النشاط الاقتصادي والتعليمي للأقلية المسلمة في فرنسا والمعاناة التي يعانونها

  • 48
الفتح - الأقليات المسلمة في فرنسا

تقع فرنسا في الجنوب الغربي من أوروبا وهي تطل على خليج بسكي والمحيط الأطلسي من الغرب وعلى بحر المانش من الشمال وعلى البحر المتوسط من الجنوب، وهي محاطة بست دول أوروبية هي: بلجيكا ولوكسمبورج من الشمال، وألمانيا وسويسرا من الشرق، وإيطاليا من الجنوب الشرقي، وأسبانيا من الجنوب الغربي، وتعد جزيرة كورسيكا جزءًا من فرنسا.

وتواجه الأجيال المسلمة الجديدة الموجودة في قارة أوروبا خطرًا داهمًا جراء تعرضها لمسخ الهوية الإسلامية والانسلاخ من الدين.


اقرأ أيضا:

عمال وطلاب ومهاجرون وفرنسيون أصليون.. توزيع المسلمين وتصنيفهم في فرنسا


النشاط الاقتصادي للأقلية المسلمة في فرنسا:
اتضح من تقسيم المسلمين في فرنسا أنهم ليس لهم ثقل اقتصادي مهم، فهم عمال أتوا طلبًا للقمة العيش أو طلاب لا تكاد دخولهم تفي باحتياجاتهم الأساسية أو مهاجرون اضطرتهم الظروف لترك بلادهم وليس لديهم ما يقتاتون به، ومن الواضح أيضًا أن جهود العمال المسلمين في فرنسا تستغل لصالح المؤسسات الفرنسية ولا يستفيد منها المسلمون سوى الراتب الزهيد الذي يحصل عليه العامل.
ومع ازدياد المسلمين في فرنسا وازدياد حاجتهم للكثير من الخدمات التي لا يقدمها المجتمع الفرنسي، بدأ بعض المسلمين بمشروعات اقتصادية صغيرة انطلاقًا من شعورهم بأهميتها للمسلمين وأن القيام بها واجب على المجتمع المسلم، بالإضافة إلى مردودها الاقتصادي المتواضع.

بعض المشروعات الخاصة بالأقلية المسلمة في فرنسا:
في مقدمة هذه المشروعات التجارية، ما يتعلق بتوفير اللحم الحلال للجالية المسلمة، وقد افتتح في بعض المدن الفرنسية مراكز خاصة توفر اللحم المذبوح على الطريقة الإسلامية، هذا بالإضافة إلى بعض البقالات التي تبيع مواد غذائية ذات طابع شرقي ويديرها في الغالب مسلمون.
أما ما عدا ذلك من النشاط الاقتصادي، فلا تتوافر أي معلومات مفيدة في هذا المجال، ومع ذلك فلابد أن يكون لبعض الأفراد من المسلمين ممتلكات ومشروعات اقتصادية يملكونها منفردين أو مشاركين مع بعض الفرنسيين، ولكن حتى مع فرضية وجود مثل هذه المشروعات الفردية المفترضة، فلابد أنها قليلة جدًا بحيث لا تؤثر على الحكم العام الذي أصدرناه على المسلمين وهو كونهم عمال من ذوي الدخل المحدود ويعود مردود جهودهم الاقتصادية على المجتمع الفرنسي.

