"الفتح" تستعرض النشاط الاقتصادي والتعليمي وأماكن توزيع الأقلية المسلمة في إسبانيا

  • 40
الفتح - خريطة إسبانيا

على الرغم من التاريخ الطويل للمسلمين في إسبانيا وحكمهم للأندلس طيلة ثمانية قرون، فإنهم لا يشكلون اليوم سوى قرابة 1% من الشعب الإسباني، ما جعلهم أقلية تجمعها قضايا وتحديات وتطلعات مشتركة، ومع ذلك فلا تزال هناك الكثير من الأفكار المسبقة التي تحوم حولهم، بالإضافة إلى انعدام الثقة بينهم وبين المجتمع الإسباني.

وتواجه الأجيال المسلمة الجديدة الموجودة في قارة أوروبا خطرًا داهمًا جراء تعرضها لمسخ الهوية الإسلامية والانسلاخ من الدين.


نبذة جغرافية مختصرة عن إسبانيا:

تقع مملكة إسبانيا في الجزء الجنوبي الغربي من القارة الأوروبية؛ إذ تطل على سواحل البحر المتوسط وخليج بسكي والمحيط الأطلسي الشمالي، إلى الجنوب الغربي من فرنسا، كما تحدها البرتغال من الغرب، وتشغل إسبانيا مساحة تبلغ 504,750 کیلومتر مربع، هي معظم مساحة شبه جزيرة إيبيريا.

وتتكون إسبانيا من 17 مقاطعة مستقلة تشمل جزر البلاري والكناري، بالإضافة إلى خمسة مناطق تحت السيطرة الإسبانية، فضلًا عن بعض المناطق الأخرى التي ما زال النزاع فيها قائم بين أسبانيا والمغرب.


مناخ إسبانيا:

تتمتع إسبانيا بمناخ معتدل يميل إلى الحرارة صيفًا والبرودة شتاء في المناطق الداخلية، وتتكون مساحة إسبانيا من سهل واسع محاط بالجبال قليلة الارتفاع، كما توجد جبال البرانس في الشمال ويوجد في إسبانيا عدد من الأنهار وبها مساحة واسعة من الغابات كما أنها غنية بمواردها الطبيعية من الفحم والحديد واليورانيوم وبعض المعادن الأخرى.


نبذة تاريخية عن الإسلام في إسبانيا:

أصبحت أسبانيا جزءًا من الدولة الإسلامية في شهر رمضان من عام 93 هـ / 11 م وشهدت ازدهار الحضارة الإسلامية التي انتقلت منها إلى أوروبا، فكانت سببًا من أسباب النهضة الأوروبية الحديثة، ولكن الحكم الإسلامي في أسبانيا سقط نهائيًا عام 1492م.

جاء في كتاب "الموسوعة الجغرافية للعالم الإسلامي الأقليات المسلمة في العالم" أن المسلمين قد مروا بمأساة بعد هذا السقوط فقد طردوا من أسبانيا ونُصّر بعضهم وأصبح الإسلام أثرًا بعد عين في هذه البلاد، ولم يظهر للمسلمين وجود إلا في الفترة الأخيرة من بين أنقاض التعصب الصليبي القديم والحديث.

ويقدر عدد المسلمين الآن في أسبانيا بحوالي 300 ألف نسمة من بين سكانها البالغ عددهم حوالي 40 مليون نسمة، أي بنسبة تقل عن 1% من مجموع السكان واللغة الرسمية في إسبانيا هي الإسبانية؛ إذ يتحدثها نحو 74% من السكان، وتليها اللغة الكتلانية التي يتكلمها 17%، ثم اللغة الغاليسية، وأخيرًا لغة الباسك.

وعاصمة إسبانيا هي مدريد ويقطنها حوالي 10% من السكان كما يوجد عدد من المدن الرئيسة ذات الكثافة السكانية الكبيرة، مثل: برشلونة وسلفيا وقرطبة وغرناطة وملقا.


توزيع الأقليات المسلمة:

يتركز المسلمون في الوقت الحاضر في المدن الرئيسة كما توجد أعداد من المغاربة في المناطق المتنازع عليها بين أسبانيا والمغرب.

ومن الجدير بالذكر أن غالبية المسلمين الموجودين في إسبانيا هم من العمال الذين وفدوا من الدول العربية، بخاصة دول شمالي أفريقيا، كما يوجد عدد محدود من الطلاب المسلمين في الجامعات الإسبانية، خصوصًا في السنوات الأخيرة.


