"الغزل والنسيج" صناعة تحتضر بفعل فاعل

  • 132
صورة أرشيفية

"الغزل والنسيج" صناعة تحتضر بفعل فاعل
رئيس شركة كوم حمادة للغزل: تحسين الظروف المحيطة بالصناعة قبل البدء في تطويرها
رئيس شركة غزل شبين: منع تصدير القطن المصري والاهتمام بزراعته ودعمه رقم واحد
خبير اقتصادي: جدولة المديونيات ودخول شركاء جدد.. ووضع استراتيجيات إدارية جديدة
أستاذة تجارة دمنهور: ربط التعليم الفني بالصناعة.. ومادة دراسية في كل فصل لربط الطالب بسوق العمل



تعد صناعة الغزل والنسيج مِن الصناعات الحيوية في الاقتصاد المصري، ورغم الميزة التنافسية التي تميزت بها هذه الصناعة في مصر طيلة قرونٍ مِن الزمان، إلا أن هذه الصناعة تعاني حالة من التدهور أدت إلى فقدان تنافسية المنتج المصري من الغزل والنسيج والملابس الجاهزة على مستوى العالم؛ أرجعها تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء لعدة أسباب، منها فقدان القطن المصري طويل التيلة تنافسيته، وظهور أنواع أخرى منافسة له في الجودة والسعر على مستوى العالم، وعدم اهتمام الحكومة بصناعة الغزل والنسيج بعد أن كانت إحدى أهم الصناعات الاستراتيجية؛ بالإضافة إلى عدم دعم صغار المنتجين مِما جعلهم عرضة للتنافسية العالمية والتقلبات الاقتصادية.
ونظرًا للتدهور الذي شهِدته هذه الصناعة فقد لوحظ خلال الأعوام القليلة السابقة معاناة أصحاب الأعمال في هذه الصناعة ليس فقط من إيجاد العمالة المدربة والماهرة، بل أيضًا مِن الحصول على العمالة مِن الشباب بمختلف المهارات والخبرات؛ حيث رصد التقرير الصادر عن المركز انخفاض العرض من العمالة المصرية للعمل بالصناعة، الذي يرجع إلى عدم إقبال الشباب المصري خاصة الفني منه على العمل بصناعة الغزل والنسيج؛ وهو ما يسترعي الانتباه، خاصة في ظل معاناة الشباب المصري مِن معدلات بطالة مرتفعة.
ومن جانبها، طرحت "الفتح" المشكلة على الخبراء وعدد من رؤساء الشركات العاملة فى القطاع للتعرف على الحلول التى يرونها مناسبة وتسهم فى إسعاف "الصناعة" التى قاربت على الاحتضار.
بداية، قال المهندس يسرى نصر، رئيس شركة كوم حمادة للغزل، المعوقات التى تواجه صناعة النسيج فى مصر تتمثل فى عدم وجود مادة خام بسعر تنافسى، إضافة إلى اضطراب السوق، والمشكلة الأكبر هى عملية تهريب الغزول.
وأكد "نصر" أن التفكير فى تطوير الصناعة يتطلب تطوير وتحسين الظروف المحيطة بالصناعة قبل البدء فى ضخ استثمارات جديدة بها، بمعنى أن تكون هناك خامة موجودة ومتوفرة هى القطن، ويفضل أن يكون القطن مصرى أو يمكن تعويضه باستيراد القطن لأنه أساس الصناعة، وتمثل تكلفته 70 % من التكلفة الإجمالية للمنتج النهائى.
وأشار إلى أن الاهتمام بفتح أسواق جديدة للصناعة هو أحد عوامل تطويرها والارتقاء بها، وذلك لن يتم إلا من خلال توفير المنتج بأسعار تنافسية بالمقارنة مع الغزول التى يتم استيرادها من الخارج، سواء من باكستان أو تركيا أو دول جنوب شرق آسيا.
وشدد رئيس شركة كوم حمادة للغزل على أن المشكلة الكبرى التى تواجه صناعة النسيج فى مصر هى عمليات تهريب الغزول بالجمارك، التى تساهم فى زيادة الفجوة التنافسية بين المنتج المصرى والمنتج المستورد بسبب ارتفاع تكلفة المنتج المحلى.
وطالب "نصر" بالضرب بيد من حديد على مافيا التهريب خاصة من المنافذ البحرية والبرية لمصر، وأن تشدد العقوبة على من يتم القبض عليه؛ لأن ذلك بمثابة اعتداء على جميع المواطنين وليس اعتداء على فرد بعينه، وذلك عن طريق مصادرة البضائع المضبوطة، وفرض غرامة تعادل قيمة الجمارك المستحقة على البضاعة المهربة.
