احتجاجات تشادية تطالب بإنهاد الوجود الفرنسي في البلاد

  • 31
صورة أرشيفية معبرة

   منذ عدة عقود وفرنسا موجودة عسكريًّا داخل تشاد بعد حصولها على الاستقلال من الاحتلال الفرنسي عام 1960م، ولاتزال الأصابع الفرنسية تعبث بمقدرات البلاد، لكن منذ أيام وتحديدًا يوم 12 من الشهر الجاري خرج التشاديون في تظاهرات كبيرة يطالبون فيها برحيل فرنسا تمامًا عن أراضيهم وخروج قواتها، وحطم المحتجون النصب التذكاري للجنود الفرنسيين، وتوعدوا بالخروج كل يوم سبت حتى انسحاب القوات الفرنسية من بلادهم.

خلفيات المطالبة بخروجهم

انسحبت القوات الفرنسية من مالي عقب احتجاجات شعبية أيضًا، وقدرت تلك القوات بنحو 2400 جندي، وذهبوا إلى مناطق مختلفة من بينها تشاد، ولفت ذلك انتباه السكان المحليين وتداولوا صورهم وأخبارهم بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل سعي باريس لإقامة قاعدة عسكرية في منطقة "وُور" الموجودة بإقليم تيبستي شمال البلاد على الحدود مع ليبيا؛ ما أجَّج مشاعر الغضب تجاه القوات الفرنسية فخرجت الاحتجاجات المطالبة برحيلها. وتنتشر القوات الفرنسية في منطقة الساحل الأفريقي بحجة محاربة الجماعات المسلحة المتطرفة، ومنطقة الساحل هي المنطقة التي تقع بين الشمال الصحراوي الأفريقي ومناطق السافانا بجنوب القارة؛ بمعنى أنها المنطقة التي تفصل بين الصحراء الكبرى شمال القارة والمناطق الخصبة في جنوبها، وتضم تشاد والنيجر ومالي وموريتانيا وبوركينا فاسو.

وتقع دولة تشاد بين السودان وليبيا والنيجر وجمهورية أفريقيا الوسطى ونيجيريا والكاميرون؛ وهذا وهبها موقعًا استراتيجيًّا مميزًا بالنسبة لفرنسا وغيرها من القوى الغربية، وحدد طبيعة مشاركتها في تلك الحرب المزعومة ضد الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الأفريقي، لتنطلق بعد ذلك من مركزها إمكانية متابعة وإدارة مصالح تلك القوى الكبرى في الدول المجاورة لها.

ورغم ذلك فإن المجلس العسكري التشادي يدعم وجود القوات الفرنسية في بلاده، وسعى لقمع تلك التظاهرات لكنه لم يُفلح حتى الآن. ومن جانبها، تتمسك فرنسا بإجراء حوار وطني في تشاد بغرض المصالحة وتأكيد دعمها جهود السلطات التشادية في هذا المسار مع بقية الشركاء الدوليين في تلك الظروف، لكن على الجانب الآخر قاد "واكيت تاما" تحالف المعارضة المناهض للمجلس العسكري الانتقالي التشادي تظاهرات تطالبة بانسحاب المجلس العسكري من الحكم، وتندد بدعم فرنسا الرئيس محمد كاكا ديبي. ويضم هذا التحالف أحزابًا سياسية وجماعات مدنية تعارض المجلس العسكري الانتقالي الذي يتولى زمام الأمور في البلاد منذ وفاة الرئيس السابق إدريس ديبي في 20 أبريل من العام الماضي.

وتتوتر علاقة فرنسا بالإطار الجغرافي المحيط بتشاد، وهي الدول التي كانت مستعمرات فرنسية فيما مضى؛ وهذا يزيد مشاعر العداء ضد الوجود الفرنسي في أفريقيا كلها، وتغذي تلك المشاعر الحركات الثورية والاجتماعية داخل الشعوب الأفريقية؛ لأن هذه الحركات ترى أن الوجود الفرنسي عبارة عن احتلال مقنَّع مهما كانت حججه ومبرراته.

أفريقيا الحالية

بعد خروج الاحتلال الفرنسي من تشاد في عام 1960م أضحى الوجود الفرنسي يتزيَّا بزيٍّ جديد ويتخفى تحت ستار محاربة الإرهاب لكنه في حقيقة الأمر يسعى للسيطرة على البلاد لاسيما مقدراتها وثرواتها. وترتبط إنجامينا بباريس من الناحية العسكرية كثيرًا؛ لأن تشاد تعد مركز القيادة المركزية لقوة "برخان" الفرنسية الموجودة في منطقة الساحل الأفريقي وغرب القارة بزعم محاربة الجماعات المتطرفة، حيث يتمركز فيها حوالي 1000 جندي، بجانب نحو 2000 طائرة مقاتلة من نوع "ميراج". وتدعم قوات "برخان" قيادة مجموعة دول الساحل الخمس، وتدعم البعثة الفرنسية شركاءها الأفارقة وتحمي المصالح الاقتصادية الفرنسية كذلك.

ومن الناحية الأمنية، ارتبطت فرنسا بتشاد كثيرًا؛ فقد ظلت إنجامينا تقدم لباريس دعمًا استخباراتيًّا كبيرًا ضمن خطط الحرب على الإرهاب في وسط وغرب أفريقيا، ومن الناحية الأخرى قدمت فرنسا لتشاد دعمًا استخباراتيًّا ولوجستيًّا ضد المتمردين بعد إعادة انتخاب الرئيس السابق "إدريس ديبي إتنو" الذي كان مرشحًا عن حزب "حركة الإنقاذ الوطنية" للمرة السادسة يوم 11 من شهر أبريل العام الماضي، وفاز بالرئاسة، لكنه قُتل أثناء صراعه مع المتمردين في شمال البلاد بعد فوزه أيام قليلة، وتوجد احتجاجات شعبية منذ مقتله. ويرجع سبب نجاح فرنسا في استمرار وجودها داخل تشاد وغيرها من الدول الأفريقية التي كانت مستعمرات فرنسية سابقًا- إلى أن هذه الدول بعد استقلالها رغم اختلاف نظم حكمها وتنوع وتعدد مواردها وثرواتها، غالبًا ما تحتاج إلى حلف عسكري قوي يساندها ويساعدها على إدارة البلاد وإمساك مقاليد الحكم جيدًا.