النشاط الاقتصادي للمسلمين:

غالبية المسلمين في أسبانيا من العمال الذين وفدوا بحثًا عن لقمة العيش، وبالتالي فإن نشاطهم الاقتصادي يقتصر على ممارسة بعض الأعمال اليدوية البسيطة وكذلك الأعمال الكتابية بين الطلاب والعاملين في مكاتب السفارات الإسلامية.

ورغم أن الاقتصاد الإسباني يستفيد من العمال المسلمين، فإنهم ليس لهم أي مشاركة في الملكية التجارية أو الصناعية في أسبانيا.

وغني عن القول إن إسبانيا لها علاقات اقتصادية مع الدول الإسلامية، وقد تعتمد في تسيير جزء من هذه العلاقات على العمالة المسلمة، خصوصًا مع دول شمال إفريقيا. ورغم هذا يبقي الوضع الاقتصادي للمسلمين متدنٍ ولا يكاد يفي إلا بالحاجات الضرورية البسيطة للمسلمين هناك.


النشاط التعليمي للمسلمين:

لا شك أن التعليم أحد أهم القضايا التي تشغل المسلمين في إسبانيا؛ فالكثير من أبناء المسلمين يذهبون إلى المدارس الإسبانية لتلقي التعليم، ولكن هذه المدارس لا توفر التعليم الضروري ولا الجو المناسب للمسلمين مما يجعلهم يشعرون أن أبناءهم يتعرضون للتأثيرات السلبية الموجودة في المدارس الحكومية، بالإضافة إلى أنها لا توفر الحد الأدنى من الثقافة المطلوبة للناشئ المسلم.

ويمكن الحديث عن التعليم في أسبانيا من خلال التعليم الديني والتعليم المدني وذلك على النحو التالي:

التعليم الديني: يتمثل في دروس عطلة نهاية الأسبوع التي يتلقاها بعض الطلاب المسلمين في المراكز الإسلامية والمساجد، وهذا النوع من التعليم وإن كان يوفر بعض المعلومات الإسلامية، فإنها غير كافية لا كمًا ولا نوعًا، ولكنها تسد جزءًا من الحاجة الملحة.

ورغم أن الحكومة الأسبانية سمحت بتعليم الدين الإسلامي لأبناء الجالية المسلمة في المدارس الإسبانية وتقوم بدفع رواتب المدرسين المعينين لهذا الغرض، فإن هذا البرنامج لم يطبق بشكل شامل وذلك لنقص المدرسين المؤهلين وعدم توافر المناهج المناسبة لكافة المراحل التعليمية، ولكنهم يستفيدون منه حتى تتوافر لهم مؤسساتهم التعليمية الخاصة التي يمكن أن يسيروها كما يشاءون. ويصب في برنامج التعليم الديني بعض ما تقدمه المدارس الخاصة بالجالية الإسلامية في أسبانيا.

وهذه المدارس يمكن تقسيمها إلى نوعين:

مدارس خاصة: تتبع بعض الحكومات العربية، مثل: المدرسة العراقية والمدرسة الليبية ومدرسة أم القرى السعودية الموجودة في المركز الإسلامي الثقافي بمدريد وكذلك فرعها في مركز سهيل الإسلامي في فونيخيرولا.

مدارس التكميلية: وهي الفصول التي تدرس الثقافة الإسلامية واللغة العربية في المساجد والمراكز الإسلامية خلال عطلة نهاية الأسبوع.

وتقوم المدارس العربية الخاصة بتوفير التعليم المدني للمراحل الدراسية الأولى والمتوسطة، أما بعد ذلك، فلابد أن يتوجه الطلاب إلى المدارس الحكومية.

التعليم المدني: أما التعليم المدني فيتم في المدارس الإسبانية الحكومية التي يذهب إليها أبناء المسلمين في كافة المراحل الدراسية، ورغم توافر التعليم المدني في هذه المدارس، فإن الطلاب يتعرضون لبعض التأثيرات السلبية سواء كان ذلك من خلال المدرسين أو المناهج أو الجو العام للمدرسة.

والمدارس الخاصة العربية أفضل حالًا من حيث التأثير السلبي على الطلاب وإن كانت هي الأخرى لا تخلو من التأثير على الطلاب بثقافة الدولة التي تتبعها المدرسة، ومع ذلك، فلا ينكر فائدة المدارس الخاصة في توفير جزء من الثقافة الإسلامية واللغة العربية، بالإضافة إلى التعليم المدني الذي يحتاجه أبناء المسلمين هناك.