آفات دعوية (1)

  • 293

يتعرض العاملون في الدعوة إلى الله عز وجل، سواء أفراد أم جماعات إلى مجموعة من الآفات التي تؤثر على مسيرة العمل الدعوي، ووحدة الصف، ونقف في هذا المقال على مجموعة من تلك الآفات، وهي:

أن يتصدر الحدث قبل أن يتأهل؛ فيفسد من حيث يريد الإصلاح، ولا ينافي هذا قوله صلى الله عليه وسلم : «بلغوا عني ولو آية» فأبو بكر الصديق رضي الله عنه نطق بالشهادتين ودعا ستة من المبشرين بالجنة في الثاني مباشرة، وغلام الأخدود تعلم من الراهب ودعا مجتمعاً بأسره، والآفة أن يتم التصدر في غير مجاله أو فيما لا يحسنه.

ومن الآفات: أن تهتم الدعوات بالتوسع الكمي (زيادة الأعداد-التجميع) على حساب التوسع الكيفي (بناء الشخصيات وصقلها)؛ الأمر يحتاج إلى توازن ومتابعة شديدة وعناية فائقة بالأشخاص وترتيب الأولويات والموازنة بين جانب البناء وجانب الانتشار؛ لأن العيش في خندق بناء الشخصية بعيدًا عن التفاعل في الواقع، يحد من انتشار الدعوة ويفقدها واقعيتها وصلاحيتها.
والعيش من أجل تجميع الأشخاص دون بناء لهم، يفقد الدعوة هويتها، وسرعان ما تتحول إلى دعوة أخرى غير التي بدأت، ولعل قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي ابن أبي طالب يوم فتح خيبر: «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم» ، يحتاج إلى كثير من التمعن فهو سوف يفتح خيبر والإعداد كثير (التوسع الكمي) كأن النبي صلى الله عليه وسلم يرشده إلى أن العبرة بالهداية (التوسع الكيفي).

ومن الآفات: أن نظن أن القضايا الفارقة في المنهج السلفي هي قضايا فكرية فقط، فنهتم بالجانب الفكري التنظيري ونغفل الجوانب الأخرى، ولا شك أن الأمر يحتاج إلى نظرة متوازنة ومتعمقة في بناء الفرد؛ لأن الشخصية المؤثرة حقًا لابد أن يتأصل فيها:
- الجانب الإيماني تأصلا عمليًا واقعيًا ينطبع على السلوك الشخصي.
- الجانب التربوي الذي يفعل أعمال التزكية تفعيلا يحيي القلوب بحق.
- الجانب الفكري الذي يغرس فهم السلف في العقول وطريقة تناولهم للقضايا.

ومن الآفات: أن تكون الدعوة عبارة عن شعارات وعواطف، دون أن يكون لها أثر ملموس في قلوب الناس وفي حياتهم، فالداعية الحقيقي من يعيش حياة من حوله، ويحمل همهم، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} (فاطر:8)، وقال تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} (الكهف:6) وقال: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} (الشعراء:3).

ومن الآفات: إهمال الدعوة الفردية، وهي آفة كبيرة موجودة بكثرة ولا سيما مع كثرة الأعباء والانشغالات، وتحتاج من الداعية إلى إيمان عميق وفهم دقيق واتصال وثيق (وهذا لحل الأزمة الداخلية)، وعلى مستوى المدعو نحتاج في التعامل معه إلى لين ورفق وبشاشة ورحمة وعطف وشفقة.

ومن الآفات الدعوية: التفريط في الأعمال الصالحة في عمل اليوم والليلة، وهي من الأمراض الفتاكة التي تفتك بالشخص، فيظل يضعف تدريجيًا حتى يصل إلى موت القلب، وهو أشبه بمرض السرطان الذي يسري في الجسد مدة طويلة دون أعراض، ثم تظهر الأعراض عندما لا ينفع، وعندها تظهر المشكلات الدعوية والتربوية التي تؤثر على قوة ومتانة الصف الدعوي.