الأزمة السودانية تتعقد وسط محاولات الحل

خبراء: الميليشيا تخشى الالتزام بالاتفاقيات.. ولا تعارض بين البرهان ووزير الإعلام

  • 24
الفتح - أرشيفية

يعاني السودان الشقيق منذ منتصف أبريل الماضي من أزمة إنسانية كبرى على كل الأصعدة؛ ما بين قتلى وجرحى ونزوح ولجوء، وتدمير البنى التحتية، ودمار وخراب، وتشابكات وتجاذبات داخلية وأجندات خارجية، وسط تصعيد ميليشيا "الدعم السريع" من حدة مواجهاتها وعدم التزامها بأي اتفاق بجانب قطعها الاتصالات حتى تُعتِّم على ما تفعله وما تتعرض له من ضربات موجعة من القوات المسلحة السودانية.

واجتمع مجلسا السيادة والوزراء في "بورتسودان" يوم الجمعة الماضي، وجددت الحكومة السودانية اعتمادها "منبر جدة" منصةً وحيدةً للتفاوض مع تلك الميليشيا، في حين أن البرهان صرح مؤخرًا بأن أي حل من الخارج للصراع الدائر في البلاد لن يصمد.. فإلام يؤول الأمر؟ 

في هذا الصدد، قال محمد رشيد، المحلل والخبير الاستراتيجي السوداني: إن الإعلان الحكومي عبارة عن تغييرات تمت في الوساطة الخارجية مثل "إيجاد" وكثير من المساهمات والمحاولات لحل الصراع كالتي احتضنتها دولتا جنوب السودان وجيبوتي أو حتى التي لم تتبلور بعد في شكل اتفاقات، وكل تلك المساهمات خلصت إلى أن الميليشيا تحاول التنصل من اتفاقياتها لتعدد هذه الوساطات.

منبر جدة

وأضاف رشيد لـ "الفتح" أن هناك تفاهمات تمت في اتفاق جدة، الذي شهد اتفاقية بين الجيش السوداني والميليشيا في شهر مايو الماضي، على قضايا مفصلية مهمة جدًّا في سبيل معالجة الأزمة الحالية؛ وهي خروج "الدعم السريع" من بيوت ومنازل المواطنين ومن الأعيان والقرى الحكومية، ثم تسهيل العمل الإنساني. لافتًا إلى أن المؤسف في الأمر هو عدم التزام الميليشيا بذلك؛ فلم تخرج من المنازل أو الجامعات أو المستشفيات أو مراكز الخدمات؛ وهذا لأنها لا تستطيع الوفاء بفاتورة خروجها لأن هذا الخروج معناه تصفيتها؛ وبناء عليه تظل مساحتها في المناورة والتفاوض ضعيفة للغاية، إضافة إلى أنها تستخدم بيوت المواطنين بجانب قطع الاتصالات ووقف أو التقليل من الخدمات كواحدة من أدوات حربها لأنها لا تملك قواعد للاشتباك أو مبادئ قتالية واضحة، ولا ترغب في الالتزام بالقانون الدولي الإنساني وغيره من القوانين التي تنظم عملية الحرب وعدم تعريض المدنيين للخطر.

وأردف أن تصريحات وزير الإعلام يُستشف منها أن السودان حسم أمره لا سيما بعدما جمَّد عضويته في "إيجاد"، ويتجه للحل الداخلي، وهذا المنبر السعودي يعالج القضايا العسكرية وتنظيم الحرب، وكذلك تنظيم ما ينتج عن الحرب فيما يتعلق بالشق الإنساني؛ حتى الوصول إلى عملية سياسية لحل الأزمة؛ وبناء عليه فالجيش السوداني ملتزم ومن مصلحته الالتزام باعتبار أن هذا مكسبٌ حصل عليه عبر هذا المنبر، في حين أن المليشيا لم تلتزم به؛ لذلك فالمساواة بين الجيش وتلك الميليشيا فيه ظلم كبير جدًّا للجيش. 

وبسؤاله عن وثيقة (2019) قال إن السودان بعد 15 أبريل الماضي -وهو تاريخ بدء الحرب- مختلف عما قبله؛ فلا قيمة لأي وثيقة أو إجراء دستوري حدث قبل ذلك؛ فهناك وضع جديد ومعطيات جديدة يمكن أن تؤسس للمستقبل، لكن الوثيقة الدستورية والاتفاق الإطاري أحد أسباب الأزمة وما وصل السودان إليه؛ لذلك لن تكون منبرًا أو مرجعية للحل. 

لا تَعارض

في حين يرى عمار العركي، الكاتب والمحل السياسي السوداني، أن تصريح وزير الإعلام لم يخرج عن السياق العام لتعاطي الحكومة (ممثلة في مجلسي السيادة والوزراء) في الانفتاح على مبادرات الحل الجادة والمحايدة، و "اتفاق جدة" رغم ضعفه وسلبياته في بعض الجوانب لكنه يظل الوحيد الذي تتعاطى معه الحكومة من باب المرونة والتجاوب نحو الحل السلمي التفاوضي؛ على أمل أن يعالج هذا المنبر مستقبلًا نقاط الضعف والسلبية وأهمها إلزام الميليشيا والضغط عليها لتنفيذ التعهدات والالتزامات الموقع عليها في جولة المنبر يوم ١١ مايو ٢٠٢٣م.

وأضاف العركي لـ "الفتح": لا أعتقد أن هناك تعارضًا بين تصريح وزير الإعلام -الذي يعبر عن توجه مجلس الوزراء ومجلس السيادة الذي يرأسه الفريق عبدالفتاح البرهان- وبين تصريح البرهان مؤخرًا الذي قاله إبان تفقده قواته وجنوده كقائد للجيش تزامنًا مع تجميد السودان عضويته في منظمة "إيجاد" التي ثبت عدم حيادها وانحيازها للميليشيا وجناحه السياسي المعروف بجماعة إعلان الحرية والتغيير "قحت" سابقًا والآن تحولت لـ "تقدم"؛ فبناء عليه البرهان يتحدث عن مبادرات الخارج المنحازة ذات الأجندة الخاصة، والسودان منفتح على جميع المبادرات لكن التي لها أجندة خاصة لن تنجح أو تصمد.

وأشار إلى أن هذه الحرب جبَّت كلَّ ما قبلها من أي التزامات أو اتفاقيات سياسية؛ فقد بدلت وغيرت كثيرًا من المبادئ السياسية الثابتة، ناهيك عن المتغيرات السياسية؛ فوثيقة (٢٠١٩م) عندما ننظر لها ولأطرافها الموقعين عليها أو حتى الضامنين والراعين لها نجد هناك تحولات في المواقف السياسية وحتى الوطنية؛ فالمكون العسكري (قوات الشعب المسلحة) الموقع كطرف رئيس كان يضم "الدعم السريع" الذي تمرد ويحاربها الآن، "الحرية والتغيير" كطرف ثانٍ تشظت وتشرزمت وتلاشت من الحياة السياسية بعدما تكونت من جديد وبميثاق سياسي جديد غير الذي مضمَّن بالوثيقة؛ كذلك نجد الجهات أو الدول الراعية والضامنة للوثيقة تقف الآن موقفًا عدائيًّا ومساندًا لتمرد "الدعم السريع" مثل (إيقاد، إثيوبيا، كينيا) وإلى حد ما الاتحاد الإفريقي وجنوب السودان.