليون لغم وقذيفة مدفعية وقنابل طائرات لم تنفجر حتى يومنا هذا، متعددة الأغراض ما بين المخصص لاستهداف الأشخاص، أو المركبات، أو الدبابات.
وأشار إلى أن قوات التحالف بقيادة الزعيم مونتجمري، وقوات المحور بقيادة الزعيم النازي "إدولف هتلر، وروميل"، قد أغرقوا منطقة العلمين بالألغام أثناء حربهم مع بعضهم البعض.
واليوم وبعد مضي أكثر من 70 عاما، وبفعل عوامل التعرية والرمال؛ أصبحت منطقة الصحراء الغربية منطقة موبوءة بالألغام.

وأوضح الخبير العسكري والاستراتيجي أن مساحة المنطقة الملغومة تتعدى 3000كم مربع، بشريط عرضي يقترب من الـ30كم مربع من العلمين حتى هضاب السلوم على حدود ليبيا، في منطقة تعرف لدى الأهالي بـ"عنق الزجاجة"، وتشكل حوالي 22% من مساحة مصر الكلية بحسب تقارير وزارة التعاون الدولي، ويعيش بها ما يقرب من 100ألف بدوي ينحدرون من قبائل متعددة، أبرزهم قبائل أولاد علي الذي سقط من بينهم ما يقرب من 9000شخص.
خارطة التطهير

وطالب صقر، بخارطة تطهير للصحراء الغربية تشمل عدة محاور من بينها، أن تتكاتف جميع دول العالم في إمكانية نزع الألغام على مستوى العالم؛ من خلال تقسيم المناطق الأشد خطورة بحسب الكميات الهائلة التي تم زرعها، حيث تأتي الصحراء الغربية في المقدمة.
وينبغي على الحكومة استغلال احتفالات دول الكومنولث في منطقة العلمين كل عام في الترويج لنزع الألغام من الصحراء الغربية، خاصة أن إمكانيات مصر المادية محدودة ولا تساعدها في تحمل مثل هذه النفقات الباهظة التي كبدت الدولة ما لا يقل ثلاثة مليارات دولار خلال الفترة ما بين عام 2000حتى 2006.
وأن تتعامل الحكومة مع الألغام مثلما تعاملت مع موضوع التنقيب عن البترول، من خلال عمل مناقصة عالمية لاستقدام شركات خاصة عالمية متخصصة في عمليات التطهير وبجدول زمني؛ حيث يعطي لنا الحق في مطالبة كل من ألمانيا وإيطاليا وإنجلترا بالكشف عن الألغام وأخذ الخرائط الخاصة بذلك؛ حيث لا يمثل ذلك أسرارا عسكرية كما يقال ويروج من قبل الإنجليز أو الألمان.

وتابع "صقر"، ينبغي على الدولة أن تتعامل مع ملف الألغام على أنها قضية محورية تسببت فيها جيوش خارجية ، وعليها ألا تتباطؤ في المطالبة بالتعويضات حتى وإن لم يكن لنا الحق، لكن ينبغي علينا طلب المساعدة الدولية.
بدوره أكد ا لدكتور طلعت مرزوق مساعد رئيس حزب النورللشئون القانونية أن القانون الدولي يُرتب التزامات علي الدول التي شاركت في الحرب العالمية ، كما أن هناك التزام أخلاقي أيضاً .

والحكومات المصرية المتتالية لم تقم بدورها في هذا المجال على الوجه الأكمل . كما أن بعض الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني استغلت هذه القضية لتحقيق أهداف ومكاسب شخصية . و
وطالب مرزوق نواب المحتملين لمحافظة مطروح أن يطرحوا خطورة هذه القضية على النواب القادم
نقص الموارد

من جانبه أكد السفير فتحي الشاذلي رئيس الأمانة العامة لإزالة الألغام بوزارة التعاون الدولي في تصريحات صحفية، أن ملف إزالة الألغام فى النظام السابق واجه مشكلة الموارد ولم يحتل الملف مرتبة متقدمة ضمن أولويات الدولة، التى كان لديها ثقافة سائدة، مفادها أن الدول التى شاركت فى الحروب هى المسؤولة عن تطهير هذه المنطقة مما أخر عمليات التطهير والتنمية لسنوات طويلة، دون جدوى، وأنا لا أعتبره تخاذلاً ولكنه كان عدم وعى بالقضية، حيث إن هناك ثقافة سائدة لم تعط الأهمية لهذه المنطقة الصحراوية التى تمثل محور تنمية للساحل الشمالى الغربى، والتى شهدت على مدار تاريخها سقوط مئات القتلى والمصابين من أهالى البدو، كما أنه لم تكن هناك جهة واحدة مسؤولة عن هذا الملف قبل عام 2006.