وأوضح "نصر" أن ارتفاع أسعار الكهرباء فى الفترة الأخيرة بالتزامن مع انقطاعها المتكرر أصبح أحد الأسباب الرئيسية فى وقف نمو الصناعة؛ حيث تساهم فى رفع التكلفة.
أما المهندس شوقى الصياد، رئيس شركة غزل شبين، فأكد أن صناعة الغزل والنسيج فى مصر تم تدميرها بفعل فاعل لأصحاب مصالح شخصية، وبدأت في الانهيار مع صدور قانون تحرير تجارة القطن وقانون الخصخصة الذى سبقه بسنوات فى فترة التسعينات من القرن الماضى.
وطالب "الصياد" بمنع تصدير القطن الخام لأي سبب من الأسباب، والاهتمام بالزراعة ودعم الزارع (للقطن) وليس التاجر، بهدف خفض أسعار القطن؛ لافتًا إلى أن قرار المهندس إبراهيم محلب برفع دعم المغازل لـ 350 جنيها لقنطار القطن الهدف منه الاعتماد على المنتج المحلى الذى سيساهم بشكل كبير فى تطوير الصناعة.
وأوضح رئيس شركة غزل شبين أن مصر كانت رائدة فى زراعة القطن طويل التيلة حتى بداية (ثمانينات) القرن الماضي، لكن تم إهمال زراعة القطن، وما يتم زراعته الآن يتم تصديره خاما لمعظم الدول الأوروبية خاصة (سويسرا)، ويتم تصنيعه وإعادته لمصر مرة أخرى بأسعار مضاعفة.
وأشار "الصياد" إلى أن تطوير صناعة الغزل والنسيج فى مصر يحتاج إلى إعادة شراء خطوط إنتاج لمصانع القطن طويل التيلة، ويتم صناعته بمعرفة مصر وتصديره للخارج بعد إدخال قيمة مضافة عليه؛ وهذا يؤدي إلى توفير مزيد من فرص العمل.
كما لفت إلى أهمية الشراكة مع الدول الأوروبية لإقامة مصانع للقطن طويل التيلة، وفتح الباب لمستثمرين جدد بشرط أن يتم تدريب العمالة المصرية، وأن تتعرف مصر على الأسواق الخارجية التي يتم التصدير لها؛ وهذا في حد ذاته يعمل على عودة مصر لريادة عرش المنسوجات القطنية في العالم .
فيما رأت المهندسة عزة رشوان، رئيس شركة الوادى لتجارة وحليج الأقطان، أننا نواجه فى صناعة الغزل والنسيج مشاكل عديدة على رأسها سياسات التسعير للقطن؛ فالحكومة التى تعتبر أكبر مشترٍ لمحصول القطن لا تضع سعرا ثابتا كل عام لشراء المحصول، فالفلاح لا يعلم السعر الذى سيبيع به المحصول؛ مما يجبر الفلاح على ترك زراعة القطن مسببًا انخفاضا فى المحصول فى بعض الأعوام، وبالتالي يحدث ارتفاع فى سعره.
وأشارت "رشوان" إلى أن المحالج الحكومية تحلج القطن بأسعار منخفضة مما يمنع وجود محالج خاصة لضعف هامش الربح، وأيضًا القطن المستورد خصوصًا التركى واليونانى الذى يباع بأرخص من القطن المصرى فيقوم أصحاب المصانع بخلط القطن المستورد مع القطن المصرى ويبيعونه كمنتج مصرى كامل.
فيما أكدت رشوان قيام دول كالهند وإسرائيل بالحصول على بذرة القطن المصرية وتطويرها وبيع منتجاتها كمنتج قطن مصرى، لافتة إلى أن يجب علينا وضع خطة للنهوض بتلك الصناعة تتضمن منع تصدير القطن المصرى للخارج، بالإضافة إلى وجود ماكينات وآلات على مستوى عالٍ من الكفاءة، ووجود تشريعات تمنع استيراد آلات ومعدات قديمة من الخارج، والتى تستهلك طاقة ودعم وتعطى إنتاجا ضعيفا، ووجود سياسة تسعيرية ثابتة لشراء محصول القطن بين الحكومة والفلاح.
ومن جانبه، قال الدكتور محمد الشريف، الخبير الاقتصادى، إن أهم العقبات التى تواجه صناعة الغزل والنسيج في مصر هي عدم تنظيم برامج تدريبية لجميع العاملين بصناعة الغزل والنسيج، وندرة المصممين والمبتكرين للتصميمات والرسومات، وتهالك الماكينات في معظم مصانع الغزل والنسيج، وضعف خطوط الإنتاج فى صناعة القطن طويل التيلة، وسوء الإدارة في معظم المصانع والشركات. مشددًا على ضرورة علاجها قبل أن تنقرض هذه الصناعة ويحل محلها الاستيراد من دول شرق آسيا خاصة الصين وإندونيسيا وماليزيا.
وأضاف "الشريف" أن عدم وجود معايير محددة للجودة أو العمل أو الإنتاج لجميع العاملين في صناعة الغزل والنسيج، والمديونيات البنكية الضخمة والمستحقة على معظم هذه الشركات والمصانع، والمديونيات السيادية الملقاة على عاتق هذه المصانع مثل الضرائب والتأمينات والجمارك وضرائب المبيعات، وغيرها من هذه المديونيات - تمثل عوائق قوية أمام الصناعة، بالإضافة إلى عدم وجود دراسات وبحوث للسوق للتعرف على ذوق المستهلك في الأسواق الخارجية حتى يتم الإنتاج لأصحاب الأذواق الخاصة.
وأكد "الشريف" أن أى استراتيجية عامة ستتجه الدولة لوضعها لعمل منظومة جديدة لصناعة الغزل والنسيج لا بد أن تعتمد على إجراء عملية توريق لمديونيات المصانع وشركات الغزل والنسيج؛ عن طريق دخول معظم البنوك الدائنة لهذه الشركات والمصانع كشركاء بنسبة من تلك المديونية بنسبة لا تقل عن 70% من قيمة المديونية في رأس مال الشركات، بعد إعادة تقييم جميع الشركات سواء عامة أو خاصة لمعرفة رأس المال الحقيقي لها.
وتابع الخبير الاقتصادي، بهذا الإجراء سيتم تصحيح الهيكل المالي لهذه الشركات، وخفض نسبة الفوائد والأقساط التي تسددها هذه الشركات للبنوك، وفي الوقت ذاته يصبح لدى البنوك (محفظة مالية) بأسهم معظم هذه الشركات، بالإضافة إلى تعديل (الهيكل الإداري) لهذه الشركات عن طريق وجود مندوبين من كل من البنك الدائن و(التأمينات الإجتماعية)، كذلك من الضرائب في مجالس إدارة هذه الشركات، بالإضافة إلى تعديل الكيان القانوني لكل هذه الشركات لتصبح شركات مساهمة.
وأكد "الشريف" أنه يجب أن يتم عمل إعفاءات ضريبية على عدد العمالة بالمصنع من خلال التأمين على هذه العمالة؛ حتى يتم دخول معظم العاملين في هذه الصناعة فى التأمين الاجتماعي والصحي، وأن يتم تفعيل دور مفتش التأمينات ومكاتب العمل على مستوى الجمهورية لجميع المصانع سواء التى تعمل في العلن أو في السر.
فيما شدد على أنه لا بد من إيجاد إدارة جديدة بأفكار جديدة حتى لو تم الاستعانة بخبراء في الإدارة من الخارج، على أن يتم تدريب بعض الكوادر لتتمكن من الإدارة مستقبلًا؛ حتى تعمل جميع المصانع ثلاث ورديات بدلًا من وردية واحدة كما هو الحال حاليًا.
ومن جانبه، أكد الدكتور خالد رحومة، الأستاذ المساعد بكلية التجارة بجامعة دمنهور، أن تطوير صناعة الغزل والنسيج يتطلب ضرورة ربط التعليم - بصفة عامة والتعليم الفنى بصفة خاصة – بمتطلبات سوق العمل فى صناعة الغزل والنسيج؛ عبر إدراج مادة عملية فى كل فصل دراسي يتم خلالها تواصل الطالب وسوق العمل، إضافة إلى ضرورة وجود فترة تدريب وتأهيل ضرورية للطالب حتى يتمكن من الحصول على الشهادة كما فى حالة سنة الامتياز لدى الأطباء.
وأشار "رحومة" إلى أهمية قيام وزارة الصناعة والتجارة الخارجية بالتعاون مع غرفة صناعة الغزل والنسيج بمتابعة مستجدات التكنولوجيا على الساحة العالمية، وتعريف المنتجين بها، كما يجب على الحكومة والقطاع الخاص وكل المهتمين بشأن هذه الصناعة إعادة ربط صناعة الغزل والنسيج فى مصر بكلمة "الصناعات الاستراتيجية" ذات الميزة النسبية التى تناسب وتتوطن فى المجتمع المصرى.
فيما طالب الدولة بالعمل على تخفيف الأعباء التى تتحملها المصانع التى تعتمد على الغزول المستوردة مثل رسوم المرافق والدفاع المدنى، بالإضافة إلى أعباء التمويل وارتفاع أسعار الفائدة، وتحرير الدولة لاستيراد القطن السميك والمتوسط، وفتح باب استيراد الأقطان متوسطة وقصيرة التيلة من جميع الدول المنتجة فى العالم؛ حتى يتسنى للمصانع المصرية إنتاج وتشغيل العمالة.