50 عامًا على نصر أكتوبر.. الجيش المصري سطر ملحمة تاريخية أذهلت العالم

خطة خداع استراتيجي فاجأت إسرائيل.. والعرب يردون على الدعم الأمريكي بـ "سلاح النفط"

  • 53
الفتح - 50 عاما على نصر أكتوبر

50 عامًا مضت على حرب السادس من أكتوبر لعام 1973 م، الموافق العاشر من رمضان لعام 1393 هـ، التي استطاعت القوات المسلحة المصرية أن تسطر فيها ملحمة تاريخية ستظل عالقة في أذهان ووجدان الشعب المصري والشعوب العربية والإسلامية، بعد أن تخيلت إسرائيل أنها القوة التي لا تقهر وأن طائراتها تستطيع أن تغير وتنفذ غاراتها على أي منطقة عربية متى شاءت !.

لكن القوات المسلحة المصرية أعادت تنظيم نفسها بنفسها وبذلت كل معاني التضحية والفداء للوطن الحبيب.

 ولم يرضخ الجيش المصري لنكسة 5 يونيو عام 1967، بل واصل التدريب على القتال وتحدي الصعاب وظل ثابتًا على موقفه رافضًا التخلي عن الأراضي العربية ودخل حرب الاستنزاف إلى أن جاءت لحظة العبور وتحقيق المفاجأة لينتصر الحق على الباطل.

6 سنوات بين النكسة والانتصار شهدت بطولات وعمليات فدائية نفذها أبطال وجنود القوات المسلحة في عمق سيناء، وخلال تلك المدة كان الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذي تولى مهام السلطة في السابع عشر من أكتوبر1970، خلفًا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي وافته المنية في سبتمبر لعام 1970 ثابتًا على موقفه في أن الحرب آتية لا محالة.

 أعطى السادات أوامره للجيش برفع أقصى درجة للتدريب وبذل كل غالٍ وثمين والاستعداد للحرب بالعرق والدم وتفاعلت الجبهة الداخلية مع جبهات القتال لخطوط المواجهة مع العدو الإسرائيلي للثأر ورد الاعتبار للعرب والمسلمين.

استخدم الرئيس السادات خطة التمويه والخداع الاستراتيجي فيما عرف بفترة اللاسلم واللاحرب حتى أعلن عام الحسم ثم عام الضباب ليستكمل عتاده العسكري، وأخذ الجيش على يديه ببناء التباب وتجهيز النقاط الهندسية على طول القناة حتى شيد حائط الصواريخ غرب المجرى الملاحي الذي كانت له كلمة الفصل في النيل من طائرات الفانتوم وسلاح الطيران الإسرائيلي.

وما أن صدرت الأوامر العسكرية من غرفة العمليات وانتفض الأسد الجريح يوم السادس من أكتوبر لعام 73، وفي الثانية ظهرًا اندلعت الحرب، وانطلقت طائرات سلاح الطيران المصري على ارتفاعات منخفضة لتدمر وتصيب الأهداف الاستراتيجية للعدو بعد أن كسرت حاجز الصمت فوق خط بارليف الحصين في عملية تدربوا عليها خلال ست سنوات.

استقبل الجنود المصريون المتمركزون على الجبهة أزيز الطائرات من بعد بالتكبير والتهليل حتى لحظة عبور الطائرات للضفة الشرقية وتنفيذ الضربة الجوية الأولى بـ 220 طائرة استهدفت محطات التشويش والإعاقة وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف ومصاف البترول ومخازن الذخيرة. 

تهاوت حصون العدو وتحطمت أسطورتهم الكاذبة على صخرة وبسالة القوات المسلحة المصرية بجميع أفرادها قادة وجنود بعد الضربة الجوية الموجعة وتحقيق عنصر المفاجأة بنسبة نجاح لم يتخيلها أحد، ورغم أن الخسارة لحقت بخمس طائرات كان من بينهم البطل الراحل عاطف السادات الشقيق الأصغر للرئيس محمد أنور السادات؛ إلا أن سير أعمال القتال وتطوير الهجوم زاد من وتيرته حتى سقطت قلاع وتحصينات الجيش الإسرائيلي الواحدة تلو الآخرى وتهاوت أسطورتهم الكاذبة.

 تعالت صيحات الجنود على الضفة الغربية للقناة مرددة "الله أكبر الله أكبر" مع عبور الطائرات بارتفاعات منخفضة، وصدرت الأوامر بنصب الجسور العائمة ورؤوس الكباري لعبور الدبابات والأسلحة الثقيلة واستطاعت الموجة الأولى للجند والمشاة عبور القناة بقوة أربعة آلاف جندي في ثمانية وعشرين قاربًا، تلاها عبور باقي القوات وأفراد المهندسين العسكريين.

 كما صدرت أوامر القيادة العسكرية بعبور المانع المائي الصعب واجتياز خط بارليف المنيع الذي تخطى ارتفاع 20 مترًا في بعض النقاط، وذلك تحت وابل من النيران لمحو ألم الهزيمة ورد الاعتبار للأمة العربية والإسلامية.

خلال الساعات الأولى من بدء المعركة  تمكن نحو 100 ألف جندي وأكثر من ألف دبابة وما يزيد على عشرة آلاف مركبة من عبور قناة السويس واجتياز خط بارليف واحتلال الخطوط الأولى وتدمير قواعد العدو بعد معارك حامية الوطيس.

ومع سير العمليات العسكرية والتفوق المصري على الضفة الشرقية للقناة فتحت الولايات المتحدة الأمريكية جسرًا جويًا مع إسرائيل وأمدتها بسلاح وعتاد لتحويل دفة المعركة لصالح العدو؛ إلا أن القوات المسلحة كانت لها بالمرصاد.