النشاط التعليمي لمسلمي فرنسا ومعاناتهم في التعليم:
يواجه المسلمون في الغرب مشكلات متعددة تتعلق بتعليم أبنائهم في المجتمعات التي يعيشون فيها، ولا يكاد يختلف مسلمو فرنسا عن بقية المسلمين في دول الأقليات فيما يخص معاناتهم في مجال التعليم.
ويقدر عدد من هم في سن الدراسة من المسلمين في فرنسا بأكثر من مليون ونصف طفل اتحاد المنظمات الإسلامية، (1997م)، تستوعب المدرستان العربيتان الوحيدتان في فرنسا -اللتان تعودان للحكومة العراقية والحكومة الليبية- حوالي ألف طالب.
كما تحاول المساجد والمراكز الإسلامية خلال عطلة نهاية الأسبوع توفير تعليم اللغة العربية ومبادئ الإسلام لحوالي ألفي طالب رغم عدم توافر الإمكانات المناسبة فيما يخص الأمكنة وكذلك عدم توافر المدرسين المؤهلين، وأما الباقي من الطلاب فيذهبون إلى المدارس الفرنسية في أنحاء الجمهورية، ولا يخلو الأمر من مخاطر خلقية وتأثيرات عقائدية وسلوكية على الطلاب المسلمين، خصوصا في المراحل الأولى الابتدائية والمتوسطة.
أما في المرحلة الثانوية والجامعية، فبالإضافة إلى تلك المخاطر، يوجد خطر منع الطالبات من الذهاب إلى المدارس الحكومية إذا كن يرتدين الحجاب الإسلامي، وقد ظهرت هذه المشكلة في فرنسا منذ سنوات وما زالت لم تحل رغم صدور بعض الأحكام في بعض المناطق لصالح المسلمين.

أماكن التعليم الخاصة بالأقلية المسلمة في فرنسا:
وقد جد المسلمون بعد منع الطالبات المسلمات المحجبات من الذهاب إلى المدرسة الحكومية في السعي لإنشاء مدارس إسلامية للمرحلة المتوسطة والثانوية، ولكن حتى الآن لم تسفر هذه الجهود عن شيء يذكر، ومن المتوقع أن توجد أكثر من مدرسة خلال السنوات القليلة القادمة.
وقد أنشأ الاتحاد الإسلامي للجمعيات الإسلامية جمعية متخصصة لإنشاء المدارس الإسلامية، وأعد الاتحاد كتابًا مدرسيًا وآخر للمعلمين لتوفير التوجيه المناسب في مجال المدارس الإسلامية، وقد أقام الاتحاد عددًا من الدورات الخاصة لتخريج المعلمين بالتعاون مع المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، تخرج من هذه الدورات أكثر من خمسين معلمًا.
وبالرغم من أن المسلمين في فرنسا لم يستطيعوا حتى الآن إنشاء مدارس متكاملة ثانوية، فإنهم قد تمكنوا من إنشاء كلية للدراسات الإسلامية في مدينة شاتوشينون على أرض تبلغ مساحتها 110 ألف متر مربع ومقام عليها عدد من المباني، وقد بدأت الدراسة في هذه الكلية في بداية شهر يناير 1992م، وكان الهدف من هذه الكلية بالدرجة الأولى تزويد المراكز الإسلامية والمؤسسات التي تخدم المسلمين في بلاد الغرب بالأئمة والمدرسين وقيادات الجاليات الإسلامية في أوروبا وليس في فرنسا فقط.
وبالإضافة إلى التدريس تقوم الكلية الآن بإقامة عدد من الدورات التدريبية للدعاة وكذلك تدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها، هذا بالإضافة إلى عقد اللقاءات المتخصصة وإصدار البحوث التي تعالج قضايا المسلمين في المجتمعات الغربية، وتمنح الكلية شهادة الإجازة أو البكالوريوس في الشريعة أو أصول الدين أو اللغة العربية.
وهناك جهود أخرى لتكوين نواة الجامعة في باريس نفسها، وقد بدأت بعض المقررات الدراسية لهذه الجامعة في مكتب رابطة العالم الإسلامي، ولكنها ما زالت في مراحلها الأولى.

