الاشاعة خطرها وعلاجها

  • 161
الاشاعة - صورة أرشيفية

(ياأيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )، قال الشيخ السعدى رحمه الله: "هذا من الآداب التى على أولى الالباب التأدب بها واستعمالها وهو أنه اذا اخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا فى خبره، ولا يأخذوه مجردا فأن فى ذلك خطرا كبيرا ووقوعا فى الاثم، فأن خبره إذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل حكم بموجب ذلك ومقتضاه فحصل من تلف النفوس والأموال بغير حق بسبب ذلك الخبر ما يكون سببا للندامة بل الواجب عند خبر الفاسق التثبت والتبين فأن دلت الدلائل والقرائن على صدقه عمل به وصدق وأن دلت على كذبه كذب ولم يعمل به.

فبين الحين والاخر نسمع عن أْشاعات تبث وتنشر وأكاذيب تبعث وترسل هذة الاشاعات التى لها خطرعظيم وشر كبير فكم دمرت من مجتمعات وهدمت من أسر وفرقت بين أحبة، وكم أهدرت من أموال وضيعت من أوقات، كم أحزنت من قلوب وأولعت من افئدة وأورثت من حسرة، وإذا أردت أن تعلم عظيم شرها، فانظر فى حادثة الافك كيف أن النبى، صلى الله عليه وسلم، مكث شهرا كاملا وهو مهموم محزون لا وحى ينزل يبين له حقيقة الأمر ولا يعرف عن أهل بيته إلا الطهر والعفاف، ولقد فتن كثير من المسلمين بنشر هذه الاشاعات وترديدها دون نظر فى النتائج ودون النظر فى الشرور الناتجة عنها.

لقد عالج الاسلام قضية الاشاعة عن طريق ثلاث نقاط

1- التثبت

2- تبيين أن الناقل للاشاعة من الفاسقين

3- التفكر فى عواقب الاشاعه

وقبل البدء فى تفصيل هذه النقاط لا بد من التنبيه على أمر مهم جدا وهو أن الله، سبحانه وتعالى، جعل العلاج لقضية الاشاعه من خلال الناقلين لها من المؤمنين أنفسهم دون التركيز على مصدر الاشاعة، وذلك لأن مصدر الاشاعه قد يكون من أهل النفاق أو من الكفار أو من الاعداء وهؤلاء لا حيلة معهم، فإن من دأبهم نشر الاشاعه لإضعاف المسلمين، نعم قد ورد تحذير المسلمين أن يكذبوا الكذبة ثم يبثوها، كما فى حديث سمرة عند البخارى لكن هذه الاشاعات ما كان لها أن تنتشر لو قابلها المؤمنون بالمنهج الرباني لتلقي الأخبار والاشاعات واليك التفصيل أولا :التثبت قال تعالي (يا ايها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) وفي قراءة اخري (فتثبتوا) فأمر الله تعالي بالتبين والتثبت، لأنه لا يحل للمسلم أن يبث خبرا دون أن يكون متأكدا من صحته والتثبت له طرق

1 إرجاع الأمر إلى أهل الاختصاص: يقول تعالي (واذا جاءهم امر من الامن او الخوف اذاعوا به ولو ردوه الي الرسول والي اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) قال الشيخ السعدي: ( هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق وانه ينبغي لهم اذا جاءهم امر من الامور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالامن وسرور المؤمنين او بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر بل يردونه إلى الرسول (سنته) وإلى أولي الأمر منهم (أهل الرأي والعلم والعقل والنصح والرزانة) الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها فأن رأوا في اذاعته مصلحة أو نشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من اعدائهم فعلوا ذلك فأن رأوا أنه ليس من المصلحة أو فيه مصلحة، ولكن مضرته تزيد علي مصلحته لم يذيعوه"، فكم من الاشاعة كان من الإمكان تلافي شرها بسؤال أهل الاختصاص.

2- التفكر في محتوي الاشاعة: إن كثيرا من المسلمين لا يفكر في مضمون الاشاعة الذي قد يحمل في طياته كذب تلك الاشاعة بل تراه يستسلم لها وينقاد لها وكأنها من المسلمات ولو اعطينا انفسنا ولو لحظات في التفكر في تلك الاشاعات لما انتشرت اشاعة ابدا، وقد بين الله حال المؤمنين الذين تكلموا في حادثة الافك فقال سبحانه (اذ تلقونه بالسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) انظر أخى فى الله اذ تلقونه بألسنتكم أنه من البديهى أن الانسان يتلقى الاخبار بسمعه لا بلسانه، ولكن أولئك النفر من الصحابة لم يستعملواالتفكير ولم يمروا ذلك الخبر على عقولهم ليتدبروا فيه، بل قال الله عنهم إنهم يتلقون حادثة الافك بألسنتهم ثم يتكلمون بأفواههم من شدة سرعتهم فى نقل الخبر وعدم التفكر فيه لو تفكر الصحابة قليلا لوجدوا انه من امحل المحال ان يكون فى فراش اطهر الخلق شىء يعيبه كيف يمكن ان تتهم زوجة افضل البشر (الذى اصطفاه الله )بتهمة الفاحشة؟، إن هذا لا يعقل ابدا.

ثانيا: الناقل للاشاعة من الفاسقين في آية الحجرات يقول تعالي (يا ايها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ) فجعل الله من نقل الخبر دون تثبت من الفاسقين فمجرد نقل الاخبار دون التأكد من صحتها موجب للفسق، وذلك لأن هذه الاخبارليس كلها صحيح بل فيها الصحيح والكذب فكأن من نقل كل خبر وإشاعة دخل في نقل الكذب لذا جعله الله من الفاسقين، وقد صرح النبي صلي الله عليه وسلم بذلك فقال كما في صحيح مسلم ( كفي بالمرء كذبا ان يحدث بكل ما سمع)، فالمؤمن لا بد له من الحذر في أن يكون عند الله من الفاسقين ( الكاذبين) كفي والله بذلك كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب فالعاقل يعلم أنه ليس كل ما يسمع يقال ولا كل ما يعلم يصلح للاشاعة والنشر، وأضيف ( ليس كل ما يقال يقال في كل مكان ولا يقال لاي أحد ولا يقال في كل زمان ) وهذا من نفيس كلام الشيخ الدكتور محمد اسماعيل المقدم، حفظه الله: "وبركة العلم أن تنسبه إلى أهله بل قد يكون الخبر صحيحا ولكن لا مصلحة في نشره أبدا كما مر معنا في كلام الشيخ عبد الرحمه السعدي رحمه الله تعالى.

ثالثا: التفكر فى عواقب الاشاعه وعودة مرة ثالثة إلى الآية الكريمة قال سبحانه وتعالى (أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) هلآ تفكرت فى نتائج الاشاعة وهل تدبرت فى عواقبها اعلم اخى ان كل خسارة وكل هم وغم أصاب أخاك المسلم، وكل أموال أهدرت بسبب إشاعتك التى نشرتها أو ساعدت في نشرها، فلك نصيب من الاثم فيها (فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )، ويظهر الندم فى الدنيا لمن تفكر فى عاقبة نشر الاشاعة ويظهر فى الاخرة للغافلين عندما يجدون الجبال من السيئات كتبت عليهم (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ).