تصاعد المخاوف من تأثير الحرب الأوكرانية على الاتفاق النووي الإيراني

  • 54
صورة أرشيفية معبرة

كانت هناك مخاوف دولية منذ بداية الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا من تطورات تلك العملية، لاسيما في ظل تصاعد الخلاف بين روسيا والغرب؛ بما قد يؤثر سلبًا على الملف النووي الإيراني والمفاوضات حول إحياء الاتفاق النووي، ومع مرور الأيام تأكدت المخاوف وألقت انعكاسات تلك الحرب بظلالها على الأمن الإقليمي في المنطقة العربية وملف التفاوض النووي بين طهران والغرب، واتضحت هذه الانعكاسات فى أمرين: موقف موسكو من مباحثات فيينا بين إيران والدول الغربية، وعقد قمة النقب بين الكيان المحتل وبعض الدول العربية والخليجية.

مباحثات فيينا

مع اقتراب الاتفاق على العديد من القضايا الخلافية بين إيران والغرب بقيادة أمريكا، طالبت روسيا عبر وزير خارجيتها "سيرجي لافروف" بضمانات مكتوبة من الولايات المتحدة الأمريكية بأن العقوبات المفروضة عليها بسبب هجومها العسكري على أوكرانيا لن تطال نظام العلاقات التجارية الاقتصادية والاستثمارية المنصوص عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة. وردت وزارة الخارجية الأمريكية على ذلك بأن العقوبات الجديدة المفروضة على موسكو غير مرتبطة بالاتفاق النووي مع طهران، وليس المقصود منها التأثير في تنفيذه. وأكدت أن العقوبات الجديدة المفروضة على موسكو بسبب حربها على كييف ليس لها علاقة بخطة العمل الشاملة المشتركة، وكذلك لا يجب أن يكون لها أي تأثير في تنفيذها.

تفاجأت إيران من موقف روسيا؛ لأن موسكو تدعمها في المباحثات الجارية، ورغم علاقة اللاصداقة واللاعداوة بين روسيا وإيران فإن موسكو محور رئيس فى سياسة طهران القائمة على الاتجاه ناحية الشرق؛ لذلك كان الموقف الروسي صادمًا بالنسبة لإيران، وهو الموقف الذي ربما يعرقل الخطوات الأخيرة لإحياء الاتفاق بعد مباحثات استمرت لمدة 11 شهرًا تقريبًا. وبدورها تعاملت طهران بحرص وحذر حتى لا تخسر موسكو، معتبرة أنها تسعى لتأمين مصالحها وأن هذا الموقف ليس جيدًا بخصوص محادثات فيينا.

وما زال موقف روسيا من خطة العمل الشاملة المشتركة غير واضح رغم المزاعم المثارة بوجود تقدم في خلافها مع واشنطن؛ فقد قال "سيرجي لافروف" في منتصف شهر مارس الماضي: إنه تلقى تعهدًا مكتوبًا من أمريكا بأن العقوبات المفروضة على بلاده بسبب هجومها العسكري على أوكرانيا لن تؤثر في تجارتها مع إيران، لكن في الوقت ذاته حذرت الخارجية الأمريكية من عدم السماح لروسيا باستخدام الاتفاق كمخرج للتهرب من العقوبات المفروضة عليها بسبب حرب أوكرانيا، وأكدت عدم معاقبة روسيا إذا شاركت في مشروعات نووية داخل إيران بموجب الاتفاق النووي الذي سيتم معها.

قمة النقب

الكيان المحتل لم يخفِ استيائه من مضمون الاتفاق النووي الذي يُعد له في فيينا، وكثيرًا ما حاول التأثير فيه؛ لأن إحياء هذا الاتفاق سيكون أسوأ من سابقه؛ حيث يرى الكيان الصهيوني أنه أقصر وأضعف ويقيد النشاط النووي الإيراني لمدة عامين ونصف فقط؛ فبعد هذه الفترة يمكن لطهران تركيب أجهزة طرد مركزي متطورة دون قيود. وقد نجح الكيان الغاصب فى تنظيم قمة النقب الإقليمية التي شارك فيها وزير خارجيته وزراء خارجية مصر والإمارات والبحرين وأمريكا؛ وهو ما اعتُبر نوعًا من التحالف الإقليمي المناهض لإيران وسياستها في المنطقة، وكذلك سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المنطقة العربية.

لقد عكست هذه القمة توحد مصالح الأطراف الإقليمية المشاركة فيها، من خلال البحث عن آلية مشتركة لمواجهة التحديات التي تواجه مصالحهم وأمنهم القومي، وتزامن توقيتها مع قرب إحياء الاتفاق النووي مع إيران، وكذلك في ظل تصاعد حدة الأزمة الأوكرانية، وحاجة واشنطن إلى دعم حلفائها الإقليميين من دول الخليج لزيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار وتعويض نقص النفط والغاز الروسيين. لكن قمة النقب بعثت رسائل لأمريكا مفادها أن سياستها لم تلب احتياجات تلك الدول الأمنية؛ وبِناءً عليه وحدت القمة فرقاء الالمنطقة نحو الاتجاه لتحقيق مصالحهم وأمنهم القومي؛ لذا كان متوقعًا تعرض دول الخليج العربية لهجمات إرهابية من المليشيات المسلحة التي تدعمها طهران، تزامنًا مع رفضها طلبات واشنطن بزيادة إنتاجها النفطي.

آثار الحرب

تتمثل أهم انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية على النفط الروسي والإيراني؛ فالدول الأوروبية تسعى منذ بدء الحرب إلى فرض عقوبات على موسكو، وإيجاد بديل للغاز الروسي؛ وبِناءً عليه قد يحاول الغرب تسريع إتمام الاتفاق النووي مع إيران لعزلها عن روسيا وضمان استمرار تدفق النفط والغاز الإيراني إليه؛ لذلك ينبغي رفع القيود المفروضة على مبيعات النفط الإيراني باعتباره جزءًا من الاتفاق النووي؛ ومن ثَمَّ فإن إحياء الاتفاق مع طهران وعودة ضخ النفط الإيراني إلى السوق بمثابة رسالة قوية لموسكو مفادها أن اعتماد العالم على الطاقة الروسية يتضاءل مع مرور الوقت.