عاجل

عمار العركي لـ"الفتح": إثيوبيا على شفا حرب أهلية طويلة الأمد.. وهناك توقعات بانفصال أقاليم عنها

  • 45
الفتح - عمار العركي الكاتب والمحلل السياسي السوداني

قال عمار العركي، الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوداني، إن التطورات الداخلية في إثيوبيا لها تأثيرها على الأمن القومي السوداني؛ فالتطورات والأحداث تتلاحق وتتداعى في أديس أبابا يوميًّا، وكلها تذهب في اتجاه انفجار الموقف، وقد توقعنا سابقًا اندلاع جولة جديدة من الحرب الأهلية أقصاها منتصف أو نهاية مارس المقبل، وهذه الحرب ستلقي بظلالها السلبية على الأمن القومي السوداني.

وأضاف العركي في تصريح خاص لـ"الفتح" أن تطورات الحرب والأحداث الداخلية المتسارعة جعلتنا نتوقف عن تحليل المشهد الإثيوبي، لكن ما طرأ من مستجدات تقدم ميقات توقُّعنا من مارس، وجعلنا نعود إليه وإلى تأثيره السلبي على السودان حال لا قدر الله انفجرت الأوضاع في الجارة إثيوبيا. 

وأشار إلى أن استقالة وزير الخارجية الإثيوبي "دمقي موكنن" من منصبه بحزب الازدهار الحاكم، حيث كان يشغل منصب نائب رئيس الحزب، وهو صقر الأمهرا المتشدد، وأحد مؤججي ملف (الفشقة) مع السودان، ونائب آبي أحمد في رئاسة مجلس الوزراء- لهو عنوان عريض ومؤشر أبرز لاقتراب الحرب؛ باعتبار أن هذا الرجل هو آخر صقور الأمهرا البارزين والمؤثرين في حكم التحالف الذي انهار (الأمهرة وآبي أحمد) حلفاء الأمس وأعداء اليوم.

محادثاتٌ غير رسمية

وتابع المحلل السياسي أن هذه الاستقالة تزامنت مع انهيار تفاهمات ومحادثات غير رسمية للتهدئة بين آبي أحمد والجيش الإثيوبي من جهة، وبين جبهة الأمهرة وجناحها العسكري "الفانو" من جهة أخرى، التي على إثرها أوقفت قوات الأمهرة "الفانو" تقدمها بعد انتصارات عدة واستلامها عدد من المواقع العسكرية، وبعد أن كانت بصدد دخول (مدينة بحر دار) اكتفت بمحاصرتها إلى حين ما تسفر عنه المحادثات التي انهارت وتبعها استقالة موكنن.

ونوه بأن آبي أحمد والجيش الإثيوبي استغلَّا فترة التهدئة غير الرسمية هذه في معالجة آثار الحرب السابقة وتعويض الفاقد في التسليح، وإعادة التموضع الهجومي والدفاعي؛ فقد رُصد إمداد عسكري وتسليحي متواصل بلغ أكثر من (106) رحلة جوية قادمة من دولة خارجية إلى المطارات الإثيوبية تزامنًا مع إنشاء قاعدة عسكرية في (مدينة الحمرا) الإثيوبية على الحدود السودانية. مشيرًا إلى وجود تطور لافت وهو إعلان "جبهة تحرير شعب الأورومو المسلحة"- وهي القومية التي ينحدر منها آبي أحمد- عن غلقها الطرق السفرية الغربية والجنوبية في إثيوبيا التي تؤدي إلى العاصمة أديس أبابا، مع انتشار أخبار تفيد بمواصلة إثيوبيا مقاطعتها لمنظمة "إيجاد" من خلال طلب تقدم به آبي أحمد لعقد قمة طارئة.

واستطرد عمار العركي أن جبهة الأورومو التي أغلقت الطرق، هي في الأصل مفجرة الثورة الإثيوبية ضد حكم (التجراي) التي استمرت نحو ثلاثة عقود، وهي التي أوصلت ابنها الأورومي آبي أحمد إلى قمة السلطة والحكم، وذلك قبل أن يغدر بها لاحقًا فسجن من سجن وأبعد من أبعد من قياداتها السياسية والعسكرية  المنافسة له، وعلى رأسهم القائد الأورومي جوهر محمد الذي يحظى بشعبية وكاريزما طاغية وتأثير أكبر من آبي أحمد؛ مما جعله أيقونة الثورة الإثيوبية التي أحدثت التغيير وجاءت بآبي أحمد على قمة السلطة بإرادة خارجية مفروضة وتحالف مع غريم قوميته (الأمهرة) التي يحاربها الآن بعد فض التحالف. 

وأكد أن رئيس الوزراء الإثيوبي المُتعجل لتحقيق طموحاته الشخصية الكبيرة التي هي بطبيعة الأمر ومعطيات الواقع أكبر من إمكانياته؛ جعل إثيوبيا مقبلة على حرب أهلية كارثية لا تُبقي ولا تذر بعد أن وضع آبي أحمد الجيشَ الإثيوبي في مواجهة أكبر ثلاث جبهات وقوميات رئيسة في إثيوبيا وهي (الأورومو، الأمهرة، التجراي)، وستدخل إريتريا على خط النار والحرب من خلال تحالفها مع الأمهرة ضد الأعداء المشتركين (آبي أحمد حاليًّا وجبهة التجراي لاحقًا)، و"التيجراي" بعدما استُنزفت في الحرب السابقة التي انتهت باتفاق سلام هش وآيل للسقوط عقب شقها وإضعافها واحتلال الأمهرة والجيش الإريتري معظمَ أراضي إقليمها (التيجراي المجاور للسودان)؛ جعلها تبحث عن تقوية وتحالفات مع جارتها (جبهة إقليم العفري) التي بدورها لديها حسابات ومرارات قديمة مع (جبهة الأمهرة).

وقال إن هناك تسريبات بخصوص الدور الإريتري في هذا الصراع وأخبارًا غير مؤكدة عن وجود على الأقل خمس مجموعات عسكرية سودانية غير رسمية كانت تصنف سابقًا بالمتمردة على المركز في الخرطوم، ذات ارتباطات قديمة بالنظام في إريتريا،  تتلقى الآن تدريبات -لم يُكشف عن الغاية منها بعد- بمعسكرات داخل دولة إريتريا من بينها قوات الجبهة الشعبية المتحدة بقيادة الأمين داود، وقوى تحرير شرق السودان بقيادة إبراهيم دنيا، ومؤتمر البجا بقيادة موسى محمد أحمد، والأسود الحرة بقيادة مبروك مبارك سليم.

السودان متأثرٌ بالحرب

ولفت إلى أن السُودان بوضعه وموقعه سيكون حاضرًا في الحرب ومتأثرًا بها؛ فالذاكرة السودانية الحدودية الأمنية الاجتماعية الاقتصادية القريبة تتحدث عن التداعيات والتأثيرات السلبية على الأمن القومي السوداني عبر الحدود السودانية المشتركة مع إثيوبيا وإريتريا إبَّان الحرب السابقة التي شنها الجيش الإثيوبي على جبهة إقليم التيجراي المجاور للسودان، وأعداد التدفقات الكبيرة التي حدثت من اللاجئين الإثيوبيين وتسلل جماعات مُسلحة من جبهة التيجراي إلى الأراضي السودانية، وما صاحب ذلك من إفرازات وأضرار أمنية و اقتصادية بجانب تحرشات واتهامات إثيوبية رسمية غير مثبَتة بدعم السودان لجبهة التيجراي.

وشدد الكاتب السياسي على أن هناك ثلاثة سيناريوهات متوقَّعة للوضع داخل إثيوبيا: وهي إما حتمية انفجار الوضع واندلاع مواجهات، لا يحول من وقوعها إلا حدوث تغيير أو انقلاب "ناجح" على السلطة الفيدرالية يُفضي إلى ذهاب آبي أحمد، أو بروز تدخلات وضغوطات خارجية قوية تحد وتحول دون طموحاته وخططه الحربية التي تمضي بوتيرة متسارعة.

وأضاف أن السيناريو الثاني يتمثل في انفجار الأوضاع واندلاع الحرب، وفي ظل هذه التعقيدات والتشابكات ستكون الغلبة للطرف الذي يدخل في تحالفات ويستقطب الأطراف الأخرى لصالحه؛ وهذا مستبعد لطبيعة العلاقات التاريخية والحسابات البينية الخاصة بكل جبهة أو قومية إثيوبية. أما السيناريو الثالث فهو دخول إثيوبيا في دوامة العنف والحرب الأهلية طويلة الأمد، ليس فيها منتصر أو مهزوم؛ تؤدي في النهاية إلى تفكك النظام الفيدرالي الهش والمضطرب أصلًا لصالح نشوء أقاليم منفصلة ومحددة قوميًّا وإثنيًّا، سبق أن منحها الدستور الأثيوبي في مادته (39) الحق في تقرير المصير والانفصال غير المشروط. 

وختم تصريحه بوجود توقعات باتساع رقعة المواجهات هذه المرة، التي ستشمل إقليم الأمهرة المجاور لولاية القضارف والمحازية لمحلياتها الشرقية، وصولًا إلى ملتقى مثلث "مدينة الحمرا" المشترك بين الدول الثلاث، والتي أقام عليها الجيش الإثيوبي قاعدة عسكرية استعدادًا للحرب؛ وبِناءً عليه يُتوقع تضاعف الآثار والإفرازات السلبية على السُودان مقارنةً بالحرب الإثيوبية السابقة التي استمرت نحو عامين؛ ما يتطلب التحسب المبكر واتخاذ خطوات وتحوطات وقائية مضادة كفيلة بدرء الخطر والتهديد المتوقع على الأمن القومي السُوداني.