"مونترو".. تركيا بين الحياد أو الدخول في الصراع الروسي الأوكراني

  • 148
صورة أرشيفية معبرة

يبدو أن الحرب الروسية الأوكرانية ستلقي بظلالها على العديد من المناطق، ولن تستطيع الكثير من الدول الوقوف على الحياد أو مجرد الاكتفاء بالمشاهدة دون أن يكون لها دور فاعل في الأحداث؛ فها هي تركيا التي لم تتدخل حتى الآن يدور الحديث حول إمكانية تفعيلها اتفاقية المضائق "مونترو" الخاصة بالمرور البحري عبر مضيقي البوسفور والدردنيل التركيَّين إلى البحر الأسود.. فما هي "مونترو"؟

"مونترو"

هي اتفاقية وُقِّعت عام 1936م في قصر "مونترو" بمدينة "مونترو" السويسرية، شارك فيها عدد من الدول كالاتحاد السوفيتي وتركيا وبريطانيا وفرنسا واليونان وبلغاريا ورومانيا ويوغوسلافيا واليابان وأستراليا؛ بهدف تنظيم حركة المرور عبر المضائق التركية.

ومن خلال تلك الاتفاقية استعادت أنقرة سيادتها الكاملة على مضيقي الدردنيل والبوسفور اللذين يربطان البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأسود، ويمكنها كذلك منْع مرور السفن الحربية في أوقات الحرب أو إذا تعرضت تركيا للتهديد، وكذلك تسمح الاتفاقية بحرية مرور السفن التجارية في أوقات السلم والحرب؛ وهذا يحولها  إلى لاعب أساسي في الحرب الدائرة حاليًّا بين موسكو وكييف.

ومن أبرز بنود اتفاقية "مونترو": أنه أثناء الحرب ستعبر السفن التجارية للدول التي لا تحارب تركيا، بصرف النظر عن الحمولة، دون أية عوائق، لكن من حق أنقرة منع السفن التجارية للدول التي تعاديها وتحاربها من العبور. وإذا حدثت حرب بين دولتين؛ فستسمح تركيا بمرور سفنهما التجارية لكن بشرط عدم نقل مستلزمات عسكرية. ويمكن لأنقرة أيضًا فرض إجراءات معينة على عبور السفن التجارية الخاصة بالدول الأخرى -غير المنتمية لدول البحر الأسود وهي: (أوكرانيا، وروسيا، وجورجيا، وتركيا، وبلغاريا ،ورومانيا)- عند شعورها بأي تهديد أمني.

موقف حرج

تطل تركيا على البحر الأسود، وقد حباها الله -تعالى- موقعًا فريدًا مكَّنها من التحكم في اثنين من أضيق وأهم الممرات البحرية على مستوى العالم هما (البسفور والدردنيل)، اللذان يعدان المخرج الوحيد للسفن الروسية والأوكرانية من البحر الأسود المغلق، والمضيقان بمثابة بوابة موسكو الوحيدة للعبور من البحر الأسود إلى البحر الأبيض المتوسط عبر بحر إيجة؛ لذلك فإن غلقهما معناه إعلان حرب على روسيا.

وقد وقعت تركيا في مأزق كبير الآن بسبب مطالبة الرئيس الأوكراني لها بعدم السماح بالسفن الحربية الروسية بالمرور من خلال مضيقي البوسفور والدردنيل؛ فهي حائرة ما بين تطبيق تلك الاتفاقية وتحمُّل عواقب ذلك من الصدام مع روسيا، وعلى سبيل المثال غضبها ومطالبتها بإلغاء المعاهدة أو تعديلها؛ وهذا ليس في صالح تركيا، إضافة إلى أن بوتين يمكنه منع الوقود عنها تمامًا؛ فهي تعتمد على غاز موسكو بنسبة تفوق 40% من احتياجاتها، وسيكون لذلك تأثير قوي على الاقتصاد التركي الذي يعاني بطبيعته في الوقت الحالي، ولا يجب أن ننسى توتر علاقاتها مع روسيا بسبب تباين موقفهما من دمشق، وغضب بوتين منها بسبب استمرار بيعها الطائرات القتالية بدون طيار لكييف.

أو السماح للسفن الحربية الروسية بالعبور وتحمُّل تبعات ذلك في مواجهة حلف "الناتو" الذي تسعى منذ فترة للانضمام إليه، لا سيما أنها تعد أكبر مستثمر في أوكرانيا، خصوصًا في ضوء اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين أنقرة وكييف بقيمة 10 مليارات دولار. علاوة على رفض تركيا الانضمام إلى أمريكا والاتحاد الأوروبي حينما فرضوا عقوبات على موسكو في عام 2014م عقب ضمها شبه جزيرة القرم.

ورغم ذلك يجب أن نضع في اعتبارنا إمكانية اعتراض مجلس الأمن الدولي على قرارات أنقرة الخاصة بتحكمها في المضيقين البحريَّين، ويمكن اعتبار قراراتها غير مبررة إذا صوتت الدول الأعضاء في "مونترو" بالأغلبية ضدها، إضافة إلى أهمية موافقة معظم أطراف "مونترو" على تلك القرارات؛ وبذلك سيتعين على تركيا تقديم تصورات مبرَّرة لها عن حالة المضائق البحرية في ضوء الأحداث الدائرة.