ومن هنا ظهر لأول مرة استخدام العرب السلاح الاقتصادي للنفط والذي بدأ إعداده إثر زيارة الرئيس السادات للملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود، قبيل بدء الحرب في الرياض أغسطس 1973 وإطلاعه على الموقف ورغبته الأكيدة في رد الاعتبار للأمة العربية والإسلامية .

وعقب تلك الزيارة اجتمعت الدول المصدرة للنفط، ومنها الإمارات والعراق والجزائر وليبيا، منتصف سبتمبر من العام نفسه، لبدء التفاوض في رفع أسعار النفط عالميًا ووضع حد لدعم إسرائيل. 

وظلت الدول العربية تحارب جنبًا إلى جنب مع مصر وسوريا بسلاح النفط الفتاك لاقتصادات الدول الموالية لإسرائيل، حتى حظرته على بعض الدول في أوروبا والبرتغال وقبلها هولندا ثم جنوب إفريقيا بعد خفض الإنتاج بنسبة 25% مع التهديد في خفضه أكثر من ذلك، مما أجبر دولاً كبرى على اتخاذ موقف الحياد ولو ظاهريًا تجاه الحرب كفرنسا وألمانيا.

وبعد القرار العربي المجيد تكبدت الولايات المتحدة خسائر باهظة، وشهدت أوربا امتداد لطوابير السيارات أمام محطات البنزين إثر ارتفاعات متعاقبة في أسعار الوقود، بينما فقدت بورصة نيويورك للأوراق المالية 79 مليار دولار من القيمة السوقية لأسمهما خلال ست أسابيع منذ بدء الحرب.

وحول هذا الموقف، يقول الدكتور علي عبد النبي نائب رئيس هيئة المحطات النووية السابق، وأحد أبطال القوات المسلحة الذين شاركوا في الحرب بسلاح الدفاع الجوى، إن قادة العرب تمكنوا بالفعل من الضغط على الغرب إبان حرب السادس من أكتوبر لعام 73 باستخدام سلاح النفط لإجبار العدو الإسرائيلي الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967.

 وفوجئ الغرب والولايات المتحدة بهذا القرار المفاجئ بالنسبة لهم؛ ولكن قد يكون معدًا له مسبقًا بتلميحات القيادة السياسية للرئيس السادات أثناء الاحتفال بيوم العمال مايو 73 بأن الدول العربية المنتجة للنفط وعدت باستخدام حظر نفطي بمجرد بدء الحرب مع العدو الإسرائيلي، ما تسبب في أزمة طاقة عالمية.

وأكد البطل المصري أن قرار حظر النفط جاء بعد سبعة أيام من بدء القتال وبالتحديد جاء ردًا على القرار الأمريكي بمد جيش العدو بجسر جوي هائل لنقل السلاح إلى إسرائيل .

وتابع: فوجئ الغرب بإعلان القرار العربي التاريخي لكل من السعودية، والعراق، وإيران،  والجزائر، والكويت، والإمارات وقطر، وليبيا، خفض الإنتاج ما تسبب في رفع أسعار النفط 17% ثم 25% وظل هكذا حتى قفز أكثر من 130% تبع ذلك حظر النفط على الدول المؤيدة والداعمة لإسرائيل.

كما تعهد قادة وملوك الدول العربية بمواصلة الضغط على أوروبا وأمريكا للتخلي عن دعمها الواضح لإسرائيل على حساب العرب.

واستدل الدكتور "علي عبد النبي"  بوثائقيات بريطانية الصادرة عام 2004 ونشرتها بعض وكالات الأنباء، أن العرب حينما اتحدوا كانت لهم كلمة مؤثرة عزز ذلك التضامن الأخوي والقوي لتصريحات وزير الخارجية السعودي آنذاك عمر السقاف، أن الدول العربية تشعر بمسئولية أخلاقية تجاه بيع النفط لمن أراد، مضيفًا عندما يتعلق الأمر بتهديد قضيتنا ومساعدة عدونا، فإننا نعتقد حينئذ أن هناك حدًا لهذا الأمر.

وتابع "السقاف" خلال جولته الخارجية للبرازيل أثناء حرب أكتوبر: لقد حاولنا أن نكون معقولين لمدة سبع سنوات، نستطيع أن ننتظر عامًا أو ستة أشهر للوصول إلى قرار، ونحن معروفون بصبرنا.

وبالرغم من أن المملكة المتحدة وأمريكا قللتا من إرادة العرب وقدرتهم على وقف ضخ النفط للغرب خلال حرب السادس من أكتوبر عام 1973 إلا أن القرار جاء كالصاعقة على الغرب، حيث توقفت المركبات عن السير وتضاعفت طوابير الانتظار أمام محطات الوقود وخرجت أصوات تنادي باستقلال الدراجات، وارتفع سعر برميل النفط لأكثر من 100% من قيمته السوقية وهوت أسعار البورصات بعد أن تكبدت خسائر مالية فادحة.  

وأرسلت الرياض مذكرة احتجاج للملكة المتحدة ضد سياسات الولايات المتحدة لصالح العدو الإسرائيلي، وأن السعودية ستجد نفسها مجبرة على خفض كمية النفط، الأمر الذي سيضر بدول السوق الأوروبية المشتركة، وبناء عليه، فإن الأمر متروك لهذه الدول كي تنصح أمريكا بتغيير موقفها المؤيد لإسرائيل، إذ إن هذه الدول ستتضرر أكثر من أمريكا من خفض كمية النفط.

وبحسب الوثائقيات فقد وصف الإنجليز مذكرة الاحتجاج السعودية بالصادمة، حتى أن الولايات المتحدة الأمريكية نفسها فكرت في الاستيلاء على حقول النفط في الخليج.