التعليم المتوافر للمسلمين في فرنسا:
ويمكن الحديث عن التعليم المتوافر للمسلمين في فرنسا باعتباره إما تعليمًا دينيًا أو تعليمًا مدنيًا وذلك على النحو التالي:

1- التعليم الديني:
يتلقى بعض الأطفال المسلمين التعليم الديني بشكل نظامي ومستمر خلال العطلة الأسبوعية أو في المساء بعد انتهاء الأطفال من الدراسة النظامية، وهذا النوع من التعليم يكاد يقتصر على تعليم تلاوة القرآن الكريم وبعض مبادئ الإسلام ومبادئ اللغة العربية. ويكاد يقتصر في الغالب على المراحل الأولى من التعليم ولأعمار تتراوح بين السادسة والرابعة عشر سنة، وما بعد ذلك فقد يكون على شكل دورات ليست دائمة، إما للثقافة العامة أو لتعليم القرآن الكريم والكتابة باللغة العربية.
وقد ذكرت بعض التقارير أن من يستفيدون من هذا النوع من التعليم الديني لا يكاد يزيد عددهم على ألفي طالب من أبناء المسلمين الذين هم في سن الدراسة والذين تتجاوز أعدادهم المليون نسمة (اتحاد المنظمات الإسلامية - 1997م).
ويمكن أن يضاف إلى هذا المصدر المهم للتعليم الديني، الدروس العامة التي تلقى في أيام الجمع (بخاصة خطب الجمعة) وكذلك دروس الأسبوع وأحيانًا بعض المحاضرات التي يلقيها بعض المحاضرين الزائرين، سواء من داخل فرنسا أو خارجها.
أما التعليم الديني في المرحلة الجامعية، فهو أحسن حالًا من التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي؛ وذلك لأنه يوجد في فرنسا الآن كلية للدراسات الإسلامية تبعد عن باريس حوالي ثلاثمائة كيلو متر، تعد بعض الأئمة والدعاة والمدرسين. كما بدأت نواة لكلية أخرى في مبنى رابطة العالم الإسلامي يرتادها بعض الطلاب.
وكما ذكرنا من قبل، يوجد في باريس مدرستان عربيتان تتبع إحداهما للعراق والأخرى لليبيا، وهي تدرس بعض المواد الدينية المحدودة، التي تعد غير كافية لتزويد الطالب بحصيلة إسلامية مناسبة في المجتمع الفرنسي.

2- التعليم المدني:
أما التعليم المدني فتوليه مدرستا العراق وليبيا اهتمامًا أفضل على حسب المقررات المطبقة في البلدين، التي تحتوي على قدر كبير من التربية الوطنية التي قد تكون غير مناسبة للطلاب من غير هاتين الدولتين.
وغني عن القول إن الغالبية العظمى من أبناء المسلمين في فرنسا يحصلون على تعليمهم المدني من المدارس الفرنسية التي يذهبون إليها في مناطق سكنهم، وهذه المدارس تعد الطالب للحياة الفرنسية بكل خلفياتها الاجتماعية والفكرية، ولهذا فهو يحتوي على بعض المعلومات التي قد لا يحتاجها أبناء المسلمين بل لا يريدونها، ولكنها جزء من المنهج العام، بل أسوأ من ذلك، أن بعض مقررات العلوم الاجتماعية تحتوي على معلومات مغلوطة عن الإسلام والمسلمين، ولا يملك المسلمون شيئًا إزاء تغييرها، وبهذا تسهم مع بقية محتويات المقررات وتأثيرات المجتمع الفرنسي في تشكيل ثقافة أبناء المسلمين وتجهيلهم بدينهم وتشكيل فكرهم بشكل سلبي، الأمر الذي قد لا تغني معه التربية المنزلية والتوجيه الإسلامي الذي لا يتوافر في كل الأحوال.
ولا شك أن موضوع التعليم يعد من أولويات الجاليات المسلمة في الغرب بما في ذلك فرنسا، لكن ظروف المسلمين ونقص إمكاناتهم لم تمكنهم من أن يحققوا الكثير في هذا المجال، رغم أنه همهم الأول، ولكن من المتوقع أن تشهد السنوات القليلة القادمة تغيرًا في إنشاء المدارس وتوفير التعليم الإسلامي في فرنسا.