التمييز والعنصرية تجاه الطلاب المسلمين أبرزها.. "الفتح" تستعرض نشاط وأحوال الأقليات المسلمة في أوروبا

  • 21
الفتح_ الاسلام في أوروبا

تستعترض "الفتح"، نشاط الأقليات المسلمة في أوروبا، حيث هناك الكثير من المسلمين الذين وفدوا إلى أوروبا مهاجرين؛ لأغراض مؤقتة في البداية -على الأقل- فمنهم من أتى للدراسة مع العزم أن يعود لبلاده، سواء كان من الشرق الأوسط أو من الدول الآسيوية والأفريقية الأخرى. والبعض أتى بحثاً عن عمل لفترة مؤقتة يأمل بعدها أن يعود لبلاده. أما البعض الآخر فقد هاجر إلى أوروبا لأسباب سياسية هروباً من الاضطهاد الذي يتعرض له المسلمون في الكثير من البلاد، سواء كانوا أكثرية أو أقلية. وقد ترتب على هذا الوضع أن المسلمين في أوروبا يتكونون من العمال الذين يزاولون العمل اليدوي أو الحرف البسيطة التي لا تحتاج إلى كثير من التخصص والمهارة الفنية.

وتواجه الأجيال المسلمة الجديدة الموجودة في قارة أوروبا خطرًا داهمًا جراء تعرضها لمسخ الهوية الإسلامية والانسلاخ من الدين.


ويمكن الحديث عن المظاهر العامة لنشاط الأقليات الإسلامية بأوروبا في المجالات التالية:

- المجال الاقتصادي:

يُكَوّن العمالُ غير الفنيين نسبة كبيرة من المسلمين الذين هاجروا إلى أوروبا خلال القرنين الماضيين بحثاً عن العمل، ومن الجدير بالذكر أن أكثر من حوالي ۸۰% ممن هاجروا إلى أوروبا من المسلمين كانوا عمالاً، وهذا يعني أن وضعهم الاقتصادي يضعهم في آخر درجات السلم الاجتماعي، والعمال وإن كانوا في البداية لا يجدون صعوبة كبيرة في الحصول على العمل، إلا أن ذلك قد تغير في السنوات الأخيرة، لانتشار البطالة في أوروبا ولقلة تدريب غالبية هؤلاء العمال ولكثرة الطلب على العمل من قِبل مهاجرين آخرين من الدول الأوروبية، ورغم أن هذا هو الوضع السائد في معظم الدول الأوروبية، إلا أن المسلمين الموجودين في أوروبا الشرقية يختلفون قليلاً عن هذا، وذلك لأن الحالة الاقتصادية في دول أوروبا الشرقية أسوأ بكثير من بقية أوروبا، وبالتالي فالعمالة في تلك الدول أكثر معاناة، كما أن فرص العمل أقل توافراً. أما المسلمون الذين استوطنوا الاتحاد السوفيتي منذ فترة طويلة، فهم وإن كانوا يُعَدُّون من سكان البلاد الأصليين، فقد حرمهم النظام الشيوعي من أي ملكية في ظل الملكية العامة للدولة، وحتى عندما انهارت الشيوعية وبدأت موجة تمليك القطاع الخاص، فإن ضعف الإمكانات المادية حالت بين المسلمين وبين القدرة على إدارة أي مشروعات اقتصادية كبيرة يمكن أن يكون لها مردود اقتصادي مربح ، هذا بالإضافة إلى أن المسلمين فيها كانوا يرزحون تحت نير الفقر منذ فترة طويلة.

وهكذا يتضح أن أوضاع المسلمين الاقتصادية في أوروبا عموماً أوضاع مزرية نسبياً وتحتاج إلى الكثير من العون والمساعدة، وقد انعكس ذلك على مظاهر حياتهم الأخرى.


- المجال التعليمي:

يعاني المسلمون في أوروبا من تدني التعليم الديني في أوساطهم، وكان ذلك إما بسبب السياسة التي تنتهجها الدول التي يعيش فيها المسلمون كأقلية، حيث كان يُمنع التعليم الإسلامي منعاً باتاً بل وأُغلقت المدارس والمعاهد الإسلامية في كل الدول الشيوعية سابقاً، ومُنع أيُّ نوع من أنواع التعليم الديني سواء كان في المساجد أو المدارس، وإن استمر المسلمون في الاتحاد السوفيتي في ممارسة تعليم القرآن وشيء من الكتابة سراً في بيوتهم حتى سقط هذا الاتحاد، وبعد سقوطه أراد المسلمون أن يعودوا إلى التعليم الإسلامي فوجدوا أنهم يعانون من نقص الإمكانات المادية والبشرية، إذ لم تعد هناك مدارس أو معاهد يمكن أن يدرس بها الطلاب ولم يتوافر العدد الكافي من مدرسي الثقافة الإسلامية واللغة العربية، كما لم تتوافر المناهج الدراسية المناسبة للمرحلة الجديدة، ولذا كان لابد من أن يبدأ المسلمون من البداية، فأخذوا يستعينون ببعض المسلمين من الخارج لتعليمهم أمور دينهم ومساعدتهم على الخروج من ظلام سنوات الشيوعية، الذي فُرض عليهم لأكثر من ٧٠ عاماً . وقد بدأت أوضاع التعليم تتحسن بين مسلمي الاتحاد السوفيتي سابقاً ولكن الأمر يحتاج إلى فترة زمنية طويلة قبل أن يتمكنوا من تعويض ما فاتهم، ومن الجدير بالذكر أن بعض المسلمين كانوا يذهبون إلى المدارس العامة التي كانت تديرها الحكومة السوفيتية وبالتالي فمستوى التعليم لديهم لا يقل في العموم عن مستوى التعليم السوفيتي العام.