ولفت الشاذلي، أن الدول الكبرى التى شاركت فى الحرب العالمية الثانية ترفض تحمل أى مسؤولية قانونية فى هذا الملف، وتعتبر أن مسؤوليتها أخلاقية فقط، خصوصاً أن مسرح عمليات الحرب العالمية الثانية كان يشمل معظم دول العالم، وتحملها للمسؤولية القانونية يعرضها للمساءلة فيما يخص ضحايا الألغام من المصريين ولذلك فهى تنفى فى جميع المحافل الدولية أى مسؤولية قانونية.

المنطقة يوجد بها رفات جنود يزيد عددهم على 20 ألف جندى، وهناك احتفالية سنوية تتم بالمنطقة لتأبينهم، وقد تقدم مستثمرون إيطاليون بمشروع سياحى للحكومة فى النظام السابق، لإقامة بانوراما لمعركة العلمين، بين دول المحور والحلفاء، أسوة بـبانوراما حرب أكتوبر، بحيث يتم تهيئة المنطقة وإظهار المواقع الحربية والتدشينات العسكرية وإقامة مجسمات صناعية تبين سير المعركة من البداية إلى النهاية، بحيث يقوم السائح برحلة متكاملة من الساحل الشمالى إلى منخفض القطارة، وتصبح هذه المنطقة مزاراً سياحياً عالمياً يتضمن فنادق ومنشات سياحية ويمكن وقتها استغلال القرى السياحية بالساحل الشمالى على مدار العام بدلاً من استغلالها فى موسم الصيف فقط، ولكن للأسف المشروع لم ير النور.

وتبقى الأسئلة قائمة
من وراء تعطيل ووقف نزع ألغام مخلفات الحرب العالمية الثانية، ولماذا تأخرت الدولة حتى هذه اللحظة، ومن يتحمل التأخير ، وأين حقوق الأجيال التي ذهبت فقدت أعضائها ودفعت أرواحها لخطأ لم تقترفه أيديهم إنها الأطماع والإهمال!!

في النهاية كان لابد أن نتقدم لكل من ساعدنا خلال رحلة "الفتح" لمنطقة العلمين والساحل الشمالي- الشيخ حسن الهواري، والشيخ منصور العقاري وكلا من فيصل أبو العقاري وفتح الله قدوره الحميدي ومصطفى بشير محمد الذين ناشدوا كافة الجهات المسئولة بالإسراع في نزع الألغام التي حصدت أرواح آبائهم وأجدادهم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى تاريخه!!؟.

نائب مجلس الشعب منصور أبو العقاري يتحدث للفتح مع خبير الالغام الحاج دومة العفاني

ما زال أهالي منطقة العلمين يشتغلون بممهنة رعي الأغنام - وفي الصورة رجلا مسنًا فقد إحدى قدميه

الحاج حرويس الشافعي يروي للفتح تفاصيل فقد إحدى عينيه

مساحات شاسعة مليئة بالألغام "3ملايين فدان- أكثر من 18مليون لغم

حقول الألغام على جانبي الطريق في مدينة العلمين

الشيخ حسن الهواري رفيق الرحلة

الفتح تحاور أهالي العلمين في مناطق الألغام


مركز شباب العلمين


المدق الترابي يتوسط المناطق التي تم تطهيرها من الألغام

آثار الألغام تبدو واضحة على أحد مواطني مطروح

قادة الحرب العالمية الثانية

مصر دفعت ثمنًا هائلا للحرب العالمية

طائرات قوات التحالف تجوب سماء مصر

أحد المصابين من الألغام

الشيخ عبد الباري والشاب فيصل العقاري يرون تفاصيل ضحايا أهل العلمين من الألغام