بين الاتباع والابتداع.. سامح بسيوني يوضح كيف يكون الاحتفاء بمولد النبي ﷺ

  • 55
الفتح - المهندس سامح بسيوني، الكاتب والداعية الإسلامي

قال المهندس سامح بسيوني، الكاتب والداعية الإسلامي: إن من المعلوم أن السلف الصالح هم أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتابعون وتابعوهم من أصحاب القرون الخيرية الثلاثة الأُوَل لقول النبي عنهم -كما في صحيح البخاري-: "خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ - قالَ عِمْرانُ: لا أدْرِي: ذَكَرَ ثِنْتَيْنِ أوْ ثَلاثًا بَعْدَ قَرْنِهِ - ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ، يَنْذِرُونَ ولا يَفُونَ، ويَخُونُونَ ولا يُؤْتَمَنُونَ، ويَشْهَدُونَ ولا يُسْتَشْهَدُونَ.".

وأوضح "بسيوني" -في منشور له عبر "فيس بوك"- أن الصحابة رضوان الله عليهم والقرون الثلاثة الأولى هم أهل الخيرية بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وهم أولى الناس باتباع طريقتهم، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد ﷺ خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه".

وأشار بسيوني إلى أنه إذا كان أصحاب النبي ﷺ قلوبهم خير قلوب العباد وهم وزراء النبي ﷺ وهم الذين اختارهم الله ليقاتلوا عن دينه ويبلغوه، وإذا كان أصحاب النبي ﷺ هم أشد الخلق محبة للنبي ﷺ، وهم من بلغونا الدين غضاً طرياً كما أراده الله وجاء به رسوله ﷺ، وإذا كان سلف الأمة في القرون الثلاثة الاولى هم خير الأمة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم، لم يحتفلوا قط بيوم مولد النبي ﷺ، بل كانوا يحتفون فقط بيوم مولده بصيام ذلك اليوم الإثنين من كل أسبوع  كما كان يفعل ذلك حبيبهم محمد ﷺ نفسه وكما أمر بذلك.

وكتب الداعية عدة تساؤلات بشأن المولد النبوي:

- لماذا نزيد نحن عن ذلك؟.

- لماذا نبتدع في الدين ما ليس منه؟.

- لماذا نُلبس على الناس الأمر بعدم ذكر طريقة الصحابة ولا القرون الثلاثة الأولى الصحيحة في احتفاءهم بيوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم بصيام يوم الإثنين من كل اسبوع؟.

- لماذا هذا النكوص عن بيان الحق بالاستشهاد  بما أحدثته الفرق المبتدعة بدءاً من القرنين الرابع والخامس الهجريين وترك ما كان في القرون الثلاثة الخيرية الأولى ؟!!

- لماذا هذا التلبيس اللغوي بعدم التفريق بين الإحتفاء و الاحتفال ؟!

وأوضح بسيوني الفارق بين الاحتفاء والاحتفال قائلًا: إن الاحتفاء مصدر اِحْتَفَى -"نقول خَرَجَ النَّاسُ احْتِفَاءً بِقُدُومِهِ: تَرْحِيباً وَتَكْرِيماً "-؛ فهو تكريم وعناية بالشخص، وفي التنزيل ﴿ إنه كان بي حفيّا ﴾ مريم : 47، وصورته هنا هو ما شُرع من صيام يوم الاثنين من كل أسبوع إكراما للنبي صلى الله عليه وسلم.

والاحتفال هو إقامة نشاط ما، كاِجْتِمَاعُ النَّاسِ فِي حَفْلٍ بِمُنَاسَبَةِ مَّا في يوم مَّا، يَتِمُّ فِيهِ تَبَادُلُ التَّهَانِي والطعام والشراب وخلافه؛ وهذا ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ولا الصحابة من بعده، ولا السلف الصالح من القرون الثلاثة الأولى الخيرية.

وتساءل: "لماذا لا نلتزم بهدي أصحاب النبي ﷺ وهم أهل المحبة الحقيقية الذين أُمِرنا باتباع نهجهم من حبيبنا محمد ﷺ ؟، ولماذا نحاول أن نخترع في الدين ما ليس منه بالاحتفال بمولده في يوم واحد في العام نملؤه بالطعام والشراب والتمايل والرقص وما لا يرضي الرب سبحانه وتعالى ؟، وكأننا أشد منهم حباً للنبي ﷺ، أو أكثر منهم علماً، أو أعمق منهم فهما".

وتابع بسيوني: "والعجيب أن النبي ﷺ قد حسم الأمر في مثل هذه الاختلافات التي أخبر بوقوعها منذ خمسة عشر قرنا ووجهنا بما يجب علينا فيها، كما جاء في الحديث الصحيح قوله ﷺ: "فإنه من يعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ المهديّين الراشدين تمسّكوا بها، وعَضّوا عليها بالنواجذِ، وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ" رواه الترمذي بسند صحيح فـتمسكوا بهديه وهدي أصحابه يا أحبابي إن كنتم حقا صادقين في محبته ﷺ؛ فـ "الاتباع أصل المحبة" كما قال تعالى: ﴿ قل إن كنتم تحبون الله، فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)  آل عمران31 .

وأكد بسيوني أنه من العجيب أن البعض ممن يريد أن يهون الأمر يقول: "يعتبر الأمر خلافًا سائغًا معتبراً بين الفقهاء، ويقرر أن من قلّد قولًا معتبرًا في المسألة لم يجز له الإنكار على غيره ممن قلّد قولًا آخر، وأن الاحتفال الذي يسوغ فيه الخلاف هو ما كان خاليًا من المحرّمات، كالمعازف والاختلاط والغلو البدعي الشركي في النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك، ولكن فقط تخصيص اليوم بالكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر شمائله وإنشاد المقبول شرعًا من مدحه صلى الله عليه وسلم، وإدخال السرور على النفس والأهل والتوسعة عليهم بالحلوى ونحو ذلك؛ والأقرب عنده أن تحريم هذا بعيد".

ورد بسيوني على تلك الشبهات قائلا: أولاً: هناك فرق بين ما يسوغ فيه الخلاف وما لا يسوغ.

فالخلاف السائغ: هو الذي لم يخالف البيّنات ( وهي نص من كتاب أو سنة صحيحة، أو إجماع قديم، أو قياس جلي).

وأما الخلاف غير السائغ: هو الذي خالف البيّنات ( وهي النص من كتاب أو سنة صحيحة، أو إجماع قديم، أو قياس جلي ). لقوله تعالى: ﴿ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ﴾ آل عمران 105.

فليس كل خلاف لا يشرع فيه الإنكار، بل الخلاف الغير سائغ الذي خالف البيّنات يجب فيه الإنكار لأن هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.