 أما التعليم الديني بين مسلمي دول أوروبا الأخرى: فهو أحسن حالاً وذلك أن هذه الدول لم تكن تضع أي قيود على إنشاء المؤسسات التعليمية، كما أن مدارسها مفتوحة لاستقبال المسلمين في المدارس العامة، ولكن ضعف إمكانات المسلمين وانتشار الجهل بينهم نسبياً، حال دون تأسيس مدارس نظامية كاملة، واقتصر الأمر في البداية على مدارس نهاية عطلة الأسبوع، التي كانت تقام في المساجد والمراكز الإسلامية لتوفير بعض مبادئ التعليم الإسلامي وحفظ القرآن الكريم، وقد أخذ المسلمون شيئاً فشيئاً يُنشئون المدارس والمعاهد الإسلامية في عدد من العواصم الأوروبية لسد النقص في التعليم الإسلامي، وبعد فترة من الزمن، أدخلوا المناهج التعليمية المحلية بالإضافة إلى الثقافة الإسلامية وتعليم اللغة العربية أو اللغة المحلية السائدة في المنطقة، ولكن هذا النوع من المدارس مازال قليلاً ويقتصر في معظم الحالات على المستويات الابتدائية والمتوسطة، وقد شعر قادة الجاليات الإسلامية في الكثير من البلدان الأوروبية بهذا النقص في التعليم الإسلامي، فبدأوا بإنشاء المدارس الشاملة التي تصل إلى المرحلة الجامعية وخصوصاً عندما بدأ بعض الطلاب المسلمين يتعرضون لبعض الممارسات العنصرية، إما الرسمية أو الشعبية كما حصل في موضوع الحجاب في فرنسا، ورغم أن الحكومات الأوروبية ملزمة بالصرف على المؤسسات التعليمية التي تخدم قطاعات الشعب المختلفة، إلا أن المدارس الإسـلامـيــة لــم تجد الدعم المطلوب إلا في حالات نادرة جداً، وقد قامت بعض الدول الإسلامية إما بإنشاء مدارس لأبنائها وأبناء بعض المسلمين في بعض الدول الأوروبية أو المساعدة على إنشائها، مثل المملكة العربية السعودية التي أنشأت أكاديمية الملك فهد في كلٍ من لندن وبون.
وفي السنوات الأخيرة، بدأت بعض الجاليات الإسلامية في بريطانيا وألمانيا وفرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى بإنشاء مدارس ثانوية خاصة بالمسلمين، ورغم أن هذه المدارس ليست كافية، إلا أنها سدت حاجة ملحة، وعددها يزداد باستمرار.

كما بدأت بعض الكليات التي تحاول أن توفر المدرسين للمدارس الثانوية في كلٍ من بريطانيا وفرنسا؛ ولكن على نطاق محدود جداً (اتحاد المنظمات الإسلامية، ۱۹۹۸م).

- المجال الدعوي:

يقوم المسلمون في أوروبا بنشاط دعوي يختلف من بلد إلى آخر ومن جالية إلى أخرى. وهذا النشاط ينطلق في معظم الحالات من المساجد والمراكز الإســلامـيـة، وانطلاقاً من فهم دور المسلم في المجتمعات غير الإسلامية، يتمحور النشاط الدعوي للجاليات الإسلامية في أوروبا حول محورين رئيسين: دعوة المسلمين وتوجيههم ووعظهم، ودعوة غير المسلمين وتعريفهم بالإسلام.

ويتمثل النشاط الأول الموجه للمسلمين في إقامة الشعائر الدينية من صلاة الجمعة والعيدين والصلوات الخمس إلى صيام شهر رمضان وما يتطلبه من ترتيبات، وكذلك إدارة مدارس عطلة الأسبوع وغير ذلك من النشاطات التي تتم غالباً في المجتمعات المسلمة في أوروبا.

أما دعوة غير المسلمين، فتتم من قِبل أشخاص لهم معرفة جيدة بالإسلام وكذلك معرفة جيدة بالمجتمع الذي يعيشون فيه، وتتمثل هذه الدعوة في التعريف بالإسلام من خلال المحاضرات والمشاركات الإعلامية المختلفة.

هذا بالإضافة إلى توزيع بعض النشرات واستغلال المناسبات التي تسنح في الأماكن المختلفة، وقد أُنشئت كلية الدراسات الإسلامية في فرنسا التي تحاول أن تعد بعض الدعاة وأئمة المساجد ليتولوا أمور المسلمين في الدول الأوروبية، كما أن بعض الهيئات الإسلامية مثل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد والندوة العالمية للشباب الإسلامي في المملكة العربية السعودية، تقيم بعض الدورات الشرعية من وقت لآخر لإعداد بعض الدعاة لهذه المهمة.
ومن الجدير بالذكر أن الجهود الدعوية للجاليات الإسلامية في أوروبا لها آثار إيجابية في الحفاظ على هوية المسلمين وتوجيه الناشئة المسلمة هناك، كما أنها نجحت في استقطاب بعض الأفراد إلى الإسلام بحيث لا يكاد يخلو بلد من البلدان الأوروبية من مسلمين جدد، وبعد ذلك تتولى المراكز الإسلامية تعليم وتوجيه من يُسلم ليكون عضواً صالحاً في الجالية الإسلامية في البلد الذي أسلم فيه. وهذا لا يعني أن جهود الجاليات الإسلامية الدعوية في أوروبا جـهـود كـافـيـة ولا تحتاج إلى تحسين، بل العكس هو الصحيح، حيث إن جهود الـدعــوة في تلك البلدان ما زالت متواضعة وتحتاج إلى التحسين كمّاً وكَيفاً.

- المجال الخارجي: 

من المُسَلّم به أن معظم أفراد الجاليات الإسلامية في أوروبا هاجروا من بعض الدول الإسلامية لسبب من الأسباب التي ذكرت من قبل، ولهذا فمن المتوقع أن تستمر اتصالاتهم الخارجية مع دولهم التي جاءوا منها بسبب علاقاتهم مع أهليهم وذويهم، وأحياناً بسبب متابعة الحكومات التي ينتمون لها في الأصل، وتظهر هذه العلاقات الخارجية في عدة مظاهر، مثل الصلة بالسفارات والزيارات المتكررة من بعض المسؤولين في الدول الإسلامية أو بعض الدعاة في محاولة من تلك الدول للإبقاء على الصلة مع رعاياها في المهجر، وأحياناً تحصل بعض النتائج الإيجابية لهذه الصلة من خلال المساعدات الثقافية أو غيرها.

على أن أهم مظهر من مظاهر النشاط الخارجي للجاليات المسلمة في أوروبا، هو العلاقة مع بعض المنظمات الإسلامية والهيئات الدعوية التي تقدم بعض الخدمات للمسلمين في أرض المهجر والموجودة في بعض الدول الإسلامية، مثل رابطة العالم الإسلامي وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية والندوة العالمية للشباب الإسلامي ووزارة الشؤون الإسلامية في المملكة العربية السعودية والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية وجمعية إحياء التراث الإسلامي في الكويت والأزهر الشريف في مصر وغيرها وتتم هذه المساعدات من خلال زيارة بعض الوفود من الجاليات الإسلامية في أوروبا أو خلال الزيارات الدعوية التي يقوم بها منسوبوا هذه الهيئـات للمسلمين في أوروبا. وقد تمت من خلال هذه المساعدات بعض المشروعات التعليمية والدعوية وكذلك تبادل الزيارات الجماعية التي تنظمها الجاليات المسلمة في أوروبا بالتعاون مع المؤسسات الإسلامية في السعودية، سواء كانت لأداء الحج و العمرة أو كانت لطلب دعم المشروعات للمسلمين في الدول الأوروبية.

- المجال الاجتماعي:

لا شك أن للنشاط الاجتماعي أهمية خاصة في الحفاظ على هوية المسلمين في الدول الأوروبية، ولكن هذا النشاط الاجتماعي يكاد يكون معدوماً في بعض المجتمعات لعدم توافر وسائل القيام به. ويكاد يقتصر في وجوده على الزيارات بين الأسر المسلمة والمشاركة أحياناً في بعض اللقاءات الجماعية، مثل المخيمات والدورات وغيرها. وغالباً ما يكون لهذه النشاطات الاجتماعية الإسلامية آثار إيجابية على الناشئة المسلمة بوجه خاص، أما معظم المناشط الاجتماعية للجاليات المسلمة في المجتمعات الغربية، فتتم ضمن النشاط الاجتماعي في البلد الذي يوجدون فيه . ورغم أن الكثير من الأسر تحاول أن تقلل من التأثير السلبي للمناشط الاجتماعية غير الإسلامية على أفرادها، إلا أن ذلك قد لا يكتب له النجاح في معظم الحالات بسبب الظروف الضاغطة التي تمارسها الأغلبية غير المسلمة، ولهذا يعد نقص المناشط الاجتماعية الإسلامية بين الأقليات المسلمة في الدول الأوروبية أحد المداخل السلبية على هذه الأقليات. ويحتاج الأمر إلى معالجة جذرية من قبلهم بالتعاون مع الهيئات الإسلامية التي يمكن أن تساعد في هذا